للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَإِنْ اشْتَدَّ) وَهَذَا (إذَا شَرِبَ) مِنْهُ (بِلَا لَهْوٍ وَطَرَبٍ) فَلَوْ شَرِبَ لِلَّهْوِ فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ حَرَامٍ (وَمَا لَمْ يُسْكِرْ) فَلَوْ شَرِبَ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مُسْكِرٌ فَيَحْرُمُ، لِأَنَّ السُّكْرَ حَرَامٌ فِي كُلِّ شَرَابٍ.

(وَ) الثَّانِي (الْخَلِيطَانِ) مِنْ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ إذَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةً، وَإِنْ اشْتَدَّ يَحِلُّ بِلَا لَهْوٍ.

(وَ) الثَّالِثُ (نَبِيذُ الْعَسَلِ وَالتِّينِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ) يَحِلُّ سَوَاءً (طُبِخَ أَوْ لَا) بِلَا لَهْوٍ وَطَرَبٍ.

(وَ) الرَّابِعُ (الْمُثَلَّثُ) الْعِنَبِيُّ وَإِنْ اشْتَدَّ، وَهُوَ مَا طُبِخَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ وَيَبْقَى ثُلُثُهُ

ــ

[رد المحتار]

بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حُرْمَةِ الْمُتَّخَذِ مِنْ التَّمْرِ أَحَادِيثُ وَفِي حِلِّهِ أَحَادِيثُ، فَإِذَا حُمِلَ الْمُحَرِّمُ عَلَى النِّيءِ وَالْمُحَلِّلُ عَلَى الْمَطْبُوخِ فَقَدْ حَصَلَ التَّوْفِيقُ وَانْدَفَعَ التَّعَارُضُ عَيْنِيٌّ، وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ كُلُّهَا صِحَاحٌ سَاقَهَا الزَّيْلَعِيُّ، وَوَفَّقَ بِمَا ذُكِرَ فَرَاجِعْهُ. قَالَ الأتقاني: وَقَدْ أَطْنَبَ الْكَرْخِيُّ فِي رِوَايَةِ الْآثَارِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاحِ فِي تَحْلِيلِ النَّبِيذِ الشَّدِيدِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَكَابِرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَهْلِ بَدْرٍ كَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يُحِلُّونَهُ، وَكَذَا الشَّعْبِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ. وَرُوِيَ أَنَّ الْإِمَامَ قَالَ لِبَعْضِ تَلَامِذَتِهِ إنَّ مِنْ إحْدَى شَرَائِطِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنْ لَا يُحَرَّمَ نَبِيذُ الْجَرِّ اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْ أُعْطِيت الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا لَا أُفْتِي بِحُرْمَتِهَا لِأَنَّ فِيهِ تَفْسِيقَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، وَلَوْ أُعْطِيت الدُّنْيَا لِشُرْبِهَا لَا أَشْرَبُهَا لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ وَهَذَا غَايَةُ تَقْوَاهُ اهـ. وَمَنْ أَرَادَ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ وَالتَّوْفِيقَ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ فَعَلَيْهِ بِغَايَةِ الْبَيَانِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَدَّ) أَيْ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ. قَالَ فِي الزُّمَرِ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَذْفَ اكْتِفَاءً بِمَا سَبَقَ اهـ ط (قَوْلُهُ بِلَا لَهْوٍ وَطَرَبٍ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: الطَّرَبُ خِفَّةٌ تُصِيبُ الْإِنْسَانَ لِشِدَّةِ حُزْنٍ أَوْ سُرُورٍ اهـ. قَالَ فِي الدُّرَرِ. وَهَذَا التَّقْيِيدُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهَذِهِ الْأَشْرِبَةِ بَلْ إذَا شَرِبَ الْمَاءَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ بِلَهْوٍ وَطَرَبٍ عَلَى هَيْئَةِ الْفَسَقَةِ حَرَامٌ اهـ ط.

قُلْت: وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ التَّقْيِيدَ بِعَدَمِ اللَّهْوِ وَالطَّرَبِ وَعَدَمِ السُّكْرِ بَعْدَ الرَّابِعِ لِيَكُونَ قَيْدًا لِلْكُلِّ (قَوْلُهُ فَلَوْ شَرِبَ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ إلَخْ) أَيْ يَحْرُمُ الْقَدْرُ الْمُسْكِرُ مِنْهُ، وَهُوَ الَّذِي يَعْلَمُ يَقِينًا أَوْ بِغَالِبِ الرَّأْيِ أَنَّهُ يُسْكِرُهُ كَالْمُتْخِمِ مِنْ الطَّعَامِ، وَهُوَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَعْقُبُهُ التُّخَمَةُ تَتَارْخَانِيَّةٌ. فَالْحَرَامُ: هُوَ الْقَدَحُ الْأَخِيرُ الَّذِي يَحْصُلُ السُّكْرُ بِشُرْبِهِ كَمَا بَسَطَهُ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا؛ وَيُحَدُّ إذَا سَكِرَ بِهِ طَائِعًا. قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي شَرِبَ تِسْعَةَ أَقْدَاحٍ مِنْ نَبِيذِ التَّمْرِ فَأَوْجَرَ الْعَاشِرَ لَمْ يُحَدَّ اهـ. وَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِيمَا سِوَى الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ لَا يُحَدُّ مَا لَمْ يَسْكَرْ، ثُمَّ قَالَ فِي تَعْرِيفِ السَّكْرَانِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ مَنْ يَخْتَلِطُ كَلَامُهُ وَيَصِيرُ غَالِبُهُ الْهَذَيَانَ وَتَمَامُهُ فِي حُدُودِ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَالثَّانِي الْخَلِيطَانِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَقَاهُ لِابْنِ زِيَادٍ، وَمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَوْ عَلَى غَيْرِ الْمَطْبُوخِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ حَمَوِيٌّ، وَبِالْأَخِيرِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ وَبَيْنَ مَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ حُرْمَةِ نَقِيعِ الزَّبِيبِ النِّيءِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ مِنْ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ) أَوْ الْبُسْرِ أَوْ الرُّطَبِ الْمُجْتَمَعَيْنِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ إذَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ) كَذَا قَيَّدَهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَالْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَالْمَفْهُومُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُلْتَقَى عَدَمُ اشْتِرَاطِ الطَّبْخِ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدِ الْمَذْكُورَاتِ مَاءُ الْعِنَبِ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ ذَهَابِ الثُّلُثَيْنِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا طُبِخَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ) أَيْ طَبْخًا مَوْصُولًا، فَلَوْ مَفْصُولًا، فَإِنْ قِيلَ تَغَيُّرُهُ بِحُدُوثِ الْمَرَارَةِ وَغَيْرِهَا حَلَّ وَإِلَّا حَرُمَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى، وَتَمَامُهُ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ دُرُّ مُنْتَقَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>