للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَلْ قَالَ نَجْمُ الدِّينِ الزَّاهِدِيُّ: إنَّهُ يَكْفُرُ وَيُبَاحُ قَتْلُهُ.

قُلْت: وَنَقَلَ شَيْخُنَا النَّجْمُ الْغَزِّيِّ الشَّافِعِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مَنْظُومَةِ أَبِيهِ الْبَدْرِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ أَنَّهُ صَرَّحَ بِتَحْرِيمِ جَوْزِهِ الطِّيبِ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَنَّهَا مُسْكِرَةٌ. ثُمَّ قَالَ شَيْخُنَا النَّجْمُ: وَالْتُتْنَ الَّذِي حَدَثَ وَكَانَ حُدُوثُهُ بِدِمَشْقَ فِي سَنَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْأَلْفِ يَدَّعِي شَارِبُهُ أَنَّهُ لَا يُسْكِرُ وَإِنْ سَلِمَ لَهُ فَإِنَّهُ مُفْتِرٌ

ــ

[رد المحتار]

الْحَشِيشِ فَتْوَى مَشَايِخِ الْمَذْهَبَيْنِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ لِفَتْوَاهُمْ بِحُرْمَتِهِ وَتَأْدِيبِ بَاعَتِهِ، حَتَّى قَالُوا: مَنْ قَالَ بِحِلِّهِ فَهُوَ زِنْدِيقٌ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ وَتَبِعَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اهـ (قَوْلُهُ بَلْ قَالَ نَجْمُ الدِّينِ الزَّاهِدِيُّ إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ نَقْلًا عَنْ خَطِّ بَعْضِ الْأَفَاضِلِ. وَرَدَّهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ لَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ وَلَا تَعْوِيلَ عَلَيْهِ، وَإِذْ الْكُفْرُ بِإِنْكَارِ الْقَطْعِيَّاتِ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا.

أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ مَتْنًا مِنْ أَنَّ الْأَشْرِبَةَ الْأَرْبَعَةَ الْمُحَرَّمَةَ حُرْمَتُهَا دُونَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ فَلَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا، فَعَلَى هَذَا يُشْكِلُ أَيْضًا الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ زِنْدِيقٌ مَعَ أَنَّهُ أَقَرَّهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهَا، وَالزِّنْدِيقُ يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، لَكِنْ رَأَيْت فِي الزَّوَاجِرِ لِابْنِ حَجَرٍ مَا نَصُّهُ: وَحَكَى الْقَرَافِيُّ وَابْنُ تَيْمِيَّةَ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَشِيشَةِ. وَقَالَ: وَمَنْ اسْتَحَلَّهَا فَقَدْ كَفَرَ. قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهَا الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِهِمْ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ فِي آخِرِ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ وَأَوَّلِ السَّابِعَةِ حِينَ ظَهَرَتْ دَوْلَةُ التَّتَارِ اهـ بِحُرُوفِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالتُّتْن إلَخْ) أَقُولُ: قَدْ اضْطَرَبَتْ آرَاءُ الْعُلَمَاءِ فِيهِ، فَبَعْضُهُمْ قَالَ بِكَرَاهَتِهِ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ بِحُرْمَتِهِ، وَبَعْضُهُمْ بِإِبَاحَتِهِ، وَأَفْرَدُوهُ بِالتَّأْلِيفِ. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ: وَيُمْنَعُ مِنْ بَيْعِ الدُّخَانِ وَشُرْبِهِ وَشَارِبُهُ فِي الصَّوْمِ لَا شَكَّ يُفْطِرُ وَفِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ النَّابْلُسِيِّ وَالِدِ سَيِّدِنَا عَبْدِ الْغَنِيِّ عَلَى شَرْحِ الدُّرَرِ بَعْدَ نَقْلِهِ أَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعَ الزَّوْجَةِ مِنْ أَكْلِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ وَكُلِّ مَا يُنْتِنُ الْفَمَ. قَالَ: وَمُقْتَضَاهُ الْمَنْعُ مِنْ شُرْبِهَا التُّتْن لِأَنَّهُ يُنْتِنُ الْفَمَ خُصُوصًا إذَا كَانَ الزَّوْجُ لَا يَشْرَبُهُ أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ. وَقَدْ أَفْتَى بِالْمَنْعِ مِنْ شُرْبِهِ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْمُسَيَّرَيْ وَغَيْرُهُ اهـ. وَلِلْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْأُجْهُورِيِّ الْمَالِكِيِّ رِسَالَةٌ فِي حِلِّهِ نَقَلَ فِيهَا أَنَّهُ أَفْتَى بِحِلِّهِ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ.

قُلْت: وَأَلَّفَ فِي حِلِّهِ أَيْضًا سَيِّدُنَا الْعَارِفُ عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيُّ رِسَالَةً سَمَّاهَا (الصُّلْحُ بَيْنَ الْإِخْوَانِ فِي إبَاحَةِ شُرْبِ الدُّخَانِ) وَتَعَرَّضَ لَهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ تَآلِيفِهِ الْحِسَانِ، وَأَقَامَ الطَّامَّةَ الْكُبْرَى عَلَى الْقَائِلِ بِالْحُرْمَةِ أَوْ بِالْكَرَاهَةِ فَإِنَّهُمَا حُكْمَانِ شَرْعِيَّانِ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ دَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ إسْكَارُهُ وَلَا تَفْتِيرُهُ وَلَا إضْرَارُهُ، بَلْ ثَبَتَ لَهُ مَنَافِعُ، فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَاعِدَةِ الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ وَأَنَّ فَرْضَ إضْرَارِهِ لِلْبَعْضِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَحْرِيمُهُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، فَإِنَّ الْعَسَلَ يَضُرُّ بِأَصْحَابِ الصَّفْرَاءِ الْغَالِبَةِ وَرُبَّمَا أَمْرَضَهُمْ مَعَ أَنَّهُ شِفَاءٌ بِالنَّصِّ الْقَطْعِيِّ، وَلَيْسَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِافْتِرَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِإِثْبَاتِ الْحُرْمَةِ أَوْ الْكَرَاهَةِ اللَّذَيْنِ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ دَلِيلٍ بَلْ فِي الْقَوْلِ بِالْإِبَاحَةِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ، وَقَدْ تَوَقَّفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَنَّهُ هُوَ الْمُشَرِّعُ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ أُمِّ الْخَبَائِثِ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ النَّصُّ الْقَطْعِيُّ، فَاَلَّذِي يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ إذَا سُئِلَ عَنْهُ سَوَاءً كَانَ مِمَّنْ يَتَعَاطَاهُ أَوْ لَا كَهَذَا الْعَبْدِ الضَّعِيفِ وَجَمِيعِ مَنْ فِي بَيْتِهِ أَنْ يَقُولَ هُوَ مُبَاحٌ، لَكِنَّ رَائِحَتَهُ تَسْتَكْرِهُهَا الطِّبَاعُ؛ فَهُوَ مَكْرُوهٌ طَبْعًا لَا شَرْعًا إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهَذَا الَّذِي يُعْطِيهِ كَلَامُ الشَّارِحِ هُنَا حَيْثُ أَعْقَبَ كَلَامَ شَيْخِنَا النَّجْمِ بِكَلَامِ الْأَشْبَاهِ وَبِكَلَامِ شَيْخِهِ الْعِمَادِيِّ وَإِنْ كَانَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى جَزَمَ بِالْحُرْمَةِ، لَكِنْ لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِوُرُودِ النَّهْيِ السُّلْطَانِيِّ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ مُفْتِرٌ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: فَتَرَ جِسْمُهُ فُتُورًا لَانَتْ مَفَاصِلُهُ وَضَعُفَ، وَالْفُتَارُ كَغُرَابٍ ابْتِدَاءُ النَّشْوَةِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>