قُلْت: وَقَدْ قَدَّمَ هُوَ وَغَيْرُهُ الْقِيَاسَ هُنَا وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُهُ سِيَّمَا عَلَى دَأْبِ صَاحِبِ الْمُلْتَقَى مِنْ تَقْدِيمِهِ الْأَقْوَى فَتَأَمَّلْ
(وَمَنْ حَفَرَ بَالُوعَةً فِي طَرِيقٍ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ أَوْ فِي مِلْكِهِ أَوْ وَضَعَ خَشَبَةً فِيهَا) أَيْ الطَّرِيقِ (أَوْ قَنْطَرَةً بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ) وَكَذَا كُلُّ مَا فُعِلَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ (فَتَعَمَّدَ رَجُلٌ الْمُرُورَ عَلَيْهَا لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلْمُبَاشِرِ أَوْلَى مِنْ الْمُتَسَبِّبِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُتَسَبِّبَ إنَّمَا يَضْمَنُ فِي حَفْرِ الْبِئْرِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ الْوَاقِعُ الْمُرُورَ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى.
وَفِيهِ حَفَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْفَيَافِي لَمْ يَضْمَنْ بِخِلَافِ الْأَمْصَارِ.
قُلْت: وَبِهَذَا عُرِفَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّرِيقِ فِي الْكُتُبِ الطَّرِيقُ فِي الْأَمْصَارِ دُونَ الْفَيَافِي وَالصَّحَارِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْعُدُولُ عَنْهُ فِي الْأَمْصَارِ غَالِبًا دُونَ الصَّحَارِي (وَلَوْ اسْتَأْجَرَ) رَجُلٌ (أَرْبَعَةً لِحَفْرِ بِئْرٍ لَهُ فَوَقَعَتْ الْبِئْرُ عَلَيْهِمْ) جَمِيعًا (مِنْ حَفْرِهِمْ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ رُبُعُ الدِّيَةِ وَيَسْقُطُ رُبُعُهَا) لِأَنَّ الْبِئْرَ وَقَعَ عَلَيْهِمْ بِفِعْلِهِمْ فَقَدْ مَاتَ مِنْ جِنَايَتِهِ وَجِنَايَةِ أَصْحَابِهِ فَيَسْقُطُ مَا قَابَلَ فِعْلَهُ خَانِيَّةٌ وَغَيْرُهَا.
زَادَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَهَذَا لَوْ الْبِئْرُ فِي الطَّرِيقِ فَلَوْ فِي مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ لِأَنَّ الْفِعْلَ مُبَاحٌ فَمَا يَحْدُثُ غَيْرُ مَضْمُونٍ اهـ.
ــ
[رد المحتار]
كَذَا وَقَعَ لَهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى وَالْفِعْلُ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: غَرَّهُ خَدَعَهُ اهـ ط (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ) أَيْ التَّقْدِيمُ الْمَأْخُوذُ مَنْ قَدَّمَ تَرْجِيحَهُ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ، وَهَذَا وَإِنْ ظَهَرَ فِي عِبَارَةِ الْمُلْتَقَى لَا يَظْهَرُ فِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ خُصُوصًا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَإِنَّهُمَا يُؤَخِّرَانِ دَلِيلَ الْمُعْتَمَدِ، وَقَدْ أَخَّرَ الِاسْتِحْسَانَ مَعَ دَلِيلِهِ أَفَادَهُ ط
(قَوْلُهُ أَوْ فِي مِلْكِهِ) وَكَذَا إذَا حَفَرَ فِي فِنَاءٍ لَهُ فِيهِ حَقُّ التَّصَرُّفِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَامَّةِ وَلَا مُشْتَرَكًا لِأَهْلِ سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ مُلْتَقًى (قَوْلُهُ وَكَذَا كُلُّ مَا فُعِلَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ) أَيْ مِنْ إخْرَاجِ الْكَنِيفِ وَالْمِيزَابِ وَالْجُرْصُنِ، وَبِنَاءِ الدُّكَّانِ وَإِشْرَاعِ الرَّوْشَنِ، وَحَفْرِ الْبِئْرِ وَبِنَاءِ الظُّلَّةِ وَغَرْسِ الشَّجَرِ وَرَمْيِ الثَّلْجِ، وَالْجُلُوسِ لِلْبَيْعِ إنْ فَعَلَهُ بِأَمْرِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْأَمْرِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِلَّا ضَمِنَ أَفَادَهُ فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ فَتَعَمَّدَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ وَضَعَ خَشَبَةً إلَخْ قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَيَتَعَيَّنُ حَذْفُهُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مُنْتَفٍ بِالتَّعَمُّدِ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ كَانَ الْوَضْعُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ اهـ لَكِنَّهُ يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى عَلَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي قَوْلِهِ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ، أَمَّا قَوْلُهُ فَتَعَمَّدَ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ الْمَعْنَى بِحَذْفِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ، وَعِلَّةُ الْأُولَيَيْنِ عَدَمُ التَّعَدِّي فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ مِنْ الْفَيَافِي) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْفَيْفُ الْمَكَانُ الْمُسْتَوِي أَوْ الْمَفَازَةُ لَا مَاءَ فِيهَا كَالْفَيْفَاةِ وَالْفَيْفَاءِ وَيُقْصَرُ جَمْعُهُ أَفْيَافٌ وَفُيُوفٌ وَفَيَافٍ اهـ.
(قَوْلُ لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الِارْتِفَاقَ بِهَذَا الْمَوْضِعِ نُزُولًا وَرَبْطًا لِلدَّابَّةِ وَضَرْبًا لِلْفُسْطَاطِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ السَّلَامَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُرُورِ عَلَى النَّاسِ، فَكَانَ لَهُ حَقُّ الِارْتِفَاقِ مِنْ حَيْثُ الْحَفْرُ لِلطَّبْخِ أَوْ الِاسْتِقَاءِ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) مِنْ كَلَامِ الْمُجْتَبَى، وَقَدْ نُقِلَ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ بَعْضِ الْكُتُبِ تَقْيِيدُ الْحَفْرِ فِي الْفَيَافِي بِمَا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ مَمَرِّ النَّاسِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ كِتَابٍ آخَرَ، بِدُونِ هَذَا الْقَيْدِ ثُمَّ قَالَ: قُلْت وَبِهَذَا عُرِفَ إلَخْ فَالْإِشَارَةُ إلَى مَا نَقَلَهُ ثَانِيًا، وَهُوَ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ يَضْمَنُ لَوْ حَفَرَ فِي مَحَجَّةِ الطَّرِيقِ بِحَيْثُ يَمُرُّ النَّاسُ وَالدَّوَابُّ عَلَيْهَا لَا إنْ حَفَرَ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً بِحَيْثُ لَا يَمُرُّ عَلَيْهَا، وَهُوَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، عَنْ الْمُحِيطِ وَعَلَى الثَّانِي: لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا لِإِمْكَانِ الْعُدُولِ مِنْ الْمَارِّ عَنْ مَكَانِ الْحَفْرِ قَالَ ط: وَلَكِنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِي نَحْوِ الظُّلْمَةِ وَالْبَهَائِمِ الْمَارَّةِ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (قَوْلُهُ مِنْ حَفْرِهِمْ) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانُوا أَعْوَانًا لَهُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْحَافِرُ وَاحِدًا فَانْهَارَتْ عَلَيْهِ مِنْ حَفْرِهِ فَدَمُهُ هَدَرٌ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ خَانِيَّةٌ) عِبَارَتُهَا؛ لِأَنَّ الْبِئْرَ وَقَعَ بِفِعْلِهِمْ، وَكَانُوا مُبَاشِرِينَ وَالْمَيِّتُ مُبَاشِرٌ أَيْضًا إلَخْ (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت التَّصْرِيحَ بِأَنَّ ذَلِكَ قَتْلٌ مُبَاشَرَةً، فَيَسْتَوِي فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute