نَذَرَ عَشْرَ أُضْحِيَّاتٍ لَزِمَهُ ثِنْتَانِ لِمَجِيءِ الْأَثَرِ بِهَا خَانِيَّةٌ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْكُلِّ لِإِيجَابِهِ مَا لِلَّهِ مِنْ جِنْسِهِ إيجَابٌ شَرْحٌ وَهْبَانِيَّةٌ.
قُلْت: وَمَفَادُهُ لُزُومُ النَّذْرِ بِمَا ضَمِنَ جِنْسَهُ وَاجِبٌ اعْتِقَادِيٌّ أَوْ اصْطِلَاحِيٌّ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَلْيُحْفَظْ.
ــ
[رد المحتار]
أَقُولُ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهَا سَوْدَاءُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فَهِمَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ وَهْبَانَ فِي شَرْحِهِ أَوْقَعَهُ فِيهِ التَّحْرِيفُ. وَالصَّوَابُ أَنَّهَا بَيْضَاءُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَسَنَذْكُرُ كَلَامَهُ عِنْدَ النَّظْمِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْهِدَايَةِ: قَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ» اهـ وَالْوِجَاءُ عَلَى وَزْنِ فِعَالٍ: نَوْعٌ مِنْ الْخِصَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَاخْتَلَفَ فِي الْأَمْلَحِ، فَفِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ فَتْحِ الْبَارِي لِابْنِ حَجَرٍ: هُوَ الَّذِي بَيَاضُهُ أَكْثَرُ مِنْ سَوَادِهِ وَيُقَالُ هُوَ الْأَغْبَرُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَصْمَعِيِّ وَزَادَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ الَّذِي فِي خَلَلِ صُوفِهِ طَبَقَاتٌ سُودٌ، وَيُقَالُ الْأَبْيَضُ الْخَالِصُ، قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، وَبِهِ تَمَسَّك الشَّافِعِيَّةُ فِي تَفْضِيلِ الْأَبْيَضِ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَقِيلَ الَّذِي يَعْلُوهُ حُمْرَةٌ وَقِيلَ الَّذِي يَنْظُرُ فِي سَوَادٍ وَيَأْكُلُ فِي سَوَادٍ وَيَمْشِي فِي سَوَادٍ وَيُبْرَكُ فِي سَوَادٍ: أَيْ إنَّ مَوَاضِعَ هَذِهِ مِنْهُ سَوَادٌ وَمَا عَدَاهُ أَبْيَضُ اهـ. أَقُولُ: وَفِي الْبَدَائِعِ: أَفْضَلُ الشَّاءِ أَنْ يَكُونَ كَبْشًا أَمْلَحَ أَقْرَنَ مَوْجُوءًا وَالْأَقْرَنُ: الْعَظِيمِ الْقَرْنِ. وَالْأَمْلَحُ: الْأَبْيَضُ اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَبْيَضُ الْخَالِصُ فَيُوَافِقُ قَوْلَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفَسَّرَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَالْكِفَايَةِ بِالْأَبْيَضِ الَّذِي فِيهِ شَعَرَاتٌ سُودٌ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْقَامُوسِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الْبَدَائِعِ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ لَزِمَهُ ثِنْتَانِ) عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ قَالُوا: لَزِمَهُ ثِنْتَانِ (قَوْلُهُ مَجِيءُ الْأَمْرِ بِهِمَا) الَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا الْأَثَرُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ» قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ: قَدْ يُقَالُ لَمَّا بَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ أَحَدَهُمَا عَنْهُ وَعَنْ آلِهِ وَالْآخَرَ عَنْ أُمَّتِهِ لَمْ يَقْضِ بِثِنْتَيْنِ عَلَى شَخْصٍ بِالسُّنِّيَّةِ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْكُلِّ) كَذَا صَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ. وَنَقَلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَنَّهُ الظَّاهِرُ وَسَيَأْتِي فِي النَّظْمِ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُضَحِّيَ بِالْعَشْرِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَبَعْدَهَا يَتَصَدَّقُ بِهَا حَيَّةً لَوْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ مَتْنًا. قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَأَقُولُ فِي صِحَّةِ إلْزَامِهِ بِثِنْتَيْنِ أَوْ بِعَشْرٍ تَأَمُّلٌ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ مِثْلُ إلْزَامِهِ عَلَى نَفْسِهِ الظُّهْرَ عَشْرًا فَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ مَا أَوْجَبَهُ تَعَالَى، لِأَنَّ نَذْرَ ذَاتِ الْوَاجِبِ وَتَعَدُّدِهِ لَيْسَ صَحِيحًا نَعَمْ نَذَرَ مِثْلَهُ كَقَوْلِهِ نَذَرْت ذَبْحَ عَشْرِ شِيَاهٍ وَقْتَ كَذَا يَصِحُّ وَيَلْغُو ذِكْرُ الْوَقْتِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ: لَوْ قَالَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيَّ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ مَرَّتَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ غَيْرُ الْمَشْرُوعِ مَعَ أَنَّ الْحَجَّ نَفْلًا مَشْرُوعٌ وَلَكِنْ لَا يُسَمَّى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ الْأُضْحِيَّةَ لَمْ تُشْرَعْ لَازِمَةً إلَّا وَاحِدَةً فَنَذْرُ تَعَدُّدِهَا إلْزَامُ غَيْرِ الْمَشْرُوعِ وُجُوبًا فَلَا يَلْزَمُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ إنَّ كُتُبَ الْمَذْهَبِ طَافِحَةٌ بِصِحَّةِ النَّذْرِ بِالْأُضْحِيَّةِ مِنْ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْغَنِيَّ إذَا قَصَدَ بِالنَّذْرِ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَكَانَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ وَاحِدَةٌ وَإِلَّا فَثِنْتَانِ.
ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ اسْمٌ لِشَاةٍ مَثَلًا تُذْبَحُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَاجِبَةً كَانَتْ أَوْ تَطَوُّعًا، فَإِذَا نَذَرَ أُضْحِيَّةً لَمْ تَنْصَرِفْ إلَى الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَنْوِ بِالنَّذْرِ الْإِخْبَارَ، كَمَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ حَجَّةٌ، وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: يَلْزَمُهُ أُخْرَى إلَّا إذَا عَنِيَ بِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ اهـ، فَإِذَا نَذَرَ عَشْرَ أُضْحِيَّاتٍ لَمْ يَحْتَمِلْ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ أَصْلًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الْغَنِيَّ لَوْ نَذَرَ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ أَنْ يُضَحِّيَ شَاةً لَزِمَهُ شَاتَانِ إحْدَاهُمَا بِالنَّذْرِ وَالْأُخْرَى بِالْغِنَى لِعَدَمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute