حَلَّتْ كَمَا حَلَّ أَكْلُ جَدْيٍ غُذِّيَ بِلَبَنِ خِنْزِيرٍ لِأَنَّ لَحْمَهُ لَا يَتَغَيَّرُ، وَمَا غُذِّيَ بِهِ يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ.
(وَلَوْ سُقِيَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ خَمْرًا فَذُبِحَ مِنْ سَاعَتِهِ حَلَّ أَكْلُهُ وَيُكْرَهُ) زَيْلَعِيٌّ وَصَيْدٌ وَشَرْحٌ وَوَهْبَانِيَّةٌ.
(وَ) كُرِهَ (الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالِادِّهَانُ وَالتَّطَيُّبُ مِنْ إنَاءِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ) لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ (وَكَذَا) يُكْرَهُ (الْأَكْلُ بِمِلْعَقَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالِاكْتِحَالُ بِمَيْلِهِمَا) وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ كَمُكْحُلَةٍ وَمِرْآةٍ وَقَلَمٍ وَدَوَاةٍ وَنَحْوِهَا؛ يَعْنِي إذَا اُسْتُعْمِلَتْ ابْتِدَاءً فِيمَا صُنِعَتْ لَهُ بِحَسَبِ مُتَعَارَفِ النَّاسِ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ حَتَّى لَوْ نَقَلَ الطَّعَامَ مِنْ إنَاءِ الذَّهَبِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ أَوْ صَبَّ الْمَاءَ أَوْ الدُّهْنَ فِي كَفِّهِ لَا عَلَى رَأْسِهِ ابْتِدَاءً ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ لَا بَأْسَ بِهِ مُجْتَبًى وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مَا حَرَّرَهُ فِي الدُّرَرِ فَلْيُحْفَظْ
ــ
[رد المحتار]
فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ التَّجْنِيسِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ عَلَى الظَّاهِرِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ طَهَارَتَهُمْ تَحْصُلُ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي الَّتِي لَا تَأْكُلُ إلَّا الْجِيَفَ؛ وَلَكِنَّهُ جَعَلَ التَّقْدِيرَ فِي الْإِبِلِ بِشَهْرٍ، وَفِي الْبَقَرِ بِعِشْرِينَ، وَفِي الشَّاةِ بِعَشَرَةٍ، وَقَالَ: قَالَ السَّرَخْسِيُّ: الْأَصَحُّ عَدَمُ التَّقْدِيرِ، وَتُحْبَسُ حَتَّى تَزُولَ الرَّائِحَةُ الْمُنْتِنَةُ اهـ (قَوْلُهُ حَلَّتْ) وَعَنْ هَذَا قَالُوا: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الدَّجَاجِ لِأَنَّهُ يُخْلَطُ وَلَا يَتَغَيَّرُ لَحْمُهُ. وَرُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَأْكُلُ الدَّجَاجَ» وَمَا رُوِيَ أَنَّ الدَّجَاجَةَ تُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تُذْبَحُ فَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ لَحْمَهُ لَا يَتَغَيَّرُ إلَخْ) كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ النَّتَنُ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ، وَأَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ قَالَ: مَعْنَاهُ إذَا اُعْتُلِفَ أَيَّامًا بَعْدَ ذَلِكَ كَالْجَلَّالَةِ، وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْقُنْيَةِ رَاقِمًا أَنَّهُ يَحِلُّ إذَا ذُبِحَ بَعْدَ أَيَّامٍ وَإِلَّا لَا. [فَرْعٌ]
فِي أَبِي السُّعُودِ: الزُّرُوعُ الْمَسْقِيَّةُ بِالنَّجَاسَاتِ لَا تَحْرُمُ وَلَا تُكْرَهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ
(قَوْلُهُ حَلَّ أَكْلُهُ وَيُكْرَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ، وَعَلَيْهِ يُنْظَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَلَّالَةِ الَّتِي تَأْكُلُ النَّجَاسَةَ وَغَيْرَهَا وَالْجَدْيِ
(قَوْلُهُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَالنِّسَاءُ فِيمَا سِوَى الْحُلِيِّ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالِادِّهَانِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْعُقُودِ بِمَنْزِلَةِ الرِّجَالِ، وَلَا بَأْسَ لَهُنَّ بِلُبْسِ الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ وَالْفِضَّةِ وَاللُّؤْلُؤِ اهـ (قَوْلُهُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ) هُوَ مَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا تَلْبِسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ، وَأَحَادِيثُ أُخَرُ سَاقَهَا الزَّيْلَعِيُّ؛ ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الشُّرْبِ وَالْأَكْلِ فَكَذَا فِي التَّطَيُّبِ وَغَيْرٍ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ (قَوْلُهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إلَخْ) وَمِنْهُ الْخِوَانُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْوُضُوءُ مِنْ طَسْتٍ أَوْ إبْرِيقٍ مِنْهُمَا، وَالِاسْتِجْمَارُ بِمِجْمَرَةٍ مِنْهُمَا، وَالْجُلُوسُ عَلَى كُرْسِيٍّ مِنْهُمَا، وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَمِرْآةٍ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا بَأْسَ بِحَلْقَةِ الْمِرْآةِ مِنْ الْفِضَّةِ إذَا كَانَتْ الْمِرْآةُ حَدِيدًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا خَيْرَ فِيهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ يَعْنِي إلَخْ) هَذِهِ الْعِنَايَةُ مِنْ صَاحِبِ الدُّرَرِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهَا.
وَأَمَّا عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ فَمِنْ قَوْلِهِ لَوْ نَقَلَ الطَّعَامَ إلَخْ (قَوْلُهُ مُجْتَبًى وَغَيْرِهِ) كَالنِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ، فَقَدْ نَقَلَا عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِصَاحِبِ الذَّخِيرَةِ مَا نَصُّهُ: قِيلَ صُورَةُ الِادِّهَانِ أَنْ يَأْخُذَ آنِيَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيَصُبَّ الدُّهْنَ عَلَى الرَّأْسِ، أَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا وَأَخَذَ الدُّهْنَ ثُمَّ صَبَّهُ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ الْيَدِ فَلَا يُكْرَهُ اهـ. زَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَكَذَا أَخْذُ الطَّعَامِ مِنْ الْقَصْعَةِ وَوَضْعُهُ عَلَى خُبْزٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ثُمَّ أَكَلَ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ. قَالَ فِي الدُّرَرِ: وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُكْرَهَ إذَا أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِمِلْعَقَةٍ ثُمَّ أَكَلَهُ مِنْهَا، وَكَذَا لَوْ أَخَذَهُ بِيَدِهِ وَأَكَلَهُ مِنْهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْرَهَ، ثُمَّ قِيلَ: وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُفْتَى بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ لِئَلَّا يَنْفَتِحَ بَابُ اسْتِعْمَالِهَا اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا حَرَّرَهُ فِي الدُّرَرِ) حَيْثُ أَجَابَ عَنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ بِمَا أَشَارَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute