غَنَمٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ ضَحَّيَا بِهَا جَازَ؛ بِخِلَافِ الْعِتْقِ لِصِحَّةِ قِسْمَةِ الْغَنَمِ لَا الرَّقِيقِ. ضَحَّى بِثِنْتَيْنِ فَالْأُضْحِيَّةُ كِلَاهُمَا، وَقِيلَ الزَّائِدُ لَحْمٌ؛ وَالْأَفْضَلُ الْأَكْثَرُ قِيمَةً، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَالْأَكْثَرُ لَحْمًا، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَأَطْيَبُهُمَا، وَلَوْ ضَحَّى بِالْكُلِّ فَالْكُلُّ فَرْضٌ كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْفَرْضَ مِنْهَا مَا يَنْطَلِقُ الِاسْمُ عَلَيْهِ، فَإِذَا طَوَّلَهَا يَقَعُ الْكُلُّ فَرْضًا مُجْتَبًى.
شَرَى أُضْحِيَّةً وَأَمَرَ رَجُلًا بِذَبْحِهَا فَقَالَ تَرَكْت التَّسْمِيَةَ عَمْدًا لَزِمَهُ قِيمَتُهَا لِيَشْتَرِيَ الْآمِرُ بِهَا أُخْرَى وَيُضَحِّيَ، وَيَتَصَدَّقُ وَلَا يَأْكُلُ
ــ
[رد المحتار]
احْتِمَالِ الصِّيغَةِ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ إذْ لَا وُجُوبَ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَكَذَا لَوْ نَذَرَ وَهُوَ فَقِيرٌ ثُمَّ اسْتَغْنَى وَهُنَا كَذَلِكَ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْعَشْرِ فَتَلْزَمُهُ الْعَشْرُ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ مَرَّتَيْنِ لِأَنَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ اسْمٌ لِلْفِعْلِ الْمَخْصُوصِ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِيَّةِ فَإِذَا قَالَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْمَرَّةَ لَازِمَةٌ قَبْلَ النَّذْرِ وَالثَّانِيَةَ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا حَجَّةَ الْإِسْلَامِ الَّتِي هِيَ فَرْضُ الْعُمُرِ، وَمِثْلُهُ نَذَرَ رَمَضَانَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأُضْحِيَّةَ الَّتِي تُطْلَقُ عَلَى الْوَاجِبِ وَالتَّطَوُّعِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَبَيْنَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ أَظْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ، وَحَيْثُ عَلِمْت أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ اسْمٌ لِمَا يُذْبَحُ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلْغَاءُ الْوَقْتِ، فَإِذَا نَذَرَهَا يَلْزَمُ فِعْلُهَا فِيهِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ آتَيَا بِالْمَنْذُورِ لِأَنَّهَا بَعْدَهَا لَا تُسَمَّى أُضْحِيَّةً وَلِذَا يَتَصَدَّقُ بِهَا حَيَّةً إذَا خَرَجَ وَقْتُهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَذَرَ ذَبْحَ شَاةٍ فِي وَقْتِ كَذَا يَلْغُو ذِكْرُ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ وَصْفٌ زَائِدٌ عَلَى مُسَمَّى الشَّاةِ وَلِذَا أَلْغَى عُلَمَاؤُنَا تَعْيِينَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةَ فَإِنَّ الْوَقْتَ قَدْ جُعِلَ جُزْءًا مِنْ مَفْهُومِهَا فَلَزِمَ اعْتِبَارُهُ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا لَوْ نَذَرَ هَدْيَ شَاةٍ فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنَّمَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْعُهْدَةِ ذَبْحُهَا فِي الْحَرَمِ وَالتَّصَدُّقُ بِهَا هُنَاكَ مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِدِرْهَمٍ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ لَهُ التَّصَدُّقُ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِكَوْنِ الْهَدْيِ اسْمًا لِمَا يُهْدَى إلَى مَكَّةَ وَيُتَصَدَّقُ بِهِ فِيهَا
فَقَدْ جَعَلَ الْمَكَانَ جُزْءًا مِنْ مَفْهُومِهِ كَالزَّمَانِ فِي الْأُضْحِيَّةَ فَإِذَا تَصَدَّقَ بِهِ فِي غَيْرِ مَكَّةَ لَمْ يَأْتِ بِمَا نَذَرَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِالدِّرْهَمِ فِيهَا فَإِنَّ الْمَكَانَ لَمْ يُجْعَلْ جُزْءًا مِنْ مَفْهُومِ الدِّرْهَمِ فَإِنَّ الدِّرْهَمَ دِرْهَمٌ سَوَاءٌ تَصَدَّقَ بِهِ فِي مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا بِخِلَافِ الْهَدْيِ، فَقَدْ ظَهَرَ وَجْهُ تَصْحِيحِ الْعَشْرِ وَوَجْهُ لُزُومِ ذَبْحِهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَاغْتَنِمْ هَذِهِ الْفَائِدَةَ الْجَلِيلَةَ، الَّتِي هِيَ مِنْ نَتَائِجِ فِكْرَتِي الْعَلِيلَةِ؛ فَإِنِّي لَمْ أَرَهَا فِي كِتَابٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَلِكِ الْوَهَّابِ
(قَوْلُهُ غَنَمٌ) الَّذِي فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهَا شَاتَانِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْعِتْقِ إلَخْ) أَيْ لَوْ كَانَ عَبْدَانِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا كَفَّارَتَانِ فَأَعْتَقَاهُمَا عَنْ كَفَارَتَيْهِمَا لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الْأَنْصِبَاءَ تَجْتَمِعُ فِي الشَّاتَيْنِ لَا الرَّقِيقِ بِدَلِيلِ جَرَيَانِ الْجَبْرِ فِي قِسْمَةِ الْغَنَمِ دُونَ الرَّقِيقِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ فَالْأُضْحِيَّةُ كِلَاهُمَا) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ ضَحَّى بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَالْوَاحِدَةُ فَرِيضَةٌ وَالزِّيَادَةُ تَطَوُّعٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَحْمٌ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجُوزُ كِلَاهُمَا اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ الزَّائِدُ لَحْمٌ) أَيْ وَلَا يَصِيرُ أُضْحِيَّةً تَطَوُّعًا خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ إلَخْ) أَيْ الْأَكْثَرُ ثَوَابًا، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ وَلَوْ ضَحَّى بِالْكُلِّ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ لَوْ ضَحَّى بِبَدَنَةٍ يَكُونُ الْوَاجِبُ كُلُّهَا لَا سُبُعُهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مُوسِرًا ضَحَّى بِبَدَنَةٍ عَنْ نَفْسِهِ خَاصَّةً كَانَ الْكُلُّ أُضْحِيَّةً وَاجِبَةً عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ قَبْلَهُ بِأَسْطُرٍ لَوْ ضَحَّى الْغَنِيُّ بِشَاتَيْنِ فَالزِّيَادَةُ تَطَوُّعٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ كَانَ الْكُلُّ أُضْحِيَّةً وَاجِبَةً، وَلَا يَحْصُلُ تَكْرَارٌ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَافْهَمْ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ أَنَّ التَّضْحِيَةَ بِشَاتَيْنِ تَحْصُلُ بِفِعْلَيْنِ مُنْفَصِلِينَ وَإِرَاقَةِ دَمَيْنِ فَيَقَعُ الْوَاجِبُ إحْدَاهُمَا فَقَطْ وَالزَّائِدَةُ تَطَوُّعٌ بِخِلَافِ الْبَدَنَةِ فَإِنَّهَا بِفِعْلٍ وَاحِدٍ وَإِرَاقَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَقَعُ كُلُّهَا وَاجِبًا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ فَالْكُلُّ فَرْضٌ) أَيْ عَمَلِيٌّ ح
(قَوْلُهُ وَلَا يَأْكُلُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّتِهِ غَيْرَ مُتَعَيِّنَةٍ عَلَيْهِ، حَتَّى جَازَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute