للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذَا قَصَدَ بِهِ اسْتِمْرَاءَ الطَّعَامِ وَالتَّدَاوِي وَالتَّقَوِّي عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ لِلَّهْوِ لَا يَحِلُّ إجْمَاعًا حَقَائِقُ.

(وَصَحَّ بَيْعُ غَيْرِ الْخَمْرِ) مِمَّا مَرَّ، وَمُفَادُهُ صِحَّةُ بَيْعِ الْحَشِيشَةِ وَالْأَفْيُونِ.

قُلْت: وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ نُجَيْمٍ عَنْ بَيْعِ الْحَشِيشَةِ هَلْ يَجُوزُ؟ فَكَتَبَ لَا يَجُوزُ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الْحِلِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَتُضْمَنُ) هَذِهِ الْأَشْرِبَةُ (بِالْقِيمَةِ لَا بِالْمِثْلِ) لِمَنْعِنَا عَنْ تَمَلُّكِ عَيْنِهِ وَإِنْ جَازَ فِعْلُهُ، بِخِلَافِ الصَّلِيبِ حَيْثُ تُضْمَنُ قِيمَتُهُ صَلِيبًا لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ زَيْلَعِيٌّ. (وَحَرَّمَهَا مُحَمَّدٌ) أَيْ الْأَشْرِبَةَ الْمُتَّخَذَةَ مِنْ الْعَسَلِ وَالتِّينِ وَنَحْوِهِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (مُطْلَقًا) قَلِيلَهَا وَكَثِيرَهَا

ــ

[رد المحتار]

وَقَيَّدَ بِالْعِنَبِ لِأَنَّ الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ يَحِلَّانِ بِأَدْنَى طَبْخَةٍ كَمَا مَرَّ، لَكِنَّ الْمَاءَ غَيْرُ قَيْدٍ، لِأَنَّهُ لَوْ طُبِخَ الْعِنَبُ كَمَا هُوَ ثُمَّ عُصِرَ فَلَا بُدَّ مِنْ ذَهَابِ ثُلُثَيْهِ بِالطَّبْخِ فِي الْأَصَحِّ. وَفِي رِوَايَةٍ يُكْتَفَى بِأَدْنَى طَبْخَةٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِيهَا وَلَوْ جَمَعَ فِي الطَّبْخِ بَيْنَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ أَوْ بَيْنَ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ لَا يَحِلُّ مَا لَمْ يَذْهَبْ ثُلُثَاهُ لِأَنَّ التَّمْرَ وَإِنْ اُكْتُفِيَ فِيهِ بِأَدْنَى طَبْخَةٍ فَعَصِيرُ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ لَا بُدَّ أَنْ يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ فَيُعْتَبَرُ جَانِبُ الْعِنَبِ احْتِيَاطًا، وَكَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَنَقِيعِ التَّمْرِ.

وَفِيهَا: وَلَوْ طُبِخَ نَقِيعُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ أَدْنَى طَبْخَةٍ ثُمَّ أُنْقِعَ فِيهِ تَمْرٌ أَوْ زَبِيبٌ، إنْ كَانَ مَا أُنْقِعَ فِيهِ شَيْئًا يَسِيرًا لَا يُتَّخَذُ النَّبِيذُ مِنْ مِثْلِهِ يَحِلُّ وَإِلَّا لَا.

وَفِيهَا: وَاَلَّذِي يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ بَعْدَمَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ حَتَّى يَرِقَّ ثُمَّ يُطْبَخُ حُكْمُهُ كَالْمُثَلَّثِ، بِخِلَافِ مَا إذَا صُبَّ عَلَى الْعَصِيرِ ثُمَّ يُطْبَخُ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَا الْكُلِّ، لِأَنَّ الْمَاءَ يَذْهَبُ أَوَّلًا لِلَطَافَتِهِ أَوْ يَذْهَبُ الْمَاءُ مِنْهَا فَلَا يَكُونُ الذَّاهِبُ ثُلُثَيْ مَاءِ الْعِنَبِ أَيْ فَلَا يَحِلُّ (قَوْلُهُ إذَا قَصَدَ) مُتَعَلِّقٌ بِيَحِلُّ مِقْدَارٌ، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: فَإِنْ قَصَدَ بِهِ اسْتِمْرَاءَ الطَّعَامِ، وَالتَّقَوِّي فِي اللَّيَالِي عَلَى الْقِيَامِ، أَوْ فِي الْأَيَّامِ عَلَى الصِّيَامِ، أَوْ الْقِتَالِ لِأَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ، أَوْ التَّدَاوِي لِدَفْعِ الْآلَامِ، فَهُوَ الْمَحَلُّ لِلْخِلَافِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأَنَامِ.

(قَوْلُهُ وَصَحَّ بَيْعُ غَيْرِ الْخَمْرِ) أَيْ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا فِي الْبَيْعِ وَالضَّمَانِ، لَكِنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ فِي الْبَيْعِ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا فِي الضَّمَانِ إنْ قَصَدَ الْمُتْلِفُ الْحِسْبَةَ وَذَلِكَ يُعْرَفُ بِالْقَرَائِنِ، وَإِلَّا فَعَلَى قَوْلِهِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا.

ثُمَّ إنَّ الْبَيْعَ وَإِنْ صَحَّ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ كَمَا فِي الْغَايَةِ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرُ ذَلِكَ قُبَيْلَ الْأَشْرِبَةِ الْمُبَاحَةِ، فَيَقُولُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا: وَصَحَّ بَيْعُهَا إلَخْ كَمَا فَعَلَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا لَا فِي الْمُبَاحَةِ أَيْضًا إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِيمَا يَظْهَرُ مِمَّا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ بِحُرْمَةِ كُلِّ الْأَشْرِبَةِ وَنَجَاسَتِهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ مِمَّا مَرَّ) أَيْ مِنْ الْأَشْرِبَةِ السَّبْعَةِ (قَوْلُهُ وَمُفَادَةُ إلَخْ) أَيْ مُفَادُ التَّقْيِيدِ بِغَيْرِ الْخَمْرِ، وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا دُونَ الْخَمْرِ وَلَيْسَا فَوْقَ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ، فَصِحَّةُ بَيْعِهَا يُفِيدُ صِحَّةَ بَيْعِهِمَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَدَمُ الْحِلِّ) أَيْ لِقِيَامِ الْمَعْصِيَةِ بِعَيْنِهَا. وَذَكَرَ ابْنُ الشِّحْنَةِ أَنَّهُ يُؤَدَّبُ بَائِعُهَا وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَتُضْمَنُ هَذِهِ الْأَشْرِبَةُ) يَعْنِي الْمُحَرَّمَةَ مِنْهَا (قَوْلُهُ عَنْ تَمَلُّكِ عَيْنِهِ) أَيْ الْمِثْلِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَمْلِيكٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ جَازَ فِعْلُهُ) قَالَ الأتقاني فِي كِتَابِ الْغَصْبِ: يَعْنِي أَنَّا قُلْنَا بِضَمَانِ السُّكْرِ وَالْمُصَنِّفُ بِالْقِيمَةِ لَا بِالْمِثْلِ، لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَمْنَعُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَوْ أَخَذَ الْمِثْلَ جَازَ لِعَدَمِ سُقُوطِ التَّقْوِيمِ وَالْمَالِيَّةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الصَّلِيبِ إلَخْ) ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ، وَهِيَ مُرْتَبِطَةٌ بِمَا قَبْلَهَا مِنْ ضَمَانِ آلَاتِ اللَّهْوِ وَصَالِحَةٌ لِغَيْرِ اللَّهْوِ. قَالَ الأتقاني فِي الْغَصْبِ: أَيْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي ضَمَانِ الطَّبْلِ وَنَحْوِهِ مِنْ أَنَّ قِيمَتَهَا تَجِبُ غَيْرُ صَالِحَةٍ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، بِخِلَافِ صَلِيبِ النَّصْرَانِيِّ حَيْثُ تَجِبُ قِيمَتُهُ صَلِيبًا لِأَنَّا أَقْرَرْنَاهُمْ عَلَى هَذَا الصَّنِيعِ فَصَارَ كَالْخَمْرِ (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُمَا) كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْعِنَبِ، فَالْمُرَادُ الْأَشْرِبَةُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي هِيَ حَلَالٌ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ إذَا غَلَتْ وَاشْتَدَّتْ وَإِلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>