للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِفُقَرَاءِ الْكُوفَةِ جَازَ لِغَيْرِهِمْ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: أَوْصَى بِعَبْدٍ يَخْدُمُ الْمَسْجِدَ وَيُؤَذِّنُ فِيهِ جَازَ وَيَكُونُ كَسْبُهُ لِوَارِثِ الْمُوصِي وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأَعْمَالِ الْبِرِّ لَا يُصْرَفُ ثُلُثُهُ لِبِنَاءِ السِّجْنِ، لِأَنَّ إصْلَاحَهُ عَلَى السُّلْطَانِ

أَوْصَى (بِأَنْ يُتَّخَذَ الطَّعَامُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِلنَّاسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ) كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ، وَفِيهَا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: أَوْصَى بِاِتِّخَاذِ الطَّعَامِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيُطْعَمُ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ التَّعْزِيَةَ جَازَ مِنْ الثُّلُثِ، وَيَحِلُّ لِمَنْ طَالَ مُقَامُهُ وَمَسَافَتُهُ لَا لِمَنْ لَمْ يَطُلْ وَلَوْ فَضَلَ طَعَامٌ إنْ كَثِيرًا يَضْمَنُ وَإِلَّا لَا اهـ. قُلْت: وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ عَلَى طَعَامٍ يَجْتَمِعُ لَهُ النَّائِحَاتُ بِقَيْدِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَتَكُونُ وَصِيَّةً لَهُنَّ فَبَطَلَتْ وَالثَّانِي عَلَى مَا كَانَ لِغَيْرِهِنَّ.

ــ

[رد المحتار]

عَنْ الْمُجْتَبَى: وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْإِيصَاءِ لِلْمَسْجِدِ قَوْلَيْنِ: قَوْلٌ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَقَوْلٌ بِالصِّحَّةِ كَمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ فَصْلِ وَصَايَا الذِّمِّيِّ ثُمَّ عَلَى الصِّحَّةِ هَلْ تُصْرَفُ عَلَى مَنَافِعِهِ، أَوْ عَلَى فُقَرَائِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ بِالْأَوَّلِ عَلَى مَا هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِهِمْ، وَأَمَّا الثَّانِي فَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى عَلَى مَا تَرَى وَالْقَائِلُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ هُوَ الشَّيْخَانِ إلَّا أَنْ يَقُولَ يُنْفَقُ عَلَى الْمَسْجِدِ، فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا، وَأَجَازَهُ مُحَمَّدٌ مُطْلَقًا حَمْلًا عَلَى إرَادَةِ مَصَالِحِهِ تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ لَا عَلَى إرَادَةِ عَيْنِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ سَوَاءٌ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ أَوْ لَا وَبِهِ أَفْتَى صَاحِبُ الْبَحْرِ كَمَا سَيَأْتِي. وَأَمَّا بَيْتُ الْمَقْدِسِ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَفْتَرِقُ عَنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى أَنَّ الْبَزَّازِيَّةَ عَزْوًا فِي الْمَتْنِ لِمُحَمَّدٍ فَافْهَمْ، وَلَا تَتَعَسَّفْ وَيَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْمَسْجِدِ وَصِيَّةٌ لِفُقَرَائِهِ فِي مِثْلِ الْأَزْهَرِ كَذَا حَرَّرَ هَذَا الْمَحَلَّ السَّائِحَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَانْظُرْ مَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ (قَوْلُهُ جَازَ لِغَيْرِهِمْ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِمْ وَإِنْ أُعْطَى غَيْرُهُمْ جَازَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَبِهِ يُفْتَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ اهـ.

قُلْت: وَالْأَوَّلُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِمْ فِي النَّذْرِ بِإِلْغَاءِ تَعْيِينَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْفَقِيرِ (قَوْلُهُ لِوَارِثِ الْمُوصِي) لِأَنَّ الرَّقَبَةَ عَلَى مِلْكِهِ وَلْوَالِجِيَّةٌ وَهَلْ نَفَقَتُهُ فِي وَقْفِ الْمَسْجِدِ، كَمَا لَوْ أَوْصَى بِخِدْمَتِهِ لِزَيْدٍ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي لَمْ أَرَهُ (قَوْلُهُ لِأَعْمَالِ الْبِرِّ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَكُلُّ مَا لَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكٌ فَهُوَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ حَتَّى يَجُوزَ صَرْفُهُ إلَى عِمَارَةِ الْوَقْفِ وَسِرَاجِ الْمَسْجِدِ دُونَ تَزْيِينِهِ لِأَنَّهُ إسْرَافٌ اهـ

(قَوْلُهُ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ) هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى (قَوْلُهُ وَيُطْعَمَ) أَيْ وَبِأَنْ يُطْعَمَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيَحِلُّ لِمَنْ طَالَ مُقَامُهُ وَمَسَافَتُهُ) وَيَسْتَوِي فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ خَانِيَّةٌ وَتَفْسِيرُ طُولِ الْمَسَافَةِ أَنْ لَا يَبِيتُوا فِي مَنَازِلِهِمْ ظَهِيرِيَّةٌ وَالْمُرَادُ أَنْ لَا يُمْكِنَهُمْ الْمَبِيتُ فِيهَا لَوْ أَرَادُوا الرُّجُوعَ إلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ (قَوْلُهُ يَضْمَنُ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يُقَدِّرْ الْمُوصِي مِقْدَارًا مَعْلُومًا (قَوْلُهُ وَحَمَلَ الْمُنَصَّفُ الْأَوَّلَ) أَيْ مَا فِي الْمَتْنِ مِنْ الْبُطْلَانِ (قَوْلُهُ بِقَيْدِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَمَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ مُقَيَّدٌ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ تَجْتَمِعُ النَّائِحَاتُ فَتَكُونُ وَصِيَّةً لَهُنَّ فَبَطَلَتْ اهـ الظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي عُرْفِهِمْ كَذَلِكَ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِمَّا فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ أَنَّ حَمْلَ الطَّعَامِ إلَى أَهْلِ الْمُصِيبَةِ فِي الِابْتِدَاءِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِاشْتِغَالِهِمْ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَلَا يُسْتَحَبُّ، لِأَنَّ فِيهِ تَجْتَمِعُ النَّائِحَاتُ فَيَكُونُ إعَانَةً عَلَى الْمَعْصِيَةِ.

أَقْوَالٌ: وَعَلَّلَ السَّائِحَانِيُّ لِلْبُطْلَانِ بِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِلنَّاسِ، وَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ كَمَا لَوْ قَالَ أَوْصَيْت لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَاجَةِ فَوَقَعَتْ تَمْلِيكًا مِنْ مَجْهُولٍ فَلَمْ تَصِحَّ اهـ (قَوْلُهُ وَالثَّانِي) وَهُوَ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ.

أَقُولُ: قَدَّمْنَا أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَصَحُّ، وَظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي آخِرِ الْجَنَائِزِ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ الضِّيَافَةِ مِنْ الطَّعَامِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي السُّرُورِ لَا فِي الشُّرُورِ وَهِيَ بِدْعَةٌ مُسْتَقْبَحَةٌ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ، وَصُنْعَهُمْ الطَّعَامَ مِنْ النِّيَاحَةِ وَيُسْتَحَبُّ لِجِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَالْأَقْرِبَاءِ الْأَبَاعِدِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ لَهُمْ يُشْبِعُهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اصْنَعُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>