للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاسْتَثْنَى الْقُهُسْتَانِيُّ وَغَيْرُهُ اسْتِعْمَالَ الْبَيْضَةِ وَالْجَوْشَنِ وَالسَّاعِدَانِ مِنْهُمَا فِي الْحَرْبِ لِلضَّرُورَةِ وَهَذَا فِيمَا يَرْجِعُ لِلْبَدَنِ وَأَمَّا لِغَيْرِهِ تَجَمُّلًا بِأَوَانٍ مُتَّخَذَةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَسَرِيرٌ كَذَلِكَ وَفُرُشٌ عَلَيْهِ مِنْ دِيبَاجٍ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ بَلْ فَعَلَهُ السَّلَفُ خُلَاصَةٌ حَتَّى أَبَاحَ أَبُو حَنِيفَةَ تَوَسُّدَ الدِّيبَاجِ وَالنَّوْمَ عَلَيْهِ

ــ

[رد المحتار]

إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الِاسْتِعْمَالُ فِيمَا صُنِعَتْ لَهُ فِي مُتَعَارَفِ النَّاسِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي الْعَزْمِيَّةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْوَانِيِّ وَنُوحٍ أَفَنْدِي وَغَيْرِهِمَا عَدَمُ تَسْلِيمِهِ، وَكَذَا قَالَ الرَّمْلِيُّ: إنَّ نَقْلَ الطَّعَامِ مِنْهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ اسْتِعْمَالٌ لَهَا ابْتِدَاءً وَأَخْذُ الدُّهْنِ بِالْيَدِ ثُمَّ صَبُّهُ عَلَى الرَّأْسِ اسْتِعْمَالٌ مُتَعَارَفٌ اهـ.

وَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقِ: إنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الدُّرَرِ مِنْ إنَاطَةِ الْحُرْمَةِ بِالِاسْتِعْمَالِ فِيمَا صُنِعَتْ لَهُ عُرْفًا فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ شَرِبَ أَوْ اغْتَسَلَ بِآنِيَةِ الدُّهْنِ أَوْ الطَّعَامِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ اسْتِعْمَالٌ بِلَا شُبْهَةٍ دَاخِلٌ تَحْتَ إطْلَاقِ الْمُتُونِ، وَالْأَدِلَّةِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي تَقْرِيرِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا مَرَّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ وَضْعَ الدُّهْنِ أَوْ الطَّعَامِ مَثَلًا فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ الْمُحَرَّرِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهُ قَطْعًا ثُمَّ بَعْدَ وَضْعِهِ إذَا تُرِكَ فِيهِ بِلَا انْتِفَاعٍ لَزِمَ إضَاعَةُ الْمَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَنَاوُلِهِ مِنْهُ ضَرُورَةً، فَإِذَا قَصَدَ الْمُتَنَاوِلُ نَقْلَهُ مِنْ ذَلِكَ الْإِنَاءِ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ لَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعْمَالِ، بَلْ لِيَسْتَعْمِلَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْآخَرِ كَمَا إذَا نَقَلَ الدُّهْنَ إلَى كَفِّهِ ثُمَّ دَهَنَ بِهِ رَأْسَهُ أَوْ نَقَلَ الطَّعَامَ إلَى الْخُبْزِ أَوْ إلَى إنَاءٍ آخَرَ وَاسْتَعْمَلَهُ مِنْهُ لَا يُسَمَّى مُسْتَعْمِلًا آنِيَةَ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ لَا شَرْعًا وَلَا عُرْفًا، بِخِلَافِ مَا إذَا تَنَاوَلَ مِنْهُ ابْتِدَاءً عَلَى قَصْدِ الِادِّهَانِ أَوْ الْأَكْلِ، فَإِنَّهُ اسْتِعْمَالٌ سَوَاءٌ تَنَاوَلَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِمِلْعَقَةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ كَأَخْذِ الْكُحْلِ بِالْمِيلِ، وَسَوَاءٌ اسْتَعْمَلَهُ فِيمَا صُنِعَ لَهُ عُرْفًا أَوْ لَا.

وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِأَخْذِ الدُّهْنِ صَبَّهُ فِي الْكَفِّ، لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ مُتَعَارَفٌ بَلْ الْمُرَادُ تَنَاوُلُهُ بِالْيَدِ مِنْ فَمِ الْمُدْهِنِ، لِيَكُونَ تَنَاوُلًا عَلَى قَصْدِ النَّقْلِ، دُونَ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا مَرَّ عَنْ النِّهَايَةِ، فَلَا يُنَافِي مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُدْهِنَ رَأْسَهُ بِمُدْهِنِ فِضَّةٍ وَكَذَا إنْ صَبَّهُ عَلَى رَاحَتِهِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ اهـ وَمِنْهُ يَظْهَرُ حُكْمُ الِادِّهَانِ مِنْ قُمْقُمِ مَاءِ الْوَرْدِ فَإِنَّهُ تَارَةً يُرَشُّ مِنْهُ عَلَى الْوَجْهِ ابْتِدَاءً، وَتَارَةً بِوَاسِطَةِ الصَّبِّ فِي الْكَفِّ، فَكِلَاهُمَا اسْتِعْمَالٌ عُرْفًا وَشَرْعًا خِلَافًا لِمَا يَزْعُمُهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي زَمَانِنَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَبَّ فِي الْكَفِّ لَا يَكُونُ اسْتِعْمَالًا اغْتِرَارًا بِظَاهِرِ كَلَامِ الشَّارِحِ فَقَدْ أَسْمَعْنَاك التَّصْرِيحَ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة، بِخِلَافِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَفَادَ ط حُرْمَةَ اسْتِعْمَالِ ظُرُوفِ فَنَاجِينِ الْقَهْوَةِ وَالسَّاعَاتِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَسَنَذْكُرُهُ عَنْهُ بَعْدُ (قَوْلِهِ وَاسْتَثْنَى الْقُهُسْتَانِيُّ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالُوا هَذَا قَوْلُهُمَا لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُ فَكَذَا الذَّهَبُ، ثُمَّ إنَّهُمَا فَرَّقَا بَيْنَ الْجَوْشَنِ وَالْبَيْضَةِ مِنْ الذَّهَبِ، وَبَيْنَ حَلَبَةِ السَّيْفِ مِنْهُ بِأَنَّ السَّهْمَ يَزْلُقُ عَلَى الذَّهَبِ، وَأَمَّا الْحِلْيَةُ لَا تَنْفَعُ شَيْئًا وَإِنَّمَا هِيَ لِلزِّينَةِ فَتُكْرَهُ اهـ (قَوْلُهُ الْبَيْضَةُ) هِيَ طَاسَةُ الدِّرْعِ الَّتِي تُلْبَسُ عَلَى الرَّأْسِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْبَيْضَةُ بَيْضَةُ النَّعَامَةِ، وَكُلِّ طَائِرٍ اُسْتُعِيرَتْ لِبَيْضَةِ الْحَدِيدِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الشَّبَهِ الشَّكْلِيِّ اهـ وَتُسَمَّى الْمِغْفَرَ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْمِغْفَرُ مَا يُلْبَسُ تَحْتَ الْبَيْضَةِ وَالْبَيْضَةُ أَيْضًا اهـ.

(قَوْلُهُ وَالْجَوْشَنُ) هُوَ الدِّرْعُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَالسَّاعِدَانِ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْأَحْسَنُ وَالسَّاعِدَيْنِ بِالْجَرِّ، وَذَكَرَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَلَعَلَّهُ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْجَوْشَنِ، لِأَنَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَضَعُهُ الْقَاتِلُ عَلَى سَاعِدَيْهِ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَهَذَا فِيمَا يَرْجِعُ لِلْبَدَنِ) يَعْنِي أَنَّ تَحْرِيمَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِيمَا يَرْجِعُ اسْتِعْمَالُهُ إلَى الْبَدَنِ: أَيْ فِيمَا يُسْتَعْمَلُ بِهِ لُبْسًا أَوْ أَكْلًا أَوْ كِتَابَةً، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ فِيمَا يَرْجِعُ نَفْعُهُ إلَى الْبَدَنِ، لَكِنْ لَا يَشْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْقَلَمِ وَالدَّوَاةِ، وَالْأَحْسَنُ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الِاسْتِعْمَالِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ الْأَوَانِي مِنْهُمَا لِلتَّجَمُّلِ (قَوْلُهُ تَجَمُّلًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ أَصْلًا (قَوْلُهُ بَلْ فَعَلَهُ السَّلَفُ) هَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْخُلَاصَةِ بَلْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْله حَتَّى أَبَاحَ إلَخْ) لِمَا كَانَ كَلَامُهُ الْآنَ فِي الِاتِّخَاذِ بِدُونِ اسْتِعْمَالٍ وَذَكَرَ اتِّخَاذَ الدِّيبَاجِ أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>