الْمُتَحَرِّكَ (بِذَهَبٍ بَلْ بِفِضَّةٍ) وَجَوَّزَهُمَا مُحَمَّدٌ (وَيَتَّخِذُ أَنْفًا مِنْهُ) لِأَنَّ الْفِضَّةَ تُنْتِنُهُ
(وَكُرِهَ إلْبَاسُ الصَّبِيِّ ذَهَبًا أَوْ حَرِيرًا)
ــ
[رد المحتار]
قَالَ فِي الْمِنَحِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لَهُمَا أَيْ لِلسُّلْطَانِ وَالْقَاضِي؛ بَلْ الْحُكْمُ فِي كُلِّ ذِي حَاجَةٍ كَذَلِكَ، فَلَوْ قِيلَ وَتَرْكُهُ لِغَيْرِ ذِي حَاجَةٍ إلَيْهِ أَفْضَلُ، لَيَدْخُلَ فِيهِ الْمُبَاشِرُ وَمُتَوَلِّي الْأَوْقَافِ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ يَحْتَاجُ إلَى الْخَتْمِ لِضَبْطِ الْمَالِ كَانَ أَعَمَّ فَائِدَةٍ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. أَقُولُ: قَوْلُ الِاخْتِيَارِ: التَّخَتُّمُ سُنَّةٌ لِمَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَالسُّلْطَانِ وَالْقَاضِي وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمَا صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَانْظُرْ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْحَاجَةِ خَتْمُهُ لِنَحْوِ إجَازَةٍ أَوْ شَهَادَةٍ، أَوْ إرْسَالِ كِتَابٍ وَلَوْ نَادِرًا فَلَا يَكُونُ تَرْكُ التَّخَتُّمِ فِي حَقِّهِ أَوْلَى يُحَرَّرُ. [تَتِمَّةٌ]
إنَّمَا يَجُوزُ التَّخَتُّمُ بِالْفِضَّةِ لَوْ عَلَى هَيْئَةِ خَاتَمِ الرِّجَالِ أَمَّا لَوْ لَهُ فَصَّانِ أَوْ أَكْثَرُ حَرُمَ قُهُسْتَانِيٌّ وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ أَنَّ وَالِدَهُ أَنْشَدَهُ قَوْلَهُ:
تَخَتَّمْ كَيْفَ شِئْت وَلَا تُبَالِي ... بِخِنْصَرِك الْيَمِينِ أَوْ الشِّمَالِ
سِوَى حَجَرٍ وَصُفْرٍ أَوْ حَدِيدِ ... أَوْ الذَّهَبِ الْحَرَامِ عَلَى الرِّجَالِ
وَإِنْ أَحْبَبْت بِاسْمِك فَانْقُشَنَّهْ ... وَبِاسْمِ اللَّهِ رَبِّك ذِي الْجَلَالِ
(قَوْلُهُ الْمُتَحَرِّكَ) قَيَّدَ بِهِ لِمَا قَالَ الْكَرْخِيُّ إذَا سَقَطَتْ ثَنِيَّةُ رَجُلٍ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَكْرَهُ أَنْ يُعِيدَهَا، وَيَشُدَّهَا بِفِضَّةِ أَوْ ذَهَبٍ وَيَقُولُ هِيَ كَسِنٍّ مَيِّتَةٍ وَلَكِنْ يَأْخُذُ سِنَّ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ يَشُدُّ مَكَانَهَا وَخَالَفَهُ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا يُشْبِهُ سِنُّهُ سِنَّ مَيِّتَةٍ اُسْتُحْسِنَ ذَلِكَ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ عِنْدِي وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْنِي اهـ إتْقَانِيٌّ. زَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ بِشْرٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَلَمْ يَرَ بِإِعَادَتِهَا بَأْسًا (قَوْلُهُ وَجَوَّزَهُمَا مُحَمَّدٌ) أَيْ جَوَّزَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ أَيْ جَوَّزَ الشَّدَّ بِهِمَا وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَقِيلَ مَعَهُ وَقِيلَ مَعَ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْفِضَّةَ تُنْتِنُهُ) الْأَوْلَى تُنْتِنُ بِلَا ضَمِيرٍ وَأَشَارَ إلَى الْفَرْقِ لِلْإِمَامِ بَيْنَ شَدِّ السِّنِّ، وَاِتِّخَاذِ الْأَنْفِ فَجَوَّزَ الْأَنْفَ مِنْ الذَّهَبِ لِضَرُورَةِ نَتَنِ الْفِضَّةِ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يُبَاحُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَقَدْ انْدَفَعَتْ فِي السِّنِّ بِالْفِضَّةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَعْلَى وَهُوَ الذَّهَبُ. قَالَ الأتقاني: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مُسَاعَدَةً لِمُحَمَّدٍ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا فِي السِّنِّ تَرْتَفِعُ بِالْفِضَّةِ لِأَنَّهَا تُنْتِنُ أَيْضًا وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى «عَرْفَجَةَ بْنِ أَسَعْدَ أَنَّهُ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَاِتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ، فَفَعَلَ» ، وَالْكُلَابُ بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفِ: اسْمُ وَادٍ كَانَتْ فِيهِ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ لِلْعَرَبِ هَذَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ جَوَازُ الْأَنْفِ مِنْهُمَا اتِّفَاقًا، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ أَيْضًا. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا جُدِعَ أَنْفَهُ أَوْ أُذُنُهُ أَوْ سَقَطَ سِنُّهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ سِنًّا آخَرَ فَعِنْدَ الْإِمَامِ يَتَّخِذُ وَذَلِكَ مِنْ الْفِضَّةِ فَقَطْ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مِنْ الذَّهَبِ أَيْضًا اهـ، وَأَنْكَرَ الأتقاني ثُبُوتَ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَنْفِ بِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي كُتُبِ مُحَمَّدٍ وَالْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ، وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ مُخَالَفَةُ الْإِمَامِ لِلنَّصِّ وَنَازَعَهُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ الْإِسْبِيجَابِيَّ حُجَّةٌ فِي النَّقْلِ، وَبِأَنَّ الْحَدِيثَ قَابِلٌ لِلتَّأْوِيلِ، وَاحْتِمَالِ أَنَّ ذَلِكَ خُصُوصِيَّةٌ لِعَرْفَجَةَ كَمَا خَصَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الزُّبَيْرَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ لِحَكَّةٍ فِي جَسَدِهِمَا، كَمَا فِي التَّبْيِينِ أَقُولُ: يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ عَنْ الْإِمَامِ فَلِذَا لَمْ تُذْكَرْ فِي كُتُبِ مُحَمَّدٍ وَالْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
(قَوْلُهُ وَكُرِهَ إلَخْ) لِأَنَّ النَّصَّ حَرَّمَ الذَّهَبَ وَالْحَرِيرَ عَلَى ذُكُورِ الْأُمَّةِ بِلَا قَيْدِ الْبُلُوغِ، وَالْحُرِّيَّةِ وَالْإِثْمُ عَلَى مَنْ أَلْبَسَهُمْ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِحِفْظِهِمْ ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ. وَفِي الْبَحْرِ الزَّاخِرِ: وَيُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُخَضِّبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَكَذَا الصَّبِيُّ إلَّا لِحَاجَةٍ بِنَايَةٌ، وَلَا بَأْسَ بِهِ لِلنِّسَاءِ اهـ مَزِيدٌ اهـ ط.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute