للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَحَلَّ الِانْتِبَاذُ) اتِّخَاذُ النَّبِيذِ (فِي الدُّبَّاءِ) جَمْعِ دُبَّاءَةٍ وَهُوَ الْقَرْعُ (وَالْحَنْتَمِ) جَرَّةٌ خَضْرَاءُ (وَالْمُزَفَّتُ) الْمَطْلِيُّ بِالزِّفْتِ: أَيْ الْقِيرِ (وَالنَّقِيرِ) الْخَشَبَةُ الْمَنْقُورَةُ، وَمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ نُسِخَ.

(وَكُرِهَ شُرْبُ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ) أَيْ عَكِرِهِ (وَالِامْتِشَاطُ) بِالدُّرْدِيِّ لِأَنَّ فِيهِ أَجْزَاءَ الْخَمْرِ، وَقَلِيلُهُ كَكَثِيرِهِ كَمَا مَرَّ (وَ) لَكِنْ (لَا يُحَدُّ شَارِبُهُ) عِنْدَنَا (بِلَا سُكْرٍ) وَبِهِ يُحَدُّ إجْمَاعًا.

(وَيَحْرُمُ أَكْلُ الْبَنْجِ وَالْحَشِيشَةِ)

ــ

[رد المحتار]

يَتَعَدَّى إلَى لَبَنِهِ اهـ. أَوْ يُقَالُ هَذَا فِيمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْمَعْصِيَةَ. وَكَلَامُ الْقُهُسْتَانِيِّ إذَا قَصَدَهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ ابْنِ الشِّحْنَةِ وَيَأْتِي مِثْلُهُ عَنْ الْبَحْرِ فَلْيُتَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ فِي الدُّبَّاءِ) بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ قُهُسْتَانِيٌّ: أَيْ مَعَ التَّشْدِيدِ (قَوْلُهُ جَمْعُ دُبَّاءَةٍ) بِالْمَدِّ اهـ ح (قَوْلُهُ وَالْحَنْتَمُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالتَّاءِ وَسُكُونِ النُّونِ بَيْنَهُمَا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ جَرَّةٌ خَضْرَاءُ) كَذَا فَسَّرَهُ فِي الْقَامُوسِ. وَفِي الْمُغْرِبِ: الْحَنْتَمُ الْخَزَفُ الْأَخْضَرُ أَوْ كُلُّ خَذْفٍ. وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ: هِيَ جِرَارٌ حُمْرٌ يُحْمَلُ فِيهَا الْخَمْرُ إلَى الْمَدِينَةِ، الْوَاحِدَةُ حَنْتَمَةٌ (قَوْلُهُ وَمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ نُسِخَ) أَيْ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ وَالنَّقِيرِ فَانْتَبِذُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا فِي كُلِّ ظَرْفٍ فَإِنَّ الظَّرْفَ لَا يُحِلُّ شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمُهُ، وَلَا تَشْرَبُوا الْمُسْكِرَ» وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ غُرَرِ الْأَفْكَارِ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ: إنَّمَا نَهَى عَنْ هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ عَلَى الْخُصُوصِ لِأَنَّ الْأَنْبِذَةَ تَشْتَدُّ بِهَذِهِ الظُّرُوفِ أَكْثَرَ مَا تَشْتَدُّ فِي غَيْرِهِ، يَعْنِي فَصَاحِبُهَا عَلَى خَطَرٍ مِنْ الْوُقُوعِ فِي شُرْبِ الْمُحْرِمِ عِنَايَةٌ

(قَوْلُهُ وَكُرِهَ) عَبَّرَ فِي النُّقَايَةِ كَالزَّاهِدِيِّ بِقَوْلِهِ وَحَرُمَ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَإِنَّمَا آثَرَ الْحُرْمَةَ عَلَى الْكَرَاهَةِ الْوَاقِعَةِ فِي عِبَارَةِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتُونِ لِأَنَّهُ أَرَادَ التَّنْبِيهَ عَلَى الْمُرَادِ الدَّالِّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ أَيْ عَكَرَهُ) بِفَتْحَتَيْنِ وَيُسَكَّنُ قَامُوسٌ. وَدُرْدِيُّ الشَّيْءِ: مَا يَبْقَى أَسْفَلَهُ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالِامْتِشَاطُ) إنَّمَا خَصَّهُ لِأَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي تَحْسِينِ الشَّعْرِ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ عِنْدَنَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُحَدُّ لِأَنَّهُ شَرِبَ جُزْءًا مِنْ الْخَمْرِ.

وَلَنَا أَنَّ قَلِيلَهُ لَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ لِمَا فِي الطِّبَاعِ مِنْ النَّبْوَةِ عَنْهُ فَكَانَ نَاقِصًا فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَلَا حَدَّ فِيهَا إلَّا بِالسُّكْرِ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ الثِّقَلُ فَصَارَ كَمَا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَاءُ بِالِامْتِزَاجِ هِدَايَةٌ

(قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ أَكْلُ الْبَنْجِ) هُوَ بِالْفَتْحِ: نَبَاتٌ يُسَمَّى فِي الْعَرَبِيَّةِ شَيْكَرَانُ، يُصَدِّعُ وَيُسْبِتُ وَيُخَلِّطُ الْعَقْلَ كَمَا فِي التَّذْكِرَةِ لِلشَّيْخِ دَاوُد. وَزَادَ فِي الْقَامُوسِ: وَأَخْبَثُهُ الْأَحْمَرُ ثُمَّ الْأَسْوَدُ وَأَسْلَمُهُ الْأَبْيَضُ، وَفِيهِ: السَّبْتُ يَوْمُ الْأُسْبُوعِ، وَالرَّجُلُ الْكَثِيرُ النَّوْمِ، وَالْمُسْبِتُ: الَّذِي لَا يَتَحَرَّكُ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: هُوَ أَحَدُ نَوْعَيْ شَجَرِ الْقَنْبِ، حَرَامٌ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْعَقْلَ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، بِخِلَافِ نَوْعٍ آخَرَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ كَالْأَفْيُونِ لِأَنَّهُ وَإِنْ اخْتَلَّ الْعَقْلُ بِهِ لَا يَزُولُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ إبَاحَةِ الْبَنْجِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ اهـ.

أَقُولُ: هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّ مَا يُخِلُّ الْعَقْلَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا بِلَا شُبْهَةٍ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهُ مُبَاحٌ: بَلْ الصَّوَابُ أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ إبَاحَةُ قَلِيلِهِ لِلتَّدَاوِي وَنَحْوِهِ وَمَنْ صَرَّحَ بِحُرْمَتِهِ أَرَادَ بِهِ الْقَدْرَ الْمُسْكِرَ مِنْهُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: أَكْلُ قَلِيلِ السَّقَمُونْيَا وَالْبَنْجِ مُبَاحٌ لِلتَّدَاوِي، مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إذَا كَانَ يَقْتُلُ أَوْ يُذْهِبُ الْعَقْلَ حَرَامٌ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ مُؤَيِّدٌ لِمَا سَبَقَ بَحَثْنَاهُ مِنْ تَخْصِيصِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرُمَ قَلِيلُهُ بِالْمَائِعَاتِ، وَهَكَذَا يَقُولُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْجَامِدَةِ الْمُضِرَّةِ فِي الْعَقْلِ أَوْ غَيْرِهِ، يَحْرُمُ تَنَاوُلُ الْقَدْرِ الْمُضِرِّ مِنْهَا دُونَ الْقَلِيلِ النَّافِعِ، لِأَنَّ حُرْمَتَهَا لَيْسَتْ لِعَيْنِهَا بَلْ لِضَرَرِهَا. وَفِي أَوَّلِ طَلَاقِ الْبَحْرِ: مَنْ غَابَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ وَالْأَفْيُونِ يَقَعُ طَلَاقُهُ إذَا اسْتَعْمَلَهُ لِلَّهْوِ وَإِدْخَالِ الْآفَاتِ قَصْدًا لِكَوْنِهِ مَعْصِيَةً، وَإِنْ كَانَ لِلتَّدَاوِي فَلَا لِعَدَمِهَا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي حُرْمَةِ الْبَنْجِ وَالْأَفْيُونِ لَا لِلدَّوَاءِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَالتَّعْلِيلُ يُنَادِي بِحُرْمَتِهِ لَا لِلدَّوَاءِ اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ. وَجَعَلَ فِي النَّهْرِ هَذَا التَّفْصِيلَ هُوَ الْحَقَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>