فَرْعٌ]
هَلْ يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ؟ قِيلَ نَعَمْ وَتَمَامُهُ قُبَيْلَ جِنَايَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ.
(وَ) كُرِهَ (احْتِكَارُ قُوتِ الْبَشَرِ) كَتِبْنٍ وَعِنَبٍ وَلَوْزٍ (وَالْبَهَائِمِ) كَتِبْنٍ وَقَتٍّ (فِي بَلَدٍ يَضُرُّ بِأَهْلِهِ) لِحَدِيثِ «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» فَإِنْ لَمْ يَضُرَّ لَمْ يُكْرَهْ
ــ
[رد المحتار]
(قَوْلُهُ قِيلَ نَعَمْ) يُشْعِرُ بِضَعْفِهِ مَعَ أَنَّهُ مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَارِ وَالْمُلْتَقَى قَالَ: وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَرِهَ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْجِنَازَةِ وَالزَّحْفِ وَالذِّكْرِ فَمَا ظَنُّك عِنْدَ الْغِنَاءِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ وَجْدًا وَمَحَبَّةً فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الدِّينِ اهـ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ قُبَيْلَ جِنَايَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ) أَقُولُ: اضْطَرَبَ كَلَامُ الْبَزَّازِيَّةِ فَنَقَلَ أَوَّلًا عَنْ فَتَاوَى الْقَاضِي أَنَّهُ حَرَامٌ لِمَا صَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَخْرَجَ جَمَاعَةً مِنْ الْمَسْجِدِ يُهَلِّلُونَ وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَهْرًا وَقَالَ لَهُمْ " مَا أَرَاكُمْ إلَّا مُبْتَدِعِينَ " ثُمَّ قَالَ الْبَزَّازِيُّ وَمَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِرَافِعِي أَصْوَاتِهِمْ بِالتَّكْبِيرِ «ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إنَّكُمْ لَنْ تَدْعُوا أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا قَرِيبًا إنَّهُ مَعَكُمْ» الْحَدِيثَ - يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلرَّفْعِ مَصْلَحَةٌ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ فِي غَزَاةٍ وَلَعَلَّ رَفْعَ الصَّوْتِ يَجُرُّ بَلَاءً وَالْحَرْبُ خُدْعَةٌ وَلِهَذَا نَهَى عَنْ الْجَرَسِ فِي الْمَغَازِي، وَأَمَّا رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ فَجَائِزٌ كَمَا فِي الْأَذَانِ وَالْخُطْبَةِ وَالْجُمُعَةِ وَالْحَجِّ اهـ وَقَدْ حَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْخَيْرِيَّةِ وَحَمَلَ مَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي عَلَى الْجَهْرِ الْمُضِرِّ وَقَالَ: إنَّ هُنَاكَ أَحَادِيثَ اقْتَضَتْ طَلَبَ الْجَهْرِ، وَأَحَادِيثَ طَلَبَ الْإِسْرَارِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ، فَالْإِسْرَارُ أَفْضَلُ حَيْثُ خِيفَ الرِّيَاءُ أَوْ تَأَذِّي الْمُصَلِّينَ أَوْ النِّيَامِ وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ حَيْثُ خَلَا مِمَّا ذُكِرَ، لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَلِتَعَدِّي فَائِدَتِهِ إلَى السَّامِعِينَ، وَيُوقِظُ قَلْبَ الذَّاكِرِ فَيَجْمَعُ هَمَّهُ إلَى الْفِكْرِ، وَيَصْرِفُ سَمْعَهُ إلَيْهِ، وَيَطْرُدُ النَّوْمَ وَيَزِيدُ النَّشَاطَ اهـ مُلَخَّصًا.
زَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَأَمَّا رَفْعُ الصَّوْتِ عِنْدَ الْجَنَائِزِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ النَّوْحُ أَوْ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بَعْدَمَا افْتَتَحَ النَّاسُ الصَّلَاةَ أَوْ الْإِفْرَاطُ فِي مَدْحِهِ كَعَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ مِمَّا هُوَ شَبِيهُ الْمُحَالِ، وَأَمَّا أَصْلُ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ اهـ وَقَدْ شَبَّهَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ ذِكْرَ الْإِنْسَانِ وَحْدَهُ وَذِكْرَ الْجَمَاعَةِ بِأَذَانِ الْمُنْفَرِدِ، وَأَذَانِ الْجَمَاعَةِ قَالَ: فَكَمَا أَنَّ أَصْوَاتَ الْمُؤَذِّنِينَ جَمَاعَةً تَقْطَعُ جُرْمَ الْهَوَاءِ أَكْثَرَ مِنْ صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ الْوَاحِدِ كَذَلِكَ ذِكْرُ الْجَمَاعَةِ عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ أَكْثَرُ تَأْثِيرًا فِي رَفْعِ الْحُجُبِ الْكَثِيفَةِ مِنْ ذِكْرِ شَخْصٍ وَاحِدٍ.
(قَوْلُهُ وَكُرِهَ احْتِكَارُ قُوتِ الْبَشَرِ) الِاحْتِكَارُ لُغَةً: احْتِبَاسُ الشَّيْءِ انْتِظَارًا لِغَلَائِهِ وَالِاسْمُ الْحُكْرَةُ بِالضَّمِّ وَالسُّكُونِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَشَرْعًا: اشْتِرَاءُ طَعَامٍ وَنَحْوِهِ وَحَبْسُهُ إلَى الْغَلَاءِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ» قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: أَيْ خَذَلَهُ وَالْخِذْلَانُ تَرْكُ النُّصْرَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ اهـ وَفِي أُخْرَى «فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» الصَّرْفُ: النَّفَلُ، وَالْعَدْلُ الْفَرْضُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَقِيلَ شَهْرًا وَقِيلَ أَكْثَرَ وَهَذَا التَّقْدِيرُ لِلْمُعَاقَبَةِ فِي الدُّنْيَا بِنَحْوِ الْبَيْعِ وَلِلتَّعْزِيرِ لَا لِلْإِثْمِ لِحُصُولِهِ وَإِنْ قَلَّتْ الْمُدَّةُ وَتَفَاوُتُهُ بَيْنَ تَرَبُّصِهِ لِعِزَّتِهِ أَوْ لِلْقَحْطِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى دُرٌّ مُنْتَقًى مَزِيدًا، وَالتَّقْيِيدُ بِقُوتِ الْبَشَرِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْكَافِي، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كُلُّ مَا أَضَرَّ بِالْعَامَّةِ حَبْسُهُ، فَهُوَ احْتِكَارٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ الِاحْتِكَارُ فِي الثِّيَابِ ابْنُ كَمَالٍ.
(قَوْلُهُ كَتِينٍ وَعِنَبٍ وَلَوْزٍ) أَيْ مِمَّا يَقُومُ بِهِ بَدَنُهُمْ مِنْ الرِّزْقِ وَلَوْ دَخَنًا لَا عَسَلًا وَسَمْنًا دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَقَتٍّ) بِالْقَافِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ الْفِصْفِصَةُ بِكَسْرِ الْفَاءَيْنِ وَهِيَ الرَّطْبَةُ مِنْ عَلَفِ الدَّوَابِّ اهـ ح وَفِي الْمُغْرِبِ: الْقَتُّ الْيَابِسُ مِنْ الْإِسْفِسْتِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ فِي الْفِصْفِصَةِ بِالْكَسْرِ هُوَ نَبَاتٌ فَارِسِيَّتُهُ إسْفِسْتٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي بَلَدٍ) أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ كَالرُّسْتَاقِ وَالْقَرْيَةِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَضُرُّ بِأَهْلِهِ) بِأَنْ كَانَ الْبَلَدُ صَغِيرًا هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ) أَيْ مُبْعَدٌ عَنْ دَرَجَةِ الْأَبْرَارِ، وَلَا يُرَادُ الْمَعْنَى الثَّانِي لِلَّعْنِ وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute