للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَمَنْ جَرَحَ رَجُلًا عَمْدًا فَصَارَ ذَا فِرَاشٍ وَمَاتَ يُقْتَصُّ) إلَّا إذَا وُجِدَ مَا يَقْطَعُهُ كَحَزِّ الرَّقَبَةِ وَالْبُرْءِ مِنْهُ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ عَفَا الْمَجْرُوحُ أَوْ الْأَوْلِيَاءُ قَبْلَ مَوْتِهِ صَحَّ اسْتِحْسَانًا

(وَإِنْ مَاتَ) شَخْصٌ (بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَزَيْدٍ وَأَسَدٍ وَحَيَّةٍ ضَمِنَ زَيْدٌ ثُلُثَ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ إنْ) كَانَ الْقَتْلُ (عَمْدًا وَإِلَّا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ) ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْأَسَدِ وَالْحَيَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ هَدَرٌ فِي الدَّارَيْنِ وَفِعْلُ زَيْدٍ مُعْتَبَرٌ فِي الدَّارَيْنِ وَفِعْلُ نَفْسِهِ هَدَرٌ فِي الدُّنْيَا لَا الْعُقْبَى حَتَّى يَأْثَم بِالْإِجْمَاعِ فَصَارَتْ ثَلَاثَةَ أَجْنَاسٍ وَمُفَادُهُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْمَقْتُولِ التَّكْلِيفُ لِيَصِيرَ فِعْلُهُ جِنْسًا آخَرَ غَيْرَ جِنْسِ فِعْلِ الْأَسَدِ وَالْحَيَّةِ وَأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ لَوْ تَعَدَّدَ قَاتِلُهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ كُلِّ جِنْسٍ وَاحِدٌ ابْنُ كَمَالٍ.

(وَيَجِبُ قَتْلُ مَنْ شَهَرَ سَيْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ) يَعْنِي فِي الْحَالِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْكَمَالِ حَيْثُ غَيَّرَ عِبَارَةَ الْوِقَايَةِ فَقَالَ: وَيَجِبُ دَفْعُ مَنْ شَهَرَ سَيْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ بِقَتْلِهِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُ ضَرَرِهِ إلَّا بِهِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ: أَيْ

ــ

[رد المحتار]

طَوِيلًا، بِخِلَافِ مَنْ شُقَّ بَطْنُهُ وَأُخْرِجَ أَمْعَاؤُهُ فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ مَوْتُهُ، لَكِنْ إذَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ مَا يَعِيشُ مَعَهَا يَوْمًا فَإِنَّهَا حَيَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا كَمَا مَرَّ فِي الذَّبَائِحِ فَلِذَا كَانَ الْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي، وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَضْطَرِبُ اضْطِرَابَ الْمَوْتِ مِنْ الشَّقِّ فَالْحَيَاةُ فِيهِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ أَصْلًا فَهُوَ مَيِّتٌ حُكْمًا فَلِذَا كَانَ الْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ إلَّا إذَا وَجَدَ مَا يَقْطَعُهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ لِمَوْتِهِ فَيُحَالُ الْمَوْتُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْطَعُهُ كَحَزِّ الرَّقَبَةِ وَالْبُرْءِ مِنْهُ اهـ وَالْحَزُّ بِالْمُهْمَلَةِ فَالْمُعْجَمَةُ: الْقَطْعُ، وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ لِلْجُرْحِ (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا إلَخْ) أَيْ فِي هَذَا الْفَصْلِ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى قَاطِعٍ آخَرَ

(قَوْلُهُ ضَمِنَ زَيْدٌ ثُلُثَ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ الْعَمْدَ وَإِنَّمَا لَمْ يُقْتَصَّ لِمَا مَرَّ، وَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى شَرِيكٍ مِنْ قِصَاصٍ بِقَتْلِهِ لِعَدَمِ تَجَزُّئِهِ (قَوْلُهُ فَصَارَتْ ثَلَاثَةَ أَجْنَاسٍ) فَكَأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَتْ بِثَلَاثَةِ أَفْعَالٍ، فَالتَّالِفُ بِفِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ لِيَكُونَ فِعْلُهُ إلَخْ) إذْ لَوْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ لَهُدِرَ فِي الدَّارَيْنِ كَفِعْلِ الْأَسَدِ فَيَكُونُ عَلَى زَيْدٍ نِصْفُ الدِّيَةِ (قَوْلُهُ وَأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ لَوْ تَعَدَّدَ قَاتِلُهُ) بِأَنْ كَانَ مَعَ زَيْدٍ غَيْرُهُ فَيَشْتَرِكُ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي الثُّلُثِ.

وَأَقُولُ: ذُكِرَ فِي مُتَفَرِّقَاتِ التَّتَارْخَانِيَّة، لَوْ جَرَحَهُ رَجُلٌ جِرَاحَةً وَجَرَحَهُ آخَرُ جِرَاحَةً ثُمَّ انْضَمَّ إلَيْهِ مَا هُوَ هَدَرٌ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ الدِّيَةِ وَثُلُثُهَا هَدَرٌ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ قُبَيْلَ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ. وَفِي تَكْمِلَةِ الطُّورِيِّ: وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ وَجَرَحَهُ آخَرُ وَجَرَحَ هُوَ أَيْضًا نَفْسَهُ وَافْتَرَسَهُ سَبُعٌ ضَمِنَ الْقَاطِعُ رُبُعَ الدِّيَةِ وَالْجَارِحُ رُبُعَهَا؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَتْ بِجِنَايَاتٍ أَرْبَعَةٍ ثِنْتَانِ مِنْهَا مُعْتَبَرَتَانِ اهـ وَمِثْلُهُ يَأْتِي مَتْنًا آخِرَ بَابِ مَا يُحْدِثُهُ فِي الطَّرِيقِ: لَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْبَعَةً لِحَفْرِ بِئْرٍ فَوَقَعَتْ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ سَقَطَ الرُّبُعُ وَوَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ الرُّبُعُ فَظَهَرَ أَنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ فَتَنَبَّهْ. أَقُولُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا فِيمَنْ جَرَحَ صَبِيًّا بِسِكِّينٍ فِي بَطْنِهِ فَظَهَرَ بَعْضُ أَمْعَائِهِ جِيءَ لَهُ بِمَنْ يَخِيطُ الْجُرْحَ وَيَرُدُّ الْأَمْعَاءَ فَلَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ إلَّا بِتَوْسِيعِ الْجُرْحِ فَأَذِنَ لَهُ أَبُو الصَّبِيِّ بِذَلك فَفَعَلَ ثُمَّ مَاتَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى الْجَارِحِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْآخَرَ مَأْذُونٌ بِهِ فَكَانَ هَدْرًا كَمَا سَيَأْتِي

(قَوْلُهُ وَيَجِبُ قَتْلُ مَنْ شَهَرَ سَيْفًا) شَهَرَ سَيْفَهُ كَمَنَعَ وَشَهَرَهُ: انْتَضَاهُ فَرَفَعَهُ عَلَى النَّاسِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ) تَنَازَعَهُ كُلٌّ مِنْ يَجِبُ وَشَهَرَ. وَعِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا قَالَ حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْتُلُوهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ اهـ وَذَكَرَ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الشَّيْخِ عَبْدِ الْحَيِّ بَحْثًا أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ كَالْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ يَعْنِي فِي الْحَالِ) أَيْ فِي حَالِ شَهْرِهِ السَّيْفَ عَلَيْهِمْ قَاصِدًا ضَرْبَهُمْ لَا بَعْدَ انْصِرَافِهِ عَنْهُمْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْكَمَالِ) أَيْ عَلَى كَوْنِهِ حَالًا، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أُخِذَ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ مِنْ قَوْلِهِ دَفَعَ فَإِنَّ الدَّفْعَ لَا بُطْءَ فِيهِ ط (قَوْلُهُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ) لَيْسَ هَذَا فِي عِبَارَةِ ابْنِ الْكَمَالِ. وَعِبَارَةُ الْكِفَايَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>