(صَحَّ) اسْتِحْسَانًا (بِلَا غُرْمٍ) وَيَتَحَالَّانِ وَلَوْ أَكَلَا وَلَمْ يَعْرِفَا ثُمَّ عَرَفَا هِدَايَةٌ، وَإِنْ تَشَاحَّا ضَمِنَ كُلٌّ لِصَاحِبِهِ قِيمَةَ لَحْمِهِ وَتَصَدَّقَ بِهَا.
قُلْت: وَفِي أَوَائِلِ الْقَاعِدَةِ الْأُولَى مِنْ الْأَشْبَاهِ: لَوْ شَرَاهَا بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ فَذَبَحَهَا غَيْرُهُ بِلَا إذْنِهِ، فَإِنْ أَخَذَهَا مَذْبُوحَةً وَلَمْ يَضْمَنْهُ أَجْزَأَتْهُ، وَإِنْ ضَمِنَهُ لَا تُجْزِئُهُ، وَهَذَا إذَا ذَبَحَهَا عَنْ نَفْسِهِ. أَمَّا إذَا ذَبَحَهَا عَنْ مَالِكِهَا فَلَا ضَمَانَ
ــ
[رد المحتار]
صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرِهِ وُقُوعُهُ عَنْ صَاحِبِهِ، لَكِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ ابْنَ الْكَمَالِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي مَنْهُوَّاتِهِ عَلَى الْهَامِشِ. ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَ أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ هُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ط: أَهْلُ الْمَذْهَبِ إلَّا زُفَرَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا تَقَعُ عَنْ الْمَالِكِ لِلْإِذْنِ دَلَالَةً (قَوْلُهُ صَحَّ اسْتِحْسَانًا بِلَا غُرْمٍ) أَيْ صَحَّ عَنْ صَاحِبِهِ، فَتَقَعُ كُلُّ أُضْحِيَّةٍ عَنْ مَالِكِهَا كَمَا عَلِمْت فَيَأْخُذُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَسْلُوخَتَهُ وَقَدَّمْنَا وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ.
وَأَمَّا الْقِيَاسُ وَهُوَ قَوْلُ زَفَرَ فَهُوَ أَنَّهُ يَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهَا لِأَنَّهُ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (قَوْلُهُ وَيَتَحَالَّانِ) أَيْ إنْ كَانَا قَدْ أَكَلَا ثُمَّ عَلِمَا فَلْيُحْلِلْ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَشَاحَّا) أَيْ عَنْ التَّحْلِيلِ (قَوْلُهُ وَتَصَدَّقَ بِهَا) لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ اللَّحْمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ، لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ لَمَّا وَقَعَتْ عَنْ صَاحِبِهِ كَانَ اللَّحْمُ لَهُ، وَمَنْ أَتْلَفَ لَحْمَ أُضْحِيَّةٍ غَيْرِهِ فَالْحُكْمُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا هِدَايَةٌ. أَقُولُ: وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ اللَّحْمِ إلَخْ أَنَّ التَّضْمِينَ لِقِيمَةِ اللَّحْمِ لَا لَقِيمَتِهَا حَيَّةً وَلِذَا وَقَعَتْ عَنْ الْمَالِكِ. بَقِيَ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ السَّابِقِ بِلَا غُرْمٍ وَكَذَا قَوْلُ الْهِدَايَةِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا وَقَوْلُهُمْ لِأَنَّهُ صَارَ ذَابِحًا لِإِذْنِ دَلَالَةً يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ كُلٌّ تَضْمِينَ صَاحِبِهِ قِيمَتَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ: لَوْ تَشَاحَّا وَأَدَّى كُلٌّ مِنْهُمَا الضَّمَانَ عَنْ نَفْسِهِ تَقَعُ الْأُضْحِيَّةَ لَهُ وَجَازَتْ عَنْهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ اهـ فَعَلَى هَذَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْخِيَارُ بَيْنَ تَضْمِينِ صَاحِبِهِ وَتَكُونُ ذَبِيحَةُ كُلٍّ أُضْحِيَّةً عَنْ نَفْسِهِ وَبَيْنَ عَدَمِ التَّضْمِينِ فَتَكُونُ ذَبِيحَةُ كُلٍّ أُضْحِيَّةً عَنْ صَاحِبِهِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُمْ بِلَا غُرْمٍ عَلَى مَا إذَا رَضِيَ كُلٌّ بِفِعْلِ الْآخَرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) لَمَّا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ فِيمَا إذَا غَلِطَ الذَّابِحُ وَذَبَحَ عَنْ نَفْسِهِ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ مَا إذَا تَعَمَّدَ ذَبْحَ أُضْحِيَّةٍ بِلَا أَمْرِهِ صَرِيحًا فَذَبَحَ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ الْمَالِكِ وَقَدَّمْنَاهُ مُلَخَّصًا عَنْ الْأَتْقَانِيِّ (قَوْلُهُ أَجْزَأَتْهُ) أَيْ أَجْزَأَتْ الشَّارِي عَنْ التَّضْحِيَةِ لِأَنَّهُ قَدْ نَوَاهَا فَلَا يَضُرُّهُ ذَبْحُهَا غَيْرَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا زَيْلَعِيٌّ
(قَوْلُهُ وَإِنْ ضَمَّنَهُ إلَخْ) أَيْ ضَمَّنَهُ الشَّارِي قِيمَتَهَا لَا تُجْزِي الشَّارِي وَتَجُوزُ عَنْ الذَّابِحِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْإِرَاقَةَ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ وُقُوعُهَا عَنْ الْمَالِكِ إنْ لَمْ يُضَمِّنْ الذَّابِحَ وَعَدَمُ وُقُوعِهَا عَنْهُ بَلْ عَنْ الذَّابِحِ إنْ ضَمَّنَهُ (قَوْلُهُ أَمَّا إذَا ذَبَحَهَا إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي: وَإِذَا ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ الْغَيْرِ نَاوِيًا مَالِكَهَا بِغَيْرِ أَمَرَهُ جَازَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اهـ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ لِوُجُودِ الْإِذْنِ دَلَالَةً كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: أَطْلَقَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَصْلِ وَقَيَّدَهَا فِي الْأَجْنَاسِ بِمَا إذَا أَضْجَعَهَا صَاحِبُهَا لِلْأُضْحِيَّةِ. وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُخْتَارُ اهـ أَيْ لِلِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ عِنْدَ الشِّرَاءِ فَتَعَيَّنَتْ لَهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ صَفْحَةٍ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لَا تُجْزِي وَضَمِنَ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: اشْتَرَى خَمْسَ شِيَاهٍ فِي أَيَّامِ الْأُضْحِيَّةِ وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهَا فَذَبَحَ رَجُلٌ وَاحِدَةً مِنْهَا يَوْمَ الْأَضْحَى بِنِيَّةِ صَاحِبِهَا بِلَا أَمَرَهُ ضَمِنَ اهـ. وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ أَنَّهُ لَوْ غَلِطَ فَذَبَحَ أُضْحِيَّةً غَيْرِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ ضَمَّنَهُ وَقَعَتْ عَنْ الذَّابِحِ وَإِلَّا فَعَنْ الْمَالِكِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَكَذَا لَوْ تَعَمَّدَ وَذَبَحَهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَتَأَمَّلْهُ مَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute