فَإِنَّ مَا حَرُمَ لُبْسُهُ وَشُرْبُهُ حَرُمَ إلْبَاسُهُ وَإِشْرَابُهُ (لَا) يُكْرَه (خِرْقَةٌ لِوَضُوءٍ) بِالْفَتْحِ بَقِيَّةُ بَلَلِهِ (أَوْ مُخَاطٍ) أَوْ عَرَقٍ لَوْ لِحَاجَةٍ وَلَوْ لِلتَّكَبُّرِ تُكْرَهُ (وَ) لَا (الرَّتِيمَةُ) هِيَ خَيْطٌ يُرْبَطُ بِأُصْبُعٍ أَوْ خَاتَمٍ لِتَذَكُّرِ الشَّيْءِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا فُعِلَ تَجَبُّرًا كُرِهَ وَمَا فُعِلَ لِحَاجَةٍ لَا، عِنَايَةٌ. [فَرْعٌ] فِي الْمُجْتَبَى: التَّمِيمَةُ الْمَكْرُوهَةُ مَا كَانَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ
ــ
[رد المحتار]
أَقُولُ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَمَا يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ فِعْلُ ذَلِكَ بِالصَّبِيِّ يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَيْضًا وَإِنْ حَلَّ لَهَا فِعْلُهُ لِنَفْسِهَا (قَوْلُهُ لَا يُكْرَهُ خِرْقَةٌ إلَخْ) هَذَا هُوَ مَا صَحَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ لِتَعَامُلِ الْمُسْلِمِينَ، وَذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ أَبِي عِيسَى التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ أَيْ مِنْ كَرَاهَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ وَقَدْ رَخَّصَ قَوْمٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ التَّمَنْدُلَ بَعْدَ الْوُضُوءِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ. ثُمَّ هَذَا فِي خَارِجِ الصَّلَاةِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَ الْخِرْقَةِ الَّتِي يُمْسَحُ بِهَا الْعَرَقُ، وَيُؤْخَذُ بِهَا الْمُخَاطُ لَا لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ، بَلْ لِأَنَّ الْمُصَلَّى مُعَظَّمٌ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهَا لَا تَعْظِيمَ فِيهَا (قَوْلُهُ بَقِيَّةُ بَلَلِهِ) الْوُضُوءُ بِالضَّمِّ الْفِعْلُ وَبِالْفَتْحِ مَاؤُهُ قَامُوسٌ فَمَا ذَكَرَهُ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافَيْنِ، بَلْ ثَلَاثَةٍ أَيْ لِمَسْحِ بَقِيَّةِ بَلَلِ وُضُوئِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى لَفْظِ بَقِيَّةِ وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى - {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} [طه: ٩٦]- أَيْ مِنْ أَثَرِ حَافِرِ فَرَسِ الرَّسُولِ.
(قَوْلُهُ لَوْ لِحَاجَةٍ) الْأَوْلَى لِأَنَّهُ لِحَاجَةٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ لِلتَّكَبُّرِ تُكْرَهُ) وَالْخِرْقَةُ الْمُقَوَّمَةُ دَلِيلُ الْكِبْرِ بَزَّازِيَّةٌ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْخِرْقَةِ مَا يَشْمَلُ الْحَرِيرَ وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ. [تَتِمَّةٌ] كَرِهَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَضْعَ السُّتُورِ وَالْعَمَائِمِ وَالثِّيَابِ عَلَى قُبُورِ الصَّالِحِينَ وَالْأَوْلِيَاءِ قَالَ فِي فَتَاوَى الْحُجَّةِ وَتُكْرَهُ السُّتُورُ عَلَى الْقُبُورِ اهـ. وَلَكِنْ نَحْنُ نَقُولُ الْآنَ إذَا قَصَدَ بِهِ التَّعْظِيمَ فِي عُيُونِ الْعَامَّةِ حَتَّى لَا يَحْتَقِرُوا صَاحِبَ الْقَبْرِ، وَلِجَلْبِ الْخُشُوعِ وَالْأَدَبِ لِلْغَافِلِينَ الزَّائِرِينَ، فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنْ كَانَ بِدْعَةً فَهُوَ كَقَوْلِهِمْ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ يَرْجِعُ الْقَهْقَرَى، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إجْلَالًا لِلْبَيْتِ حَتَّى قَالَ فِي مِنْهَاجِ السَّالِكِينَ إنَّهُ لَيْسَ فِيهِ سُنَّةٌ مَرْوِيَّةٌ، وَلَا أَثَرٌ مَحْكِيٌّ وَقَدْ فَعَلَهُ أَصْحَابُنَا اهـ كَذَا فِي كَشْفِ النُّورِ عَنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ لِلْأُسْتَاذِ عَبْدِ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيِّ قُدِّسَ سِرُّهُ (قَوْلُهُ وَلَا الرَّتِيمَةُ) جَمْعُهَا رَتَائِمُ وَتُسَمَّى رَتَمَةً بِالْفَتَحَاتِ الثَّلَاثِ وَجَمْعُهَا رَتَمٌ بِالْفَتَحَاتِ أَيْضًا يُقَالُ: أَرْتَمْتُ الرَّجُلَ إرْتَامًا إذَا عَقَدْتَ فِي أُصْبُعِهِ خَيْطًا يَسْتَذْكِرُ بِهِ حَاجَتَهُ إتْقَانِيٌّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ الشَّاعِرُ:
إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَاتُنَا فِي نُفُوسِكُمْ ... فَلَيْسَ بِمُغْنٍ عَنْك عَقْدُ الرَّتَائِمِ
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ بِذَلِكَ اهـ.
وَفِي الْمِنَحِ إنَّمَا ذُكِرَ هَذَا لِأَنَّ مِنْ عَادَةِ بَعْضِ النَّاسِ شَدَّ الْخُيُوطَ عَلَى بَعْضِ الْأَعْضَاءِ، وَكَذَا السَّلَاسِلُ وَغَيْرُهَا، وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ مَحْضُ عَبَثٍ فَقَالَ إنَّ الرَّتْمَ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ كَذَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ اهـ قَالَ ط: عُلِمَ مِنْهُ كَرَاهَةُ الدُّمْلُجِ الَّذِي يَضَعُهُ بَعْضُ الرِّجَالِ فِي الْعَضُدِ.
(قَوْلُهُ التَّمِيمَةُ الْمَكْرُوهَةُ) أَقُولُ: الَّذِي رَأَيْته فِي الْمُجْتَبَى التَّمِيمَةُ الْمَكْرُوهَةُ مَا كَانَ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ، وَقِيلَ: هِيَ الْخَرَزَةُ الَّتِي تُعَلِّقُهَا الْجَاهِلِيَّةُ اهـ فَلْتُرَاجَعْ نُسْخَةٌ أُخْرَى. وَفِي الْمُغْرِبِ وَبَعْضُهُمْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُعَاذَاتِ هِيَ التَّمَائِمُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا التَّمِيمَةُ الْخَرَزَةُ، وَلَا بَأْسَ بِالْمُعَاذَاتِ إذَا كُتِبَ فِيهَا الْقُرْآنُ، أَوْ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُقَالُ رَقَاهُ الرَّاقِي رَقْيًا وَرُقْيَةً إذَا عَوَّذَهُ وَنَفَثَ فِي عُوذَتِهِ قَالُوا: إنَّمَا تُكْرَهُ الْعُوذَةُ إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِ، وَلَا يُدْرَى مَا هُوَ وَلَعَلَّهُ يَدْخُلُهُ سِحْرٌ أَوْ كُفْرٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ الدَّعَوَاتِ فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: ثُمَّ الرَّتِيمَةُ قَدْ تَشْتَبِهُ بِالتَّمِيمَةِ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ: وَهِيَ خَيْطٌ كَانَ يُرْبَطُ فِي الْعُنُقِ أَوْ فِي الْيَدِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِدَفْعِ الْمَضَرَّةِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ عَلَى زَعْمِهِمْ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَذَكَرَ فِي حُدُودِ الْإِيمَانِ أَنَّهُ كُفْرٌ اهـ. وَفِي الشَّلَبِيِّ عَنْ ابْنِ الْأَثِيرِ: التَّمَائِمُ جَمْعُ تَمِيمَةٍ وَهِيَ خَرَزَاتٌ كَانَتْ الْعَرَبُ تُعَلِّقُهَا عَلَى أَوْلَادِهِمْ يَتَّقُونَ بِهَا الْعَيْنَ فِي زَعْمِهِمْ، فَأَبْطَلَهَا الْإِسْلَامُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute