للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(الْأَكْلُ) لِلْغِذَاءِ وَالشُّرْبُ لِلْعَطَشِ وَلَوْ مِنْ حَرَامٍ أَوْ مَيْتَةٍ أَوْ مَالٍ غَيْرِهِ وَإِنْ ضَمِنَهُ (فَرْضٌ) يُثَابُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْحَدِيثِ، وَلَكِنْ (مِقْدَارُ مَا يَدْفَعُ) الْإِنْسَانُ (الْهَلَاكَ عَنْ نَفْسِهِ) وَمَأْجُورٌ عَلَيْهِ (وَ) هُوَ مِقْدَارُ مَا (يَتَمَكَّنُ

ــ

[رد المحتار]

الْإِثْمِ فِي قَوْلِهِ وَيَأْثَمُ بِارْتِكَابِهِ إلَخْ؛ وَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ مُوَافِقٌ لِمَا فِي التَّلْوِيحِ حَيْثُ قَالَ: مَعْنَى الْقُرْبِ إلَى الْحُرْمَةِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَحْذُورٌ دُونَ اسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ بِالنَّارِ؛ وَتَرْكُ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ قَرِيبٌ مِنْ الْحُرْمَةِ يَسْتَحِقُّ حِرْمَانَ الشَّفَاعَةِ اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنْ تَرْكَ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا لِجَعْلِهِ قَرِيبًا مِنْ الْحَرَامِ، وَالْمُرَادُ سُنَنُ الْهُدَى كَالْجَمَاعَةِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَإِنَّ تَارِكَهَا مُضَلَّلٌ مَلُومٌ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ وَالْمُرَادُ التَّرْكُ عَلَى وَجْهِ الْإِصْرَارِ بِلَا عُذْرٍ وَلِذَا يُقَاتِلُ الْمُجْمِعُونَ عَلَى تَرْكِهَا لِأَنَّهَا مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ، فَالْإِصْرَارُ عَلَى تَرْكِهَا اسْتِخْفَافٌ بِالدَّيْنِ فَيُقَاتَلُونَ عَلَى ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَمِنْ هُنَا لَا يَكُونُ قِتَالُهُمْ عَلَيْهَا دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِهَا أَوْ تَمَامُهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ تَأَمَّلْ.

ثُمَّ إنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ اسْتِحْقَاقِهِ مَحْذُورًا دُونَ الْعُقُوبَةِ بِالنَّارِ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ آنِفًا وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ مِنْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِالنَّارِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا مَرَّ خَاصٌّ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَكْرُوهَ عِنْدَهُ مِنْ الْحَرَامِ، وَمَا هُنَا عَلَى قَوْلِهِمَا بِأَنَّهُ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ لَفْظِيًّا وَهُوَ خِلَافُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّحْرِيرِ وَلِذَا نَقَلَ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّ حَاصِلَ الْخِلَافِ أَنَّ مُحَمَّدًا جَعَلَهُ حَرَامًا لِعَدَمِ قَاطِعٍ بِالْحِلِّ، وَجَعَلَاهُ حَلَالًا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ وَلِعَدَمِ الْقَاطِعِ بِالْحُرْمَةِ اهـ وَلَا تُنَافِي الْكَرَاهَةُ الْحِلَّ لِمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ خُلْعِ النِّهَايَةِ، كُلٌّ مُبَاحٍ حَلَالٌ بِلَا عَكْسٍ كَالْبَيْعِ عِنْدَ النِّدَاءِ فَإِنَّهُ حَلَالٌ غَيْرُ مُبَاحٍ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ اهـ.

وَفِي التَّلْوِيحِ: مَا كَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى فَمَعَ الْمَنْعِ عَنْ الْفِعْلِ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ حَرَامٌ، وَبِظَنِّيٍّ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، وَبِدُونِ مَنْعٍ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا، وَهَذَا عَلَى رَأْيِ مُحَمَّدٍ. وَعَلَى رَأْيِهِمَا مَا تَرْكُهُ أَوْلَى، فَمَعَ الْمَنْعِ حَرَامٌ، وَبِدُونِهِ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا لَوْ إلَى الْحِلِّ أَقْرَبَ؛ وَتَحْرِيمًا لَوْ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبَ اهـ. فَأَفَادَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ فِعْلِهِ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا، وَبِهِ يَظْهَرُ مُسَاوَاتُهُ لِلسُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ عَلَى رَأْيِهِمَا فِي اتِّحَادِ الْجَزَاءِ بِحِرْمَانِ الشَّفَاعَةِ؛ وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الشَّفَاعَةُ بِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ أَوْ بِعَدَمِ دُخُولِ النَّارِ لَا الْخُرُوجِ مِنْهَا، أَوْ حِرْمَانٍ مُؤَقَّتٍ، أَوْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، فَلَا يُنَافِي وُقُوعَهَا. وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أُورِدَ أَنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ فِي الْجُرْمِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» كَمَا ذَكَرَهُ حَسَنٌ جَلَبِي فِي حَوَاشِي التَّلْوِيحِ؛ وَتَمَامُهُ فِي حَوَاشِينَا عَلَى الْمَنَارِ

(قَوْلُهُ الْأَكْلُ لِلْغِذَاءِ إلَخْ) وَكَذَا سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَمَا يَدْفَعُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ الشُّرُنْبُلَالِيَّةُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ حَرَامٍ) فَلَوْ خَافَ الْهَلَاكَ عَطَشًا وَعِنْدَهُ خَمْرٌ لَهُ شُرْبُهُ قَدْرَ مَا يَدْفَعُ الْعَطَشَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَدْفَعُهُ بَزَّازِيَّةٌ وَيُقَدَّمُ الْخَمْرُ عَلَى الْبَوْلِ تَتَارْخَانِيَّةٌ؛ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ فِيهِ (قَوْلُهُ أَوْ مَيْتَةٍ) عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ (قَوْلُهُ وَإِنْ ضَمِنَهُ) لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لِلِاضْطِرَارِ لَا تُنَافِي الضَّمَانَ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: خَافَ الْمَوْتَ جُوعًا وَمَعَ رَفِيقِهِ طَعَامٌ أَخَذَ بِالْقِيمَةِ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَسُدُّ جَوْعَتَهُ، وَكَذَا يَأْخُذُ قَدْرَ مَا يَدْفَعُ الْعَطَشَ؛ فَإِنْ امْتَنَعَ قَاتَلَهُ بِلَا سِلَاحٍ؛ فَإِنْ خَافَ الرَّفِيقُ الْمَوْتَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا تَرَكَ لَهُ الْبَعْضَ؛ وَإِنْ قَالَ لَهُ آخَرُ اقْطَعْ يَدِيَ وَكُلْهَا لَا يَحِلُّ، لِأَنَّ لَحْمَ الْإِنْسَانِ لَا يُبَاحُ فِي الِاضْطِرَارِ لِكَرَامَتِهِ (قَوْلُهُ يُثَابُ عَلَيْهِ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الِاخْتِيَارِ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ لَيُؤْجِرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى اللُّقْمَةَ يَرْفَعُهَا الْعَبْدُ إلَى فِيهِ» ، فَإِنْ تَرَكَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ حَتَّى هَلَكَ فَقَدْ عَصَى؛ لِأَنَّ فِيهِ إلْقَاءَ النَّفْسِ إلَى التَّهْلُكَةِ وَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ اهـ بِخِلَافِ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ التَّدَاوِي حَتَّى مَاتَ إذْ لَا يَتَيَقَّنُ بِأَنَّهُ يَشْفِيهِ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى وَشَرْحِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>