وَهُوَ حَرَامٌ لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ» قَالَ: وَلَيْسَ مِنْ الْكَبَائِرِ تَنَاوُلُهُ الْمَرَّةَ وَالْمَرَّتَيْنِ، وَمَعَ نَهْيِ وَلِيِّ الْأَمْرِ عَنْهُ حَرُمَ قَطْعًا، عَلَى أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ رُبَّمَا أَضَرَّ بِالْبَدَنِ، نَعَمْ الْإِصْرَارُ عَلَيْهِ كَبِيرَةٌ كَسَائِرِ الصَّغَائِرِ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَفِي الْأَشْبَاهِ فِي قَاعِدَةِ: الْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ أَوْ التَّوَقُّفُ، وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِيمَا أَشْكَلَ حَالُهُ كَالْحَيَوَانِ الْمُشْكِلِ أَمْرُهُ وَالنَّبَاتِ الْمَجْهُولِ سَمْتُهُ اهـ.
قُلْت: فَيُفْهَمُ مِنْهُ حُكْمُ النَّبَاتِ الَّذِي شَاعَ فِي زَمَانِنَا الْمُسَمَّى بِالتُّتُن فَتَنَبَّهْ، وَقَدْ كَرِهَهُ شَيْخُنَا الْعِمَادِيُّ فِي هَدِيَّتِهِ
ــ
[رد المحتار]
وَأَفْتَرَ الشَّرَابُ فَتَرَ شَارِبُهُ (قَوْلُهُ وَهُوَ حَرَامٌ) مُخَالِفٌ لِمَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنَّهُمْ أَوْجَبُو عَلَى الزَّوْجِ كِفَايَتَهَا مِنْهُ اهـ أَبُو السُّعُودِ فَذَكَرُوا أَنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ حَجَرٍ ضَعِيفٌ، وَالْمَذْهَبُ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ إلَّا لِعَارِضٍ. وَذَكَرُوا أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا كَانَ لَهَا اعْتِيَادٌ وَلَا يَضُرُّهَا تَرْكُهُ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ التَّفَكُّهِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ تَتَضَرَّرُ بِتَرْكِهِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ التَّدَاوِي وَهُوَ لَا يَلْزَمُهُ ط (قَوْلُهُ وَمَعَ نَهْيِ وَلِيِّ الْأَمْرِ عَنْهُ إلَخْ) قَالَ سَيِّدِي الْعَارِفُ عَبْدُ الْغَنِيِّ: لَيْتَ شَعْرِي أَيُّ أَمْرٍ مِنْ أَمْرَيْهِ يُتَمَسَّكُ بِهِ، أَمْرُهُ النَّاسَ بِتَرْكِهِ أَمْ أَمْرُهُ بِإِعْطَاءِ الْمَكْسِ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ أَمْرٌ بِاسْتِعْمَالِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ فِي الْآيَةِ الْعُلَمَاءُ فِي أَصَحِّ الْأَقْوَالِ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي آخِرِ مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ شَرْحِ الْكَنْزِ. وَأَيْضًا هَلْ مَنْعُ السَّلَاطِينِ الظَّلَمَةِ الْمُصِرِّينَ عَلَى الْمُصَادَرَاتِ وَتَضْيِيعِ بُيُوتِ الْمَالِ وَإِقْرَارُهُمْ الْقُضَاةَ وَغَيْرَهُمْ عَلَى الرِّشْوَةِ وَالظُّلْمِ يُثْبِتُ حُكْمًا شَرْعِيًّا. وَقَدْ قَالُوا: مَنْ قَالَ لِسُلْطَانِ زَمَانِنَا عَادِلٌ كَفَرَ اهـ مُلَخَّصًا.
أَقُولُ: مُقْتَضَاهُ أَنَّ أُمَرَاءَ زَمَانِنَا لَا يُفِيدُ أَمْرُهُمْ الْوُجُوبَ، وَقَدْ صَرَّحُوا فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُتُونِ أَمَرَك قَاضٍ بِرَجْمٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ ضَرْبٍ قَضَى فِيهِ وُسْعَك فِعْلَهُ بِقَوْلِهِمْ لِوُجُوبِ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ. قَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ: وَمَنَعَهُ مُحَمَّدٌ حَتَّى يُعَايِنَ الْحُجَّةَ، وَاسْتَحْسَنُوهُ فِي زَمَانِنَا وَبِهِ يُفْتَى إلَخْ. وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ فِي أَوَاخِرِ شَرْحِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْإِمَامَةِ: أَنْ يَكُونَ عَدْلًا بَالِغًا أَمِينًا وَرِعًا، ذَكَرًا مَوْثُوقًا بِهِ فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ وَالْأَمْوَالِ، زَاهِدًا مُتَوَاضِعًا مُسَايِسًا فِي مَوْضِعِ السِّيَاسَةِ. ثُمَّ إذَا وَقَعَتْ الْبَيْعَةُ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مَعَ مَنْ صِفَتُهُ مَا ذُكِرَ صَارَ إمَامًا يُفْتَرَضُ إطَاعَتُهُ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ. وَفِي شَرْحِ الْجَوَاهِرِ: تَجِبُ إطَاعَتُهُ فِيمَا أَبَاحَهُ الشَّرْعُ، وَهُوَ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الْعَامَّةِ، وَقَدْ نَصُّوا فِي الْجِهَادِ عَلَى امْتِثَالِ أَمْرِهِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة. إذَا أَمَرَ الْأَمِيرُ الْعَسْكَرَ بِشَيْءٍ فَعَصَاهُ وَاحِدٌ لَا يُؤَدِّبُهُ فِي أَوَّلِ وَهْلَةٍ بَلْ يَنْصَحُهُ، فَإِنْ عَادَ بِلَا عُذْرٍ أَدَّبَهُ اهـ مُلَخَّصًا. وَأَخَذَ الْبِيرِيُّ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ بِصَوْمِ أَيَّامِ الطَّاعُونِ وَنَحْوِهِ يَجِبُ امْتِثَالُهُ.
أَقُولُ: وَظَاهِرُ عِبَارَةِ خِزَانَةِ الْفَتَاوَى لُزُومُ إطَاعَةِ مَنْ اسْتَوْفَى شُرُوطَ الْإِمَامَةِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ كَلَامَ الْعَارِفِ قُدِّسَ سِرُّهُ، لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لِرَفْعِ الْإِثْمِ لَا لِصِحَّةِ التَّوْلِيَةِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ رُبَّمَا أَضَرَّ بِالْبَدَنِ) الْوَاقِعُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِينَ ط (قَوْلُهُ الْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ أَوْ التَّوَقُّفُ) الْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ (قَوْلُهُ فَيُفْهَمُ مِنْهُ حُكْمُ النَّبَاتِ) وَهُوَ الْإِبَاحَةُ عَلَى الْمُخْتَارِ أَوْ التَّوَقُّفُ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ تَسْلِيمِ إسْكَارِهِ وَتَفْتِيرِهِ وَإِضْرَارِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ إدْخَالُهُ تَحْتَ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلِذَا أَمَرَ بِالتَّنَبُّهِ (قَوْلُهُ وَقَدْ كَرِهَهُ شَيْخُنَا الْعِمَادِيُّ فِي هَدِيَّتِهِ) أَقُولُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْعِمَادِيِّ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا وَيَفْسُقُ مُتَعَاطِيهِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي فَصْلِ الْجَمَاعَةِ. وَيُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمَعْرُوفِ بِأَكْلِ الرِّبَا أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ، أَوْ يُدَاوِمُ الْإِسْرَارَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَاتِ كَالدُّخَانِ الْمُبْتَدَعِ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ صُدُورِ مَنْعِ السُّلْطَانِ اهـ. وَرَدَّ عَلَيْهِ سَيِّدُنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي شَرْحِ الْهَدِيَّةِ بِمَا حَاصِلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ إلْحَاقًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute