للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(لَا) مُطْلَقُ (الْعِلْمِ) فِي الْأَصَحِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ عَلِمَ الْكُفْرَ لَا يَكْفُرُ، وَلَوْ نَوَاهُ يَكْفُرُ (وَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا عَمَلُ الْقَلْبِ اللَّازِمِ لِلْإِرَادَةِ) فَلَا عِبْرَةَ لِلذِّكْرِ بِاللِّسَانِ إنْ خَالَفَ الْقَلْبَ لِأَنَّهُ كَلَامٌ لَا نِيَّةَ إلَّا إذَا عَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ لِهُمُومٍ أَصَابَتْهُ فَيَكْفِيهِ اللِّسَانُ مُجْتَبَى (وَهُوَ) أَيْ عَمَلُ الْقَلْبِ (أَنْ يَعْلَمَ) عِنْدَ الْإِرَادَةِ (بَدَاهَةً) بِلَا تَأَمُّلٍ (أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي) فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا بِتَأَمُّلٍ لَمْ يَجُزْ.

(وَالتَّلَفُّظُ) عِنْدَ الْإِرَادَةِ (بِهَا مُسْتَحَبٌّ) هُوَ الْمُخْتَارُ،

ــ

[رد المحتار]

أَقُولُ: هَذَا يُوهِمُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مَعَ الرِّيَاءِ مَعَ أَنَّ الْإِخْلَاصَ شَرْطٌ لِلثَّوَابِ لَا لِلصِّحَّةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ لِشَخْصٍ صَلِّ الظُّهْرَ وَلَك دِينَارٌ فَصَلَّى بِهَذِهِ النِّيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِيَهُ وَأَنَّهُ لَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْوَاجِبِ، فَهَذَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الشُّرُوعِ مَعَ عَدَمِ الْإِخْلَاصِ فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت الْحَمَوِيَّ فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ اعْتَرَضَهُ بِقَوْلِهِ: فِيهِ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي عِبَادَةٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا ثَوَابٌ لَا الْمَنْهِيَّاتِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا عِقَابٌ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا مُطْلَقُ الْعِلْمِ إلَخْ) أَيْ لَيْسَتْ النِّيَّةُ مُطْلَقَ الْعِلْمِ بِالْمَنْوِيِّ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ قَصْدٍ وَإِرَادَةٍ جَازِمَةٍ أَوْ لَا، وَهَذَا رَدٌّ عَلَى مَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ عِنْدَ الشُّرُوعِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي فَهَذَا الْقَدْرُ نِيَّةٌ، وَكَذَا فِي الصَّوْمِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الدُّرَرِ: قَالَ فِي الْأَحْكَامِ: لَكِنْ فِي الْمِفْتَاحِ وَشَرْحِ ابْنِ مَالِكٍ أَنَّ مُرَادَ ذَلِكَ الْقَائِلِ أَنَّ مَنْ قَصَدَ صَلَاةً فَعَلِمَ أَنَّهَا ظُهْرٌ أَوْ عَصْرٌ أَوْ نَفْلٌ أَوْ قَضَاءٌ يَكُونُ ذَلِكَ نِيَّةً فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ أُخْرَى لِلتَّعْيِينِ إذَا وَصَلَهَا بِالتَّحْرِيمَةِ، وَفِيمَا أَوْرَدَهُ لَمْ يُوجَدْ قَصْدٌ إلَى الْكُفْرِ، وَهَذَا الْقَائِلُ لَمْ يَدَّعِ أَنَّ مُطْلَقَ الْعِلْمِ بِشَيْءٍ يَكُونُ نِيَّةً، فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الِاعْتِرَاضُ. اهـ. قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّ النِّيَّةَ الَّتِي هِيَ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ لَمَّا كَانَتْ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِتَصَوُّرِ الْمُرَادِ وَعِلْمِهِ وَكَانَ ذَلِكَ شَرْطًا لِصِحَّتِهَا شَرْعًا وَلَازِمًا لَهَا لُغَةً اُقْتُصِرَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا عَمَلُ الْقَلْبِ) أَيْ أَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي تَتَحَقَّقُ بِهِ النِّيَّةُ وَيُعْتَبَرُ فِيهَا شَرْعًا الْعِلْمُ بِالشَّيْءِ بَدَاهَةً النَّاشِئُ ذَلِكَ الْعِلْمُ عَنْ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ لَا مُطْلَقُ الْعِلْمِ وَلَا مُجَرَّدُ الْقَوْلِ بِاللِّسَانِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَعْنَى النِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَ فِي الشَّرْعِ هُوَ الْعِلْمُ الْمَذْكُورُ، وَهَذَا مَعْنَى مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ سَلَمَةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَا يَصِحُّ تَفْسِيرُ النِّيَّةِ بِالْعِلْمِ فَالْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْعِلْمِ الْخَالِي عَنْ الْقَصْدِ بِقَرِينَةِ الِاعْتِرَاضِ الْمَارِّ فَافْهَمْ، لَكِنْ فِي جَعْلِهِ الْعِلْمَ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّ الْعِلْمَ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ النَّفْسَانِيَّةِ كَمَا حُقِّقَ فِي مَوْضِعِهِ (قَوْلُهُ إنْ خَالَفَ الْقَلْبَ) فَلَوْ قَصَدَ الظُّهْرَ وَتَلَفَّظَ بِالْعَصْرِ سَهْوًا أَجْزَأَهُ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَكْفِيهِ اللِّسَانُ) أَيْ بَدَلًا عَنْ النِّيَّةِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْحِلْيَةِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ نَصْبُ الْإِبْدَالِ بِالرَّأْيِ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ الشَّرْطُ لِلْعَجْزِ فَقَدْ يَسْقُطُ إلَى بَدَلٍ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ أَوْ بِلَا بَدَلٍ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَقَدْ يَسْقُطُ الْمَشْرُوطُ كَمَا فِي الْعَاجِزِ عَنْ الطَّهُورَيْنِ فَإِثْبَاتُ أَحَدِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ، وَأَيْنَ هُوَ هُنَا فَلَا يَجُوزُ اهـ مُوَضَّحًا وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْآتِي مِنْ أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ النُّطْقِ لَا يَلْزَمُهُ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ لِلتَّكْبِيرِ أَوْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّحِيحِ لِتَعَذُّرِ الْأَصْلِ فَلَا يَلْزَمُ غَيْرُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ. اهـ. وَأَجَابَ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّهُ صَارَ أَصْلًا لَا بَدَلًا. وَأَقُولُ نَصْبُ الْأَصْلِ أَبْلَغُ مِنْ الْبَدَلِ فَلَا يَجُوزُ بِالرَّأْيِ بِالْأَوْلَى، وَلَا يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِسُقُوطِ الْأَدَاءِ عَمَّنْ وَصَلَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، فَإِنَّ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ مَعْرِفَةُ أَيِّ صَلَاةٍ يُصَلِّي بِمَنْزِلَةِ الْمَجْنُونِ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَبَهَ عَلَى الْمَرِيضِ أَعْدَادُ الرَّكَعَاتِ أَوْ السَّجَدَاتِ لِنُعَاسٍ يَلْحَقُهُ لَا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ (قَوْلُهُ أَنْ يَعْلَمَ عِنْدَ الْإِرَادَةِ إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَأَدْنَاهُ أَنْ يَصِيرَ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلَ عَنْهَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُجِيبَ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ. اهـ وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ هَذَا قَوْلُ ابْنِ سَلَمَةَ وَمُقْتَضَاهُ لُزُومُ الِاسْتِحْضَارِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَعِنْدَ الشُّرُوعِ. وَالْمَذْهَبُ جَوَازُهَا بِنِيَّةٍ مُتَقَدِّمَةٍ بِشَرْطِهَا الْمُتَقَدِّمِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْجَوَابِ بِلَا تَفَكُّرٍ اهـ. أَقُولُ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِمَا قَدَّمْنَاهُ بِأَنَّ قَوْلَ ابْنِ سَلَمَةَ هُوَ لُزُومُ الِاسْتِحْضَارِ عِنْدَ الشُّرُوعِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ، بَلْ هُوَ بَيَانٌ لِأَدْنَى الْعِلْمِ الْمُعْتَبَرِ فِي النِّيَّةِ اللَّازِمِ لَهَا سَوَاءٌ تَقَدَّمَتْ أَوْ قَارَنَتْ الشُّرُوعَ، وَلِدَفْعِ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>