للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ قَائِمًا وَ) مِنْ (صَوْمِهِ) مُفَادُهُ جَوَازُ تَقْلِيلِ الْأَكْلِ بِحَيْثُ يَضْعُفُ عَنْ الْفَرْضِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ. قُلْت: وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ: الْفَرْضُ بِقَدْرِ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْهَلَاكُ وَيُمْكِنُ مَعَهُ الصَّلَاةُ قَائِمًا اهـ فَتَنَبَّهْ. (وَمُبَاحٌ إلَى الشِّبَعِ لِتَزِيدَ قُوَّتُهُ، وَحَرَامٌ) عَبَّرَ فِي الْخَانِيَّةِ بِيُكْرَهُ (وَهُوَ مَا فَوْقَهُ) أَيْ الشِّبَعِ وَهُوَ أَكْلُ طَعَامٍ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ أَفْسَدَ مَعِدَتَهُ، وَكَذَا فِي الشُّرْبِ قُهُسْتَانِيُّ (إلَّا أَنْ يَقْصِدَ قُوَّةَ صَوْمِ الْغَدِ أَوْ لِئَلَّا يَسْتَحِيَ ضَيْفُهُ) أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَلَا تَجُوزُ الرِّيَاضَةُ بِتَقْلِيلِ الْأَكْلِ حَتَّى يَضْعُفَ عَنْ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْوَاعِ الْفَوَاكِهِ وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ. وَاِتِّخَاذُ الْأَطْعِمَةِ سَرَفٌ، وَكَذَا وَضْعُ الْخُبْزِ فَوْقَ الْحَاجَةِ.

ــ

[رد المحتار]

(قَوْلُهُ مُفَادُهُ إلَخْ) أَيْ مُفَادُ قَوْلِهِ وَمَأْجُورٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ وَبِهِ صَرَّحَ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى فَيُفِيدُ جَوَازَ التَّرْكِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى) هُوَ مَا يَذْكُرُهُ قَرِيبًا حَيْثُ قَالَ: وَلَا تَجُوزُ الرِّيَاضَةُ بِتَقْلِيلِ الْأَكْلِ حَتَّى يَضْعُفَ عَنْ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) تَأْيِيدٌ لِقَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ (قَوْلُهُ فَتَنَبَّهْ) إشَارَةٌ إلَى الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُلْتَقَى أَوَّلًا (قَوْلُهُ وَمُبَاحٌ) أَيْ لَا أَجْرَ وَلَا وِزْرَ فِيهِ، فَيُحَاسَبُ عَلَيْهِ حِسَابًا يَسِيرًا لَوْ مِنْ حِلٍّ، لِمَا جَاءَ: «أَنَّهُ يُحَاسَبُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ إلَّا ثَلَاثًا: خِرْقَةٌ تَسْتُرُ عَوْرَتَك، وَكِسْرَةٌ تَسُدُّ جَوْعَتَك، وَحَجَرٌ يَقِيكَ مِنْ الْحَرِّ وَالْقَرِّ» وَجَاءَ «حَسْبُ ابْنُ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ وَلَا يُلَامُ عَلَى كَفَافٍ» دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ إلَى الشِّبَعِ) بِكَسْرِ الشِّينِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَسُكُونِهَا: مَا يُغَذِّيهِ وَيُقَوِّي بَدَنَهُ قُهُسْتَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَحَرَامٌ) لِأَنَّهُ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ وَإِمْرَاضٌ لِلنَّفْسِ: وَجَاءَ «مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ الْبَطْنِ، فَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلْمَاءِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ، وَأَطْوَلُ النَّاسِ عَذَابًا أَكْثَرُهُمْ شِبَعًا» دُرٌّ مُنْتَقًى. [تَتِمَّةٌ] قَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ: وَزَادَ بَعْضُهُمْ مَرْتَبَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ مَنْدُوبٌ، وَهُوَ مَا يُعِينُهُ عَلَى تَحْصِيلِ النَّوَافِلِ وَتَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَتَعَلُّمِهِ. وَمَكْرُوهٌ: وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الشِّبَعِ قَلِيلًا وَلَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ وَرُتْبَةُ الْعَابِدِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْأَكْلِ الْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ وَيَنْوِي بِهِ أَنْ يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الْعِبَادَةِ فَيَكُونُ مُطِيعًا، وَلَا يَقْصِدُ بِهِ التَّلَذُّذَ وَالتَّنَعُّمَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّ الْكَافِرِينَ بِأَكْلِهِمْ لِلتَّمَتُّعِ وَالتَّنَعُّمِ. وَقَالَ - {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} [محمد: ١٢]- وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا، وَتَخْصِيصُ السَّبْعَةِ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّكْثِيرِ، قِيلَ هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُؤْمِنِ وَزُهْدِهِ فِي الدُّنْيَا وَلِلْكَافِرِ وَحِرْصِهِ عَلَيْهَا، فَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ بُلْغَةً وَقُوتًا وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ شَهْوَةً وَحِرْصًا طَلَبًا لِلَّذَّةِ، فَهَذَا يُشْبِعُهُ الْقَلِيلُ وَذَاكَ لَا يُشْبِعُهُ الْكَثِيرُ اهـ.

(قَوْلُهُ عَبَّرَ فِي الْخَانِيَّةِ بِيُكْرَهُ) لَعَلَّ الْأَوْجَهَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ إسْرَافٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى - {وَلا تُسْرِفُوا} [الأعراف: ٣١]- وَهُوَ قَطْعِيُّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَكْلُ طَعَامٍ إلَخْ) عَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى أَشْرِبَةِ الْكَرْمَانِيِّ وَغَيْرِهِ. قَالَ ط وَأَفَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالشِّبَعِ الَّذِي تَحْرُمُ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ مَا يُعَدُّ شِبَعًا شَرْعًا كَمَا إذَا أَكَلَ ثُلُثَ بَطْنِهِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّأْوِيلِ، فَإِنَّهُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إفْسَادُ مَعِدَتِهِ كَيْفَ يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَوْ خَافَ الْمَرَضَ يَحِلُّ لَهُ الْإِفْطَارُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ إفْسَادٌ لَا يَحْصُلُ بِهِ زِيَادَةُ إضْرَارٍ تَأَمَّلْ، وَمَا ذُكِرَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ أَوْ لِئَلَّا يَسْتَحِيَ ضَيْفُهُ) أَيْ الْحَاضِرُ مَعَهُ الْآتِي بَعْدَمَا أَكَلَ قَدْرَ حَاجَتِهِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ) كَمَا إذَا أَكَلَ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ لِيَتَقَايَأَهُ قَالَ الْحَسَنُ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ: رَأَيْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَأْكُلُ أَلْوَانًا مِنْ الطَّعَامِ وَيُكْثِرُ ثُمَّ يَتَقَايَأُ وَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ خَانِيَّةٌ.

(قَوْلُهُ عَنْ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ) أَيْ الْمَفْرُوضَةِ قَائِمًا فَلَوْ عَلَى وَجْهٍ لَا يُضْعِفُهُ فَمُبَاحٌ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ) كَيْ لَا تَنْقُصَ دَرَجَتُهُ، وَيَدْخُلَ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى - {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: ٢٠]- وَالتَّصَدُّقُ بِالْفَضْلِ أَفْضَلُ تَكْثِيرًا لِلْحَسَنَاتِ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَاِتِّخَاذُ الْأَطْعِمَةِ سَرَفٌ)

<<  <  ج: ص:  >  >>