وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ الْقُهُسْتَانِيِّ: إنَّ الْكَلْبَ نَجِسُ الْعَيْنِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَالْخِنْزِيرَ لَيْسَ بِنَجَسِ الْعَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا فِي التَّجْرِيدِ وَغَيْرِهِ فَتَأَمَّلْ (بِشَرْطِ عِلْمِهِمَا) عِلْمِ ذِي نَابٍ وَمِخْلَبٍ (وَذَا بِتَرْكِ الْأَكْلِ) أَمَّا الشُّرْبُ مِنْ دَمِ الصَّيْدِ فَلَا يَضُرُّ قُهُسْتَانِيٌّ وَيَأْتِي (ثَلَاثًا فِي الْكَلْبِ) وَنَحْوِهِ (وَبِالرُّجُوعِ
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ الْقُهُسْتَانِيِّ) حَيْثُ قَالَ: يَحِلُّ صَيْدُ كُلِّ ذِي نَابٍ، كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالْأَسَدِ وَابْنِ عُرْسٍ وَالدُّبِّ وَالْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهَا بِشَرْطِ الْعِلْمِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْخِنْزِيرُ لِكَوْنِهِ نَجِسَ الْعَيْنِ، وَالْأَسَدُ وَالدُّبُّ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْمَلَانِ لِلْغَيْرِ، وَقَدْ يُلْحَقُ الْحَدَأَةُ بِالدُّبِّ مُضْمَرَاتٌ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الشَّرْطُ قَبُولُ التَّعْلِيمِ. وَمَا قَالَ السِّغْنَاقِيُّ: إنَّ الْأَسَدَ وَالدُّبَّ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِمَا التَّعْلِيمُ، فَقَدْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ فِي الْبَيْعِ، وَالْخِنْزِيرُ عِنْدَ الْإِمَامِ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ عَلَى مَا فِي التَّجْرِيدِ وَغَيْرِهِ. عَلَى أَنَّ الْكَلْبَ نَجِسُ الْعَيْنِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَقَدْ حَلَّ صَيْدُهُ بِالِاتِّفَاقِ اهـ مُلَخَّصًا.
وَحَاصِلُهُ الْبَحْثُ فِي اسْتِثْنَاءِ الْخِنْزِيرِ وَالْأَسَدِ وَالدُّبِّ. وَفِي التَّعْلِيلِ: لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَبُولُ التَّعْلِيمِ فَيَحِلُّ بِكُلِّ مُعَلَّمٍ وَلَوْ خِنْزِيرًا، وَكَوْنُهُ نَجِسَ الْعَيْنِ لَا يَمْنَعُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْكَلْبَ كَذَلِكَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِعَدَمِ حِلِّ صَيْدِهِ. وَوَجْهُ الدَّفْعِ الَّذِي أَفَادَهُ الشَّارِحُ الْفَاضِلُ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْكَلْبِ وَإِنْ قِيلَ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ الْخِنْزِيرُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ دَفَعَ بِهِ الشَّارِحُ شَيْئَيْنِ:
الْأَوَّلُ مَا بَحَثَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ إلْحَاقِ الْكَلْبِ بِالْخِنْزِيرِ فِي عَدَمِ حِلِّ الصَّيْدِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِ الْكَلْبِ، وَالثَّانِي مَا بَحَثَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ مِنْ إلْحَاقِ الْخِنْزِيرِ بِالْكَلْبِ فِي حِلِّ الصَّيْدِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْكَلْبَ وَإِنْ قِيلَ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ، لَكِنْ لَمَّا وَرَدَ النَّصُّ فِيهِ بِخُصُوصِهِ وَجَبَ اتِّبَاعُهُ. وَوَجْهُ
الثَّانِي أَنَّ الْخِنْزِيرَ وَإِنْ دَخَلَ ظَاهِرًا فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى - {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: ٤]- لَكِنَّهُ مُسْتَثْنًى لِحُرْمَةِ الِانْتِفَاعِ بِنَجِسِ الْعَيْنِ، وَمَا وَرَدَ بِهِ نَصٌّ بِخُصُوصِهِ حَتَّى يُتَّبَعَ بَلْ أُمِرْنَا بِاجْتِنَابِهِ، فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الْكَلْبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَلِذَا جَزَمَ بِاسْتِثْنَائِهِ الْمُصَنِّفُ كَالْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَالْبَدَائِعِ وَالِاخْتِيَارِ، هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِ الشَّارِحِ الْفَاضِلِ وَقَدْ خَفِيَ عَلَى غَيْرِ وَاحِدٍ وَنَسَبَهُ بَعْضُهُمْ لِلْغَفْلَةِ وَهُوَ بَرِيءٌ عَنْهَا وَلِلَّهِ تَعَالَى دَرُّهُ نَعَمْ فَاتَهُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ الْقُهُسْتَانِيِّ: وَالْخِنْزِيرُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ، لَكِنْ تَرَكَهُ لِظُهُورِ أَنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ، وَالتَّعْلِيلُ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ عِلْمِهِمَا) بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الْمَارِّ، وقَوْله تَعَالَى - {مُكَلِّبِينَ} [المائدة: ٤]- أَيْ مُعَلِّمِينَ الِاصْطِيَادَ - {تُعَلِّمُونَهُنَّ} [المائدة: ٤]- تُؤَدِّبُوهُنَّ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ، وَالْمُنَاسِبُ الْإِتْيَانُ بِالْوَاوِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ بِشَرْطِ التَّعْلِيمِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُغْنٍ عَنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَذَا) أَيْ الْعِلْمُ وَالْبَاءُ فِي بِتَرْكِ لِلتَّصْوِيرِ ط (قَوْلُهُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثًا) أَيْ مُتَوَالِيَاتٍ قُهُسْتَانِيٌّ وَهَذَا عِنْدَ هُمَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ لِأَنَّ فِيمَا دُونَهُ مَزِيدُ الِاحْتِمَالِ، فَلَعَلَّهُ تَرَكَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ شِبَعًا، فَإِذَا تَرَكَهُ ثَلَاثًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ صَارَ عَادَةً، وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَنَقَلَ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَرْكِ الْأَكْلِ مَعَ الْجُوعِ لَا الشِّبَعِ فَتَأَمَّلْ وَعَمَّ أَكْلُهُ مِنْ الْجِلْدِ وَالْعَظْمِ وَالْجَنَاحِ وَالظُّفْرِ وَغَيْرِهَا كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ قُهُسْتَانِيٌّ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بُدَّ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الصَّائِدِ وَأَنَّهُ مُعَلَّمٌ وَلَا يُقَدِّرُ بِالثَّلَاثِ، وَمَشَى فِي الْكَنْزِ وَالنُّقَايَةِ وَالِاصْطِلَاحِ وَمُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ عَلَى اعْتِبَارِ التَّقْدِيرِ بِالثَّلَاثِ، وَظَاهِرُ الْمُلْتَقَى تَرْجِيحُ عَدَمِهِ. ثُمَّ عَلَى رِوَايَةِ التَّقْدِيرِ عَنْ الْإِمَامِ يَحِلُّ مَا اصْطَادَهُ ثَالِثًا، وَعِنْدَهُمَا فِي حِلِّ الثَّالِثِ رِوَايَتَانِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ: وَالْأَصَحُّ الْحِلُّ (قَوْلُهُ فِي الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ) أَيْ مِنْ كُلِّ ذِي نَابٍ، فَشَمِلَ نَحْوَ الْفَهْدِ وَالنَّمِرِ، وَقَوْلُهُ بِالرُّجُوعِ إذَا دَعَوْته فِي الْبَازِي وَنَحْوِهِ أَيْ مِنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: لِأَنَّ بَدَنَ الْبَازِي لَا يَحْتَمِلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute