وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَفِي مَتْنِي وَمَتْنِ الْوِقَايَةِ إشَارَةٌ إلَى حِلِّهِ، وَالظَّاهِرُ مَا سَمِعْته اهـ. قُلْت: وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ التَّذْكِيَةِ فِي مِثْلِ هَذَا لَا يُحِلُّ الْحَرَامَ.
(أَوْ أَرْسَلَ مَجُوسِيٌّ كَلْبًا فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ أَوْ قَتَلَهُ مِعْرَاضٌ بِعَرْضِهِ) وَهُوَ سَهْمٌ لَا رِيشَ لَهُ، سُمِّيَ بِهِ لِإِصَابَتِهِ بِعَرْضِهِ؛ وَلَوْ لِرَأْسِهِ حِدَّةٌ فَأَصَابَ بِحَدِّهِ حَلَّ (أَوْ بُنْدُقَةٍ ثَقِيلَةٍ ذَاتِ حِدَّةٍ) لِقَتْلِهَا بِالثِّقَلِ لَا بِالْحَدِّ، وَلَوْ كَانَتْ خَفِيفَةً بِهَا حِدَّةٌ حَلَّ؛ لِقَتْلِهَا بِالْجُرْحِ، وَلَوْ لَمْ
ــ
[رد المحتار]
الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا قُهُسْتَانِيٌّ، وَالتَّفْصِيلُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَاَلَّذِي فِي التَّبْيِينِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ فَصَّلَ، فَقَالَ: إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الذَّبْحِ لِفَقْدِ الْآلَةِ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لِضِيقِ الْوَقْتِ أُكِلَ لِعَدَمِ التَّقْصِيرِ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِنْ كَانَ عَدَمُ التَّمَكُّنِ بِضِيقِ الْوَقْتِ، بِأَنْ بَقِيَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ مِقْدَارُ مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الذَّبْحُ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ عِنْدَنَا. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: يَحِلُّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ. وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي الْيَنَابِيعِ: وَرُوِيَ عَنْ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ يُؤْكَلُ اسْتِحْسَانًا، وَقِيلَ بِأَنَّ هَذَا أَصَحُّ اهـ.
فَإِنْ قِيلَ: وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا حَيَاتُهُ فَوْقَ الْمَذْبُوحِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ ضِيقُ الْوَقْتِ عَنْ الذَّبْحِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمِقْدَارَ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ كَالْعَدَمِ لِكَوْنِ الصَّيْدِ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ، وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ قَدْ لَا يَسَعُ لِلذَّبْحِ فِيهِ فَكَانَ عَدَمُ التَّمَكُّنِ مُتَصَوَّرًا عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ إشَارَةً إلَى حِلِّهِ) حَيْثُ قَيَّدَ بِالْعَمْدِ (قَوْلُهُ أَنَّ الْعَجْزَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمِنَحِ لِأَنَّ الْعَجْزَ فِي مِثْلِ هَذَا لَا يُحِلُّ الْحَرَامَ اهـ. وَاحْتَرَزَ عَنْ الْعَجْزِ عَنْ تَحْصِيلِ الْمَاءِ وَالْأَكْلِ فَإِنَّهُ يُبِيحُ لَهُ تَنَاوُلَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ، وَهَذَا لَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ بِسَبَبِ قَوْلِهِ عَنْ التَّذْكِيَةِ أَفَادَهُ ط. [تَنْبِيهٌ]
رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ عِنْدَ مَجُوسِيٍّ أَوْ نَائِمٍ لَوْ كَانَ مُسْتَيْقِظًا يَقْدِرُ عَلَى ذَكَاتِهِ فَمَاتَ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْمَجُوسِيَّ قَادِرٌ عَلَى ذَبْحِهِ بِتَقْدِيمِ الْإِسْلَامِ وَالنَّائِمِ كَالْمُسْتَيْقِظِ فِي جُمْلَةِ مَسَائِلَ عِنْدَ الْإِمَامِ مِنْهَا هَذِهِ خَانِيَّةٌ مُلَخَّصًا
(قَوْلُهُ وَأَرْسَلَ إلَخْ) هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ تَرَكَهَا وَالْأَصْلُ أَنَّ الْفِعْلَ يُرْفَعُ بِالْأَقْوَى وَالْمُسَاوِي دُونَ الْأَدْنَى؛ فَإِذَا أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ كَلْبَهُ فَزَجَرَهُ الْمَجُوسِيُّ حَلَّ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الزَّجْرِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ لِكَوْنِ الزَّجْرِ دُونَهُ لِبِنَائِهِ عَلَيْهِ وَبِالْعَكْسِ حَرُمَ، وَكُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ ذَكَاتُهُ كَالْمُرْتَدِّ وَالْمُحْرِمِ وَتَارِكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَجُوسِيِّ، وَإِنْ انْفَلَتَ وَلَمْ يُرْسِلْهُ أَحَدٌ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ حَلَّ لِأَنَّهُ مِثْلُ الِانْفِلَاتِ، وَالْمُرَادُ بِالزَّجْرِ الْإِغْرَاءُ بِالصِّيَاحِ عَلَيْهِ وَبِالِانْزِجَارِ إظْهَارُ زِيَادَةِ الطَّلَبِ وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَهَذَا إذَا زَجَرَهُ الْمَجُوسِيُّ فِي ذَهَابِهِ، فَلَوْ وَقَفَ ثُمَّ زَجَرَهُ لَمْ يُؤْكَلْ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ سَهْمُ إلَخْ) فِي الْقَامُوسِ: مِعْرَاضٌ كَمِحْرَابٍ سَهْمٌ بِلَا رِيشٍ، دَقِيقُ الطَّرَفَيْنِ، غَلِيظُ الْوَسَطِ يُصِيبُ بِعَرْضِهِ دُونَ حَدِّهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ لِرَأْسِهِ حِدَّةٌ) مُحْتَرَزُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِعَرْضِهِ (قَوْلُهُ فَأَصَابَ بِحَدِّهِ) أَيْ وَجَرَحَ (قَوْلُهُ أَوْ بُنْدُقَةٍ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَالدَّالِ: طِينَةٌ مُدَوَّرَةٌ يُرْمَى بِهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ خَفِيفَةً) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الثَّقِيلَةَ لَا تَحِلُّ وَإِنْ جَرَحَتْ. قَالَ قَاضِي خَانْ: لَا يَحِلُّ صَيْدُ الْبُنْدُقَةِ وَالْحَجَرِ وَالْمِعْرَاضِ وَالْعَصَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِنْ جَرَحَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرِقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَدْ حَدَّدَهُ وَطُولُهُ كَالسَّهْمِ وَأَمْكَنَ أَنْ يَرْمِيَ بِهِ؛ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ وَخَرَقَهُ بِحَدِّهِ حَلَّ أَكْلُهُ، فَأَمَّا الْجُرْحُ الَّذِي يُدَقُّ فِي الْبَاطِنِ وَلَا يَخْرِقُ فِي الظَّاهِرِ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ إنْهَارُ الدَّمِ؛ وَمُثَقَّلُ الْحَدِيدِ وَغَيْرِ الْحَدِيدِ سَوَاءٌ، إنْ خَزَقَ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا اهـ.
وَالْخَزْقُ بِالْخَاءِ وَالزَّايِ الْمُعْجَمَتَيْنِ: النَّفَاذُ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَالسِّينُ لُغَةٌ وَالرَّاءُ خَطَأٌ: وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: بِالزَّايِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْحَيَوَانِ؛ وَبِالرَّاءِ فِي الثَّوْبِ. وَفِي التَّبْيِينِ: وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَوْتَ إذَا حَصَلَ بِالْجُرْحِ بِيَقِينٍ حَلَّ؛ وَإِنْ بِالثِّقَلِ أَوْشَكَ فِيهِ فَلَا يَحِلُّ حَتْمًا أَوْ احْتِيَاطًا اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجُرْحَ بِالرَّصَاصِ إنَّمَا هُوَ بِالْإِحْرَاقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute