وَلَوْ دَخَلَ وَلَمْ يَرَ أَحَدًا يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ.
ــ
[رد المحتار]
بَيْنَ أَلْ وَالتَّنْوِينِ اهـ. وَظَاهِرُ تَقْيِيدِهِ بِجَزْمِ الْمِيمِ أَنَّهُ لَوْ نَوَّنَ الْمُجَرَّدَ مِنْ أَلْ كَمَا هُوَ تَحِيَّةُ الْمَلَائِكَةِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ يَجِبُ الرَّدُّ فَيَكُونُ لَهُ صِيغَتَانِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ سَابِقًا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة، ثُمَّ رَأَيْت فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَفْظُ السَّلَامِ فِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِالتَّنْوِينِ، وَبِدُونِ هَذَيْنِ كَمَا يَقُولُ الْجُهَّالُ، لَا يَكُونُ سَلَامًا قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ فِي الْمُصَافَحَةِ: وَلَا يَبْتَدِئُ بِقَوْلِهِ عَلَيْك السَّلَامُ، وَلَا بِعَلَيْكُمْ السَّلَامُ لِمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: «أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت عَلَيْك السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا تَقُلْ عَلَيْك السَّلَامُ فَإِنَّ عَلَيْك السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الرَّدُّ عَلَى الْمُبْتَدِئِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ، فَإِنَّهُ مَا ذُكِرَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَدَّ السَّلَامَ عَلَيْهِ بَلْ نَهَاهُ، وَهُوَ أَحَدُ احْتِمَالَاتٍ ثَلَاثَةٍ ذَكَرَهَا النَّوَوِيُّ، فَيَتَرَجَّحُ كَوْنُهُ لَيْسَ سَلَامًا، وَإِلَّا لَرَدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ عَلَّمَهُ كَمَا رَدَّ عَلَى الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ ثُمَّ عَلَّمَهُ، وَلَوْ زَادَ وَاوًا فَابْتَدَأَ بِقَوْلِهِ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ لَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَا تَصْلُحُ لِلِابْتِدَاءِ فَلَمْ يَكُنْ سَلَامًا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ اهـ.
قُلْت: وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ: أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ أَبِي يُوسُفَ كَانَ إذَا مَرَّ بِالسُّوقِ يَقُولُ: سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: التَّسْلِيمُ تَحِيَّةٌ وَإِجَابَتُهَا فَرْضٌ، فَإِذَا لَمْ يُجِيبُونِي وَجَبَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، فَأَمَّا سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ فَدُعَاءٌ فَلَا يَلْزَمُهُمْ، وَلَا يَلْزَمُنِي شَيْءٌ فَأَخْتَارُهُ لِهَذَا اهـ.
قُلْت: فَهَذَا مَعَ مَا مَرَّ يُفِيدُ اخْتِصَاصَ وُجُوبِ الرَّدِّ بِمَا إذَا ابْتَدَأَ بِلَفْظِ السَّلَامِ عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَقَدَّمْنَا أَنَّ لِلْمُجِيبِ أَنْ يَقُولَ فِي الصُّورَتَيْنِ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، أَوْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَمُفَادُهُ أَنَّ مَا صَلُحَ لِلِابْتِدَاءِ صَلُحَ لِلْجَوَابِ وَلَكِنْ عَلِمْت مَا هُوَ الْأَفْضَلُ فِيهِمَا.
[تَتِمَّةٌ]
قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَيُسَلِّمُ الَّذِي يَأْتِيك مِنْ خَلْفِك وَيُسَلِّمُ الْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَإِذَا الْتَقَيَا فَأَفْضَلُهُمَا يَسْبِقُهُمَا، فَإِنْ سَلَّمَا مَعًا يَرُدُّ كُلُّ وَاحِدٍ وَقَالَ الْحَسَنُ: يَبْتَدِئُ الْأَقَلُّ بِالْأَكْثَرِ اهـ. وَفِيهَا: السَّلَامُ سُنَّةٌ، وَيُفْتَرَضُ عَلَى الرَّاكِبِ الْمَارِّ بِالرَّاجِلِ فِي طَرِيقٍ عَامٍّ أَوْ فِي الْمَفَازَةِ لِلْأَمَانِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَيُسَلِّمُ الْآتِي مِنْ الْمِصْرِ عَلَى مَنْ يَسْتَقْبِلُهُ مِنْ الْقُرَى، وَقِيلَ يُسَلِّمُ الْقَرَوِيُّ عَلَى الْمِصْرِيِّ اهـ.
وَفِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْأَدَبُ هُوَ فِيمَا إذَا الْتَقَيَا فِي طَرِيقٍ، أَمَّا إذَا وَرَدَ عَلَى قُعُودٍ فَإِنَّ الْوَارِدَ يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ بِكُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا أَوْ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا كَذَا فِي الطَّبَرَانِيِّ اهـ. قَالَ ط: وَالْقَوَاعِدُ تُوَافِقُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي أَيِّهِمَا أَفْضَلُ أَجْرًا قِيلَ الرَّادُّ وَقِيلَ الْمُسَلِّمُ مُحِيطٌ. وَإِنْ سَلَّمَ ثَانِيًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَا يَجِبُ رَدُّ الثَّانِي تَتَارْخَانِيَّةٌ وَفِيهَا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَتَيْتُمْ الْمَجْلِسَ فَسَلِّمُوا عَلَى الْقَوْمِ وَإِذَا رَجَعْتُمْ فَسَلِّمُوا عَلَيْهِمْ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ عِنْدَ الرُّجُوعِ أَفْضَلُ مِنْ التَّسْلِيمِ الْأَوَّلِ» (قَوْلُهُ وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) فَيَكُونُ مُسَلِّمًا عَلَى الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُ، وَصَالِحِي الْجِنِّ الْحَاضِرِينَ وَغَيْرِهِمْ وَقَالُوا إنَّ الْجِنَّ مُكَلَّفُونَ بِمَا كُلِّفْنَا بِهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الرَّدُّ وَلَا يَخْرُجُونَ عَنْهُ إلَّا بِالْإِسْمَاعِ، وَلَمْ أَرَ حُكْمَهُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُمْ أُمِرُوا بِالِاسْتِتَارِ عَنْ أَعْيُنِ الْإِنْسِ لِعَدَمِ الْأُنْسِ وَالْمُجَانَسَةِ وَرَدُّهُ ظَاهِرًا مِنْ قَبِيلِ الْإِعْلَانِ فَتَدَبَّرْ ط.
أَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ مِمَّا يَجِبُ عَلَى سَامِعِهَا الرَّدُّ إذْ لَا خِطَابَ فِيهَا، وَلَيْسَتْ مِنْ الصِّيغَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ وَإِلَّا لَوَجَبَ الرَّدُّ أَيْضًا عَلَى مَنْ سَمِعَهَا مِنْ الْإِنْسِ، وَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ وَالظَّاهِرُ عَدَمُهُ، فَلَا يَجِبُ عَلَى الْجِنِّ بِالْأَوْلَى، بَلْ هِيَ لِمُجَرَّدِ الدُّعَاءِ كَمَا هِيَ فِي التَّشَهُّدِ وَكَمَا فِي الصِّيغَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي يُوسُفَ كَمَا مَرَّ تَأَمَّلْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute