للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَعْضُهُمْ الْمُخْتَارُ فِي الْكُحْلِ جَائِزٌ ... لِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ فَهُوَ الْمُقَرَّرُ

وَضَرْبُ عَبِيدِ الْغَيْرِ جَازَ بِأَمْرِهِ ... وَمَا جَازَ فِي الْأَحْرَارِ وَالْأَبِ يَأْمُرُ

وَأُثَوِّبُ مِنْ ذِكْرِ الْقِرَانِ اسْتِمَاعُهُ ... وَقَالُوا ثَوَابُ الطِّفْلِ لِلطِّفْلِ يُحْصَرُ

ــ

[رد المحتار]

فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ «مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ» فَأَخَذَ النَّاسُ مِنْهُ أَنْ وَسَّعُوا بِاسْتِعْمَالِ أَنْوَاعٍ مِنْ الْحُبُوبِ، وَهُوَ مِمَّا يَصْدُقُ عَلَيْهِ التَّوْسِعَةُ. وَقَدْ رَأَيْت لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ كَلَامًا حَسَنًا مُحَصَّلُهُ: أَنَّهُ لَا يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى التَّوْسِعَةِ بِنَوْعٍ وَاحِدٍ بَلْ يَعُمُّهَا فِي الْمَآكِلِ وَالْمَلَابِسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ أَحَقُّ مِنْ سَائِرِ الْمَوَاسِمِ بِمَا يُعْمَلُ فِيهَا مِنْ التَّوَسُّعَاتِ الْغَيْرِ الْمَشْرُوعَةِ فِيهَا كَالْأَعْيَادِ وَنَحْوِهَا اهـ (قَوْلُهُ وَبَعْضُهُمْ إلَخْ) قَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدُ لَا بَأْسَ بِالِاكْتِحَالِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ هُوَ الْمُخْتَارُ، «لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَحَّلَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ» . وَفِي الْخَانِيَّةِ: أَنَّهُ سُنَّةٌ وَذَكَرَ فِيهَا: مَنْ اكْتَحَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَرْمَدْ سَنَتَهُ، قَالَ الشَّارِحُ وَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ.

قُلْت: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ وَرَدَتْ التَّوْسِعَةُ فِيهِ بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ، وَصَحِيحُ بَعْضِهَا يَرْتَقِي بِهَا الْحَدِيثُ إلَى الْحَسَنِ، وَتُعُقِّبَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي عَدِّهِ مِنْ الْمَوْضُوعَاتِ. وَأَمَّا حَدِيثُ «مَنْ اكْتَحَلَ بِالْإِثْمِدِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ تَرْمَدْ عَيْنُهُ» فَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي اللَّآلِئِ: إنَّهُ مُنْكَرٌ وَالِاكْتِحَالُ لَا يَصِحُّ فِيهِ أَثَرٌ وَهُوَ بِدْعَةٌ، وَأَوْرَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَقَالَ الْحَاكِمُ أَيْضًا لَمْ يُرْوَ فِيهِ أَثَرٌ وَهُوَ بِدْعَةٌ ابْتَدَعَهَا قَتَلَةُ الْحُسَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ: كُلُّ مَا رُوِيَ فِي فَضْلِ الِاكْتِحَالِ، وَالِاخْتِضَابِ وَالِاغْتِسَالِ فَمَوْضُوعٌ لَا يَصِحُّ، وَتَمَامُهُ فِي كَشْفِ الْخَفَاءِ وَالْإِلْبَاسِ لِلْجِرَاحِيِّ، وَبِهِ يَتَأَيَّدُ الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالتَّوْسِعَةُ عَلَى مَنْ وَسَّعَ مُجَرَّبَةٌ. نَقَلَ ذَلِكَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ.

(قَوْلُهُ جَازَ بِأَمْرِهِ) أَيْ بِالْقَدْرِ الَّذِي يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ مَا لَمْ يَبْلُغْ بِهِ حَدًّا بِحَسَبِ الْجَرَائِمِ ش فَإِنْ لَزِمَهُ حَدٌّ لَا يَحُدُّهُ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ وَالْأَبُ يَأْمُرُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ لَا يَجُوزُ ضَرْبُ وَلَدِ الْحُرِّ بِأَمْرِ أَبِيهِ، أَمَّا الْمُعَلِّمُ فَلَهُ ضَرْبُهُ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ يَضْرِبُهُ نِيَابَةً عَنْ الْأَبِ لِمَصْلَحَتِهِ، وَالْمُعَلِّمُ يَضْرِبُهُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ بِتَمْلِيكِ أَبِيهِ لِمَصْلَحَةِ التَّعْلِيمِ، وَقَيَّدَهُ الطَّرَسُوسِيُّ بِأَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ آلَةٍ جَارِحَةٍ، وَبِأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى ثَلَاثِ ضَرَبَاتٍ وَرَدَّهُ النَّاظِمُ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ، وَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ وَأَقَرَّهُ الشَّارِحُ قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: وَالنَّقْلُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ يَضْرِبُ الصَّغِيرَ بِالْيَدِ لَا بِالْخَشَبَةِ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ ضَرَبَاتٍ وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ النَّاظِمِ أَنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ الْأَحْرَارِ الْقَاضِي، فَإِنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِضَرْبِ ابْنِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهُ بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ اهـ وَقَيَّدَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِكَوْنِ الْقَاضِي عَادِلًا، وَبِمُشَاهَدَةِ الْحُجَّةِ الْمُلْزِمَةِ قَالَ: وَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى مُجَرَّدِ أَمْرِ الْقَاضِي الْآنَ (قَوْلُهُ وَأَثْوَبُ) أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ مِنْ الثَّوَابِ وَهُوَ الْجَزَاءُ، وَالْقُرَانُ مَنْقُولٌ حَرَكَةَ الْهَمْزَةِ لِضَرُورَةِ الْوَزْنِ ش قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ كَمَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ فِي شَرْحِهِ اهـ أَيْ فَهُوَ لُغَةٌ لَا ضَرُورَةٌ.

(قَوْلُهُ اسْتِمَاعُهُ) لِوُجُوبِهِ وَنُدِبَ الْقِرَاءَةُ (قَوْلُهُ ثَوَابُ الطِّفْلِ لِلطِّفْلِ) - {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩]- وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْتَفِعُ الْمَرْءُ بِعِلْمِ وَلَدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْعَبْدُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنْ يَتْرُكَ وَلَدًا عَلَّمَهُ الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ فَيَكُونَ لِوَالِدِهِ أَجْرُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الْوَلَدِ شَيْئًا اهـ جَامِعُ الصِّغَارِ للأستروشني، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» حَمَوِيٌّ وَتَمَامُ الْحَدِيثِ «صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» . وَفِي الْأَشْبَاهِ: وَتَصِحُّ عِبَادَتُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>