(وَإِنْ الْتَقَى قَوْمٌ بِالسُّيُوفِ فَأَجْلَوْا) أَيْ تَفَرَّقُوا (عَنْ قَتِيلٍ فَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ) لِأَنَّ حِفْظَهُمَا عَلَيْهِمْ (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْوَلِيُّ عَلَى أُولَئِكَ أَوْ) يَدَّعِي (عَلَى) بَعْضٍ (مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ) فَلَمْ يَكُنْ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ شَيْءٌ وَلَا عَلَى أُولَئِكَ حَتَّى يُبَرْهِنَ، لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لَا يَثْبُتُ الْحَقُّ وَبَرِئَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ (وَمُسْتَحْلَفٌ) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ.
(قَالَ قَتَلَهُ زَيْدٌ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا عَرَفْت لَهُ قَاتِلًا غَيْرَ زَيْدٍ) وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَتَلَهُ
(وَبَطَلَ شَهَادَةُ بَعْضِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِقَتْلِ غَيْرِهِمْ) خِلَافًا لَهُمَا (أَوْ) بِقَتْلِ (وَاحِدٍ مِنْهُمْ) بِعَيْنِهِ لِلتُّهْمَةِ
(وَمَنْ جُرِحَ فِي حَيٍّ فَنُقِلَ) مِنْهُ (فَبَقِيَ ذَا فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَالدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى) ذَلِكَ (الْحَيِّ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَلَوْ مَعَهُ جَرِيحٌ بِهِ رَمَقٌ فَحَمَلَهُ آخَرُ لِأَهْلِهِ فَمَكَثَ مُدَّةً فَمَاتَ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ
ــ
[رد المحتار]
كَمَا مَرَّ
(قَوْلُهُ وَإِنْ الْتَقَى قَوْمٌ بِالسُّيُوفِ إلَخْ) هَذَا إذَا اقْتَتَلُوا عَصَبِيَّةً؛ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ فِيهِ كَمَا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ مَعَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ عَلَى أُولَئِكَ) أَيْ الْقَوْمِ وَكَانَ التَّعْبِيرُ بِهِ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى أَظْهَرَ (قَوْلُهُ مِنْهُمْ) أَيْ الْقَوْمِ (قَوْلُهُ حَتَّى يُبَرْهِنَ) أَيْ بِإِقَامَةِ شَاهِدَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَا مِنْهُمْ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَلَا عَلَى أُولَئِكَ (قَوْلُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ) لِأَنَّ دَعْوَاهُ تَضَمَّنَتْ بَرَاءَةَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ
(قَوْلُهُ حَلَفَ بِاَللَّهِ إلَخْ) يَعْنِي لَا يَسْقُطُ الْيَمِينُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ قَتَلَهُ فُلَانٌ، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ اسْتَثْنَى عَنْ يَمِينِهِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ شَرِيكَهُ فِي الْقَتْلِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ شَرِيكًا مَعَهُ وَفَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَحْلِفُ عَلَى أَنَّهُ مَا قَتَلَهُ وَلَا عَرَفَ لَهُ قَاتِلًا غَيْرَ فُلَانٍ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُقْبَلُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَتْ فَائِدَةُ الِاسْتِثْنَاءِ قَبُولَ قَوْلِهِ عَلَى زَيْدٍ
(قَوْلُهُ وَبَطَلَ إلَخْ) أَيْ إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، وَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُ، وَقَالَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا بِعُرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرُوا خُصَمَاءَ، وَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ بِدَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِهِمْ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ إذَا عُزِلَ قَبْلَهَا وَلَهُ أَنَّهُمْ جُعِلُوا خُصَمَاءَ تَقْدِيرًا لِإِنْزَالِهِمْ قَاتِلِينَ لِلتَّقْصِيرِ الصَّادِرِ مِنْهُمْ، وَإِنْ خَرَجُوا مِنْ جُمْلَةِ الْخُصُومِ، فَلَا تُقْبَلُ كَالْوَصِيِّ إذَا خَرَجَ مِنْ الْوَصَايَا بِبُلُوغِ الْغُلَامِ أَوْ بِالْعَزْلِ، وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا وَأَمَّا لَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ، وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْمُلْتَقَى لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَائِمَةٌ مَعَ الْكُلِّ، لِأَنَّ الْقَسَامَةَ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُمْ قَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُعْمَلُ بِهَا.
[تَنْبِيهٌ] نَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ قَالَ: تَوَقَّفْت عَنْ الْفَتْوَى بِقَوْلِ الْإِمَامِ، وَمَنَعْت مِنْ إشَاعَتِهِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ الْعَامِّ، فَإِنَّ مَنْ عَرَفَهُ مِنْ الْمُتَمَرِّدِينَ يَتَجَاسَرُ عَلَى قَتْلِ الْأَنْفُسِ فِي الْمَحَلَّاتِ الْخَالِيَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا مُعْتَمِدًا عَلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ عَلَيْهِ حَتَّى قُلْت: يَنْبَغِي الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لَا سِيَّمَا وَالْأَحْكَامُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَيَّامِ وَقَدْ خُيِّرَ الْمُفْتِي إذَا كَانَ الصَّاحِبَانِ مُتَّفِقَيْنِ وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الرَّحْمَتِيِّ، وَنَقَلَهُ السَّائِحَانِيُّ
أَقُولُ: لَكِنْ فِي تَصْحِيحِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ أَنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُ الْإِمَامِ، عَلَى أَنَّ الضَّرَرَ الْمَذْكُورَ مَوْجُودٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا، وَقَدْ عَلِمْت الِاتِّفَاقَ فِيهَا إلَّا فِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ نَعَمْ الْقَلْبُ يَمِيلُ إلَى مَا ذَكَرَ، وَلَكِنْ اتِّبَاعُ النَّقْلِ أَسْلَمُ
(قَوْلُهُ مِنْ جُرِحَ فِي حَيٍّ) يَعْنِي وَلَمْ يُعْلَمْ الْجَارِحُ، وَإِلَّا فَلَا قَسَامَةَ بَلْ فِيهِ الْقِصَاصُ عَلَى الْجَارِحِ أَوْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ فَبَقِيَ ذَا فِرَاشٍ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ صَارَ ذَا فِرَاشٍ حِينَ جُرِحَ، فَلَوْ كَانَ صَحِيحًا بِحَيْثُ يَجِيءُ، وَيَذْهَبُ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ فَالدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى ذَلِكَ الْحَيِّ) لِأَنَّ الْجُرْحَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ صَارَ قَتْلًا، وَلِهَذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) أَيْ قَالَ لَا ضَمَانَ وَلَا قَسَامَةَ، لِأَنَّ مَا حَصَلَ فِي ذَلِكَ الْحَيِّ مَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا قَسَامَةَ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَا فِرَاشٍ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ مَعَهُ) أَيْ مَعَ رَجُلٍ (قَوْلُهُ بِهِ رَمَقٌ) وَهُوَ بَقِيَّةُ الرُّوحِ أَتْقَانِيٌّ فَلَوْ كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فَلَا شَيْءَ فِيهِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ فَحَمَلَهُ آخَرُ)