لَا عَصْرُهَا لِقِيَامِ الْمَعْصِيَةِ بِعَيْنِهِ.
(وَ) جَازَ (إجَارَةُ بَيْتٍ بِسَوَادِ الْكُوفَةِ) أَيْ قُرَاهَا (لَا بِغَيْرِهَا عَلَى الْأَصَحِّ) وَأَمَّا الْأَمْصَارُ وَقُرَى غَيْرِ الْكُوفَةِ فَلَا يُمَكَّنُونَ لِظُهُورِ شِعَارِ الْإِسْلَامِ فِيهَا وَخُصَّ سَوَادُ الْكُوفَةِ، لِأَنَّ غَالِبَ أَهْلِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ (لِيُتَّخَذَ بَيْتَ نَارٍ أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بِيعَةً أَوْ يُبَاعَ فِيهِ الْخَمْرُ) وَقَالَا لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ زَيْلَعِيٌّ.
(وَ) جَازَ (بَيْعُ بِنَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ
ــ
[رد المحتار]
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذَا عِنْدَهُ وَقَالَا هُوَ مَكْرُوهٌ " لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً وَعَدَّ مِنْهَا حَامِلَهَا» وَلَهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الْحَمْلِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَلَا سَبَبَ لَهَا وَإِنَّمَا تَحْصُلُ الْمَعْصِيَةُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَلَيْسَ الشُّرْبُ مِنْ ضَرُورَاتِ الْحَمْلِ، لِأَنَّ حَمْلَهَا قَدْ يَكُونُ لِلْإِرَاقَةِ أَوْ لِلتَّخْلِيلِ، فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِعَصْرِ الْعِنَبِ أَوْ قَطْعِهِ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَمْلِ الْمَقْرُونِ بِقَصْدِ الْمَعْصِيَةِ اهـ زَادَ فِي النِّهَايَةِ وَهَذَا قِيَاسٌ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ، ثُمَّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ آجَرَهُ دَابَّةً لِيَنْقُلَ عَلَيْهَا الْخَمْرَ أَوْ آجَرَهُ نَفْسَهُ لِيَرْعَى لَهُ الْخَنَازِيرَ يَطِيبُ لَهُ الْأَجْرُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَا يُكْرَهُ بَيْعُ الزَّنَانِيرِ مِنْ النَّصْرَانِيِّ وَالْقَلَنْسُوَةِ مِنْ الْمَجُوسِيِّ، لِأَنَّ ذَلِكَ إذْلَالٌ لَهُمَا وَبَيْعُ الْمُكَعَّبِ الْمُفَضَّضِ لِلرَّجُلِ إنْ لِيَلْبَسَهُ يُكْرَهُ، لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى لُبْسِ الْحَرَامِ وَإِنْ كَانَ إسْكَافًا أَمَرَهُ إنْسَانٌ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ خُفًّا عَلَى زِيِّ الْمَجُوسِ أَوْ الْفَسَقَةِ أَوْ خَيَّاطًا أَمَرَهُ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ ثَوْبًا عَلَى زِيِّ الْفُسَّاقِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّشَبُّهِ بِالْمَجُوسِ وَالْفَسَقَةِ اهـ (قَوْلُهُ لَا عَصْرُهَا لِقِيَامِ الْمَعْصِيَةِ بِعَيْنِهِ) فِيهِ مُنَافَاةٌ ظَاهِرَةٌ لِقَوْلِهِ سَابِقًا لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَقُومُ بِعَيْنِهِ ط وَهُوَ مُنَافٍ أَيْضًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ جَوَازِ اسْتِئْجَارِهِ لِعَصْرِ الْعِنَبِ أَوْ قَطْعِهِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ هُنَا عَصْرُ الْعِنَبِ عَلَى قَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ فَإِنَّ عَيْنَ هَذَا الْفِعْلِ مَعْصِيَةٌ بِهَذَا الْقَصْدِ، وَلِذَا أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى الْخَمْرِ مَعَ أَنَّ الْعَصْرَ لِلْعِنَبِ حَقِيقَةٌ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الْعَصِيرِ وَاسْتِئْجَارِهِ عَلَى عَصْرِ الْعِنَبِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَجَازَ إجَارَةُ بَيْتٍ إلَخْ) هَذَا عِنْدَهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى مَنْفَعَةِ الْبَيْتِ، وَلِهَذَا يَجِبُ الْأَجْرُ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ، وَلَا مَعْصِيَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ بِفِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ وَهُوَ مُخْتَارٌ فَيَنْقَطِعُ نِسْبِيَّتُهُ عَنْهُ، فَصَارَ كَبَيْعِ الْجَارِيَةِ مِمَّنْ لَا يَسْتَبْرِئُهَا أَوْ يَأْتِيهَا مِنْ دُبُرٍ وَبَيْعِ الْغُلَامِ مِنْ لُوطِيٍّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ آجَرَهُ لِلسُّكْنَى جَازَ وَهُوَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عِبَادَتِهِ فِيهِ اهـ زَيْلَعِيٌّ وَعَيْنِيٌّ وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ، قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْغُلَامِ مِنْ اللُّوطِيِّ، وَالْمَنْقُولُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْفَتَاوَى أَنَّهُ يُكْرَهُ وَهُوَ الَّذِي عَوَّلْنَا عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ اهـ.
أَقُولُ: هُوَ صَرِيحٌ أَيْضًا فِي أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ، وَلِذَا كَانَ مَا فِي الْفَتَاوَى مُشْكِلًا كَمَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْغُلَامِ وَبَيْنَ الْبَيْتِ وَالْعَصِيرِ " فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ التَّعْوِيلُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى. نَعَمْ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ يُشْكِلُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ وَبَيْنَ مَا لَا تَقُومُ بِعَيْنِهِ، فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ فِي السِّلَاحِ وَالْمُكَعَّبِ الْمُفَضَّضِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا هِيَ بِفِعْلِ الشَّارِي فَلْيُتَأَمَّلْ فِي وَجْهِ الْفَرْقِ فَإِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ. نَعَمْ يَظْهَرُ الْفَرْقُ عَلَى مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنْ التَّعْلِيلِ، لِجَوَازِ بَيْعِ الْعَصِيرِ بِأَنَّهُ لَا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ، بَلْ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ فَهُوَ كَبَيْعِ الْحَدِيدِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يُعْمَلُ مِنْهُ السِّلَاحُ لَكِنْ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ أَيْضًا إلَى صِفَةٍ أُخْرَى. وَعَلَيْهِ يَظْهَرُ كَوْنُ الْأَمْرَدِ مِمَّا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْأَمْصَارُ) الْأَنْسَبُ فِي التَّعْبِيرِ كَالْأَمْصَارِ إلَخْ ط (قَوْلُهُ فَلَا يُمَكَّنُونَ) أَيْ مِنْ اتِّخَاذِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَإِظْهَارِ بَيْعِ الْخُمُورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بِيعَةً) الْأَوَّلُ مَعْبَدُ الْيَهُودِ وَالثَّانِي مَعْبَدُ النَّصَارَى ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ وَمَنْ ظَنَّ عَكَسَ هَذَا فَقَدْ سَهَا اهـ ابْنُ كَمَالٍ لَكِنْ تُطْلَقُ الْكَنِيسَةُ عَلَى الثَّانِي أَيْضًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْقَامُوسِ وَالْمُغْرِبِ وَالْبِيعَةُ بِالْكَسْرِ جَمْعُهُ بِيَعٌ كَعِنَبٍ.
(قَوْلُهُ وَجَازَ بَيْعُ بِنَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ) أَيْ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِمَنْ بَنَاهُ كَمَنْ بَنَى فِي أَرْضِ الْوَقْفِ لَهُ بَيْعُهُ إتْقَانِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute