وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ» بَلْ الْجَانِي " (إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِي إقْرَارِهِ أَوْ تَقُومَ حُجَّةٌ) وَإِنَّمَا قُبِلَتْ بِالْبَيِّنَةِ هُنَا مَعَ الْإِقْرَارِ مَعَ أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ مَعَهُ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ الْوُجُوبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ
(وَلَوْ تَصَادَفَ الْقَاتِلُ وَأَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ عَلَى أَنَّ قَاضِي بَلَدِ كَذَا قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِالْبَيِّنَةِ وَكَذَّبَهُمَا الْعَاقِلَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إلَّا حِصَّتُهُ لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا زَيْلَعِيٌّ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَصْمَ فِي ذَلِكَ هُوَ الْجَانِي؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا فَالْخَصْمُ أَبُوهُ خَانِيَةٌ.
قُلْت: يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ الْخَصْمُ هُوَ الْجَانِي لَا الْعَاقِلَةُ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى: وَهِيَ أَنَّ صَبِيًّا فَقَأَ عَيْنَ صَبِيَّةٍ فَمَاتَتْ فَأَرَادَ وَلِيُّهَا تَحْلِيفَ الْعَاقِلَةِ عَلَى نَفْيِ الصَّبِيِّ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ لِأَنَّ ذَلِكَ فَرْعُ الدَّعْوَى وَهِيَ غَيْرُ مُتَوَجِّهَةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَبَقِيَ هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ الْعَاقِلَةَ، لَوْ أَقَرُّوا بِفِعْلِ الْجَانِي هَلْ يَصِحُّ إقْرَارُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ حَتَّى
ــ
[رد المحتار]
وَأَقْوَى دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي مُوَطَّئِهِ بِقَوْلِهِ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ؛ عَنْ ابْن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا مَا جَنَى الْمَمْلُوكُ اهـ فَقَدْ جُعِلَ الْجَانِي مَمْلُوكًا (قَوْلُهُ بَلْ الْجَانِي) لَيْسَ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَعْقِلُ عَاقِلَةٌ جِنَايَةَ عَبْدٍ إلَخْ أَيْ بَلْ يَتَحَمَّلُ ذَلِكَ الْجَانِي وَحْدَهُ: أَيْ وَلَوْ حُكْمًا كَمَوْلَى الْعَبْدِ كَمَا أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ، أَوْ هُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَا مَا لَزِمَ بِصُلْحٍ أَوْ اعْتِرَافٍ وَأَتَى بِهِ لِيَرْبِطَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ أَوْ تَقُومُ حُجَّةٌ) هَذَا إذَا أَقَامَهَا قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ بِهَا الْقَاضِي أَيْ بِالدِّيَةِ عَلَى الْمُقِرِّ، أَمَّا لَوْ قَضَى بِهَا فِي مَالِهِ ثُمَّ أَقَامَهَا لِيُحَوِّلَهَا إلَى الْعَاقِلَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَالَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ قَضَاءَهُ بِبَيِّنَتِهِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ اهـ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) مُتَعَلِّقٌ بِثَابِتٍ وَضَمِيرٍ وَهُوَ عَائِدٌ عَلَى مَا
(قَوْلُهُ وَلَا عَلَيْهِ فِي مَالِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَالضَّمِيرُ لِلْقَاتِلِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا) عِلَّةٌ لِلُزُومِ الْقَاتِلِ حِصَّةً فَقَطْ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْ جَمِيعُ الدِّيَةِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ التَّصْدِيقُ مِنْ الْوَلِيِّ بِالْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْأُولَى وَقَدْ وُجِدَ هُنَا فَافْتَرَقَا أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ) أَيْ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ لَا الْعَاقِلَةِ) هَذَا لَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ، لَكِنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مَفْهُومِ الْحَصْرِ فِي قَوْلِهِ هُوَ الْجَانِي (قَوْلُهُ وَهِيَ غَيْرُ مُتَوَجِّهٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ) بَلْ عَلَى أَبِيهِ إنْ كَانَ لَهُ أَبٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ بِتِلْكَ الدَّعْوَى ط (قَوْلُهُ وَبَقِيَ هُنَا شَيْءٌ إلَخْ) تَخْرِيجٌ لِلْجَوَابِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُحَصِّلُهُ: أَنَّا إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ إقْرَارِهِمْ، يَلْزَمُ جَرَيَانُ الْحَلِفِ، لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ، فَإِذَا أَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ صُورَةً تَقَدَّمَتْ آخِرَ الْوَقْفِ، لَيْسَتْ مِنْهَا، لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْخَصْمَ هُوَ الْجَانِي كَمَا مَرَّ، وَلَا يُسْتَحْلَفُ مَنْ لَيْسَ بِخَصْمٍ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَصِحَّ إقْرَارُهُمْ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَلْزَمُهُمْ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ عَنْ الْقَاتِلِ فَإِقْرَارُهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ إقْرَارٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يَصْلُحْ إقْرَارُهُمْ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُمْ مُوجَبُهُ، إذْ لَا يُمْكِنُ تَحَمُّلُ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ، بِخِلَافِ إذَا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ وَصَدَّقُوهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُمْ كَمَا مَرَّ، لِأَنَّ تَصْدِيقَهُمْ أَلْزَمَهُمْ تَحَمُّلَ مَا هُوَ ثَابِتٌ بِإِقْرَارِهِ هَذَا.
وَاَلَّذِي حَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ: لُزُومُ التَّحْلِيفِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كَفَلْت بِمَا لَك عَلَى زَيْدٍ وَأَقَرَّ الْكَفِيلُ بِأَنَّ لَهُ عَلَى زَيْدٍ كَذَا وَأَنْكَرَهُ زَيْدٌ، وَلَا بَيِّنَةَ لَزِمَ الْكَفِيلَ دُونَ الْأَصِيلِ فِيهِ عُلِمَ أَنَّ الْإِقْرَارَ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْمُقِرِّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْأَصْلِ، إذْ هُوَ حُجَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ قَاصِرَةً، وَمَسْأَلَتُنَا نَظِيرُ هَذِهِ قَالَ: وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute