دَفَعَ لِلْيَتِيمِ مَالَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَأَشْهَدَ الْيَتِيمَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ لَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ ثُمَّ ادَّعَى شَيْئًا فِي يَدِ الْوَصِيِّ أَنَّهُ مِنْ تَرِكَةِ أَبِي وَبَرْهَنَ تُسْمَعُ.
لِلْوَصِيِّ الْأَكْلُ وَالرُّكُوبُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، قَالَ تَعَالَى - {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ٦]- لَهُ أَنْ يُنْفِقَ فِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْأَدَبِ إنْ تَأَهَّلَ لِذَلِكَ، وَإِلَّا فَلْيُنْفَقْ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَتَعَلَّمُ الْقِرَاءَةَ الْوَاجِبَةَ فِي الصَّلَاةِ مُجْتَبًى. وَفِيهِ: جَعَلَ لِلْوَصِيِّ مُشْرِفًا لَمْ يَتَصَرَّفْ بِدُونِهِ، وَقِيلَ لِلْمُشْرِفِ أَنْ يَتَصَرَّفَ وَفِيهِ لِلْأَبِ إعَارَةُ طِفْلِهِ اتِّفَاقًا لَا مَالِهِ عَلَى الْأَكْثَرِ. وَفِيهِ: يَمْلِكُ الْأَبُ لَا الْجَدُّ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصِيِّ مَا يَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ.
ــ
[رد المحتار]
فِي حَالِهِ، إنْ مَأْمُونًا قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ لَا يُخْرِجُهُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقِيَامَ وَلَا ضَرَرَ لِلْوَصِيِّ فِي إبْقَائِهِ، وَإِنْ عُرِفَ عَجْزُهُ وَكَثْرَةُ أَشْغَالِهِ أَخْرَجَهُ لِلضَّرَرِ فِي إبْقَائِهِ وَلِعَدَمِ حُصُولِ الْغَرَضِ مِنْهُ لِقِلَّةِ اهْتِمَامِهِ بِأُمُورِهِ بَعْدَ طَلَبِ الْعَزْلِ اهـ، وَفِي الْأَشْبَاهِ: وَالْعَدْلِ الْكَافِي لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ، وَالْحِيلَةُ فِيهِ شَيْئَانِ إلَخْ وَقَدَّمْنَا ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ
(قَوْلُهُ تَسْمَعُ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ بَعْدَهُ: وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّهُ قَبَضَ جَمِيعَ مَا عَلَى النَّاسِ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا لِوَالِدِهِ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ اهـ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ لِعَدَمِ مَا يَمْنَعُ مِنْهَا إذْ لَيْسَ فِيهِ إبْرَاءٌ لِمَعْلُومٍ عَنْ مَعْلُومٍ وَلَا عَنْ مَجْهُولٍ، فَهُوَ إقْرَارٌ مُجَرَّدٌ لَمْ يَسْتَلْزِمْ إبْرَاءً فَلَيْسَ مَانِعًا مِنْ دَعْوَاهُ، وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَى صَاحِبِ الْأَشْبَاهِ فَظَنَّ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْبَرَاءَةِ الْعَامَّةِ وَأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ مَنْعِهَا الدَّعْوَى اهـ مُلَخَّصًا.
أَقُولُ: هَذَا لَا يَظْهَرُ عَلَى مَا فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ الْمُنْتَقَى وَغَيْرِهِ مِنْ زِيَادَةِ قَوْلِهِ وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَ الْوَصِيِّ لَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إلَّا اسْتَوْفَاهُ إلَخْ فَهُوَ إقْرَارٌ لِمُعَيَّنٍ وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ عَلَى الْمُقِرِّ تَأَمَّلْ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قُبَيْلَ الصُّلْحِ وَقَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ وَلَا تَنَاقُضَ لِحَمْلِ قَوْلِهِ لَمْ يَبْقَ لِي حَقٌّ، أَيْ مِمَّا قَبَضْته، عَلَى أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ اهـ وَتَمَامُ الْكَلَامِ هُنَاكَ
(قَوْلُهُ لِلْوَصِيِّ الْأَكْلُ إلَخْ) قَدَّمْنَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ اسْتِحْسَانٌ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا بِقَدْرِ مَا سَعَى. قَالَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ: وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَأْكُلَ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: ١٠]- قَالَ الْفَقِيهُ: وَلَعَلَّ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا} [النساء: ٦]- نُسِخَ بِهَذِهِ الْآيَةِ.
قُلْت: فَكَأَنَّهُ يَمِيلُ إلَى اخْتِيَارِ الثَّانِي، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي الْوَصَايَا مُتَبَرِّعًا فَلَا يُوجِبُ ضَمَانًا اهـ. قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِهِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ أَجْرٌ مَعْلُومٌ فَيَأْكُلُ بِقَدْرِهِ (قَوْلُهُ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ إلَخْ) كَذَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا: إنْ كَانَ صَالِحًا لِذَلِكَ جَازَ وَصَارَ الْوَصِيُّ مَأْجُورًا وَإِلَّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَكَلَّفَ فِي تَعْلِيمِ قَدْرِ مَا يَقْرَأُ فِي صَلَاتِهِ اهـ فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ تَأَمَّلْ.
وَفِي الْقُنْيَةِ: وَلَا يَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ فِي الْمُصَاهَرَاتِ بَيْنَ الْيَتِيمِ وَالْيَتِيمَةِ وَغَيْرِهِمَا فِي خُلْعِ الْخَاطِبِ أَوْ الْخَطِيبَةِ، وَفِي الضِّيَافَاتِ الْمُعْتَادَةِ، وَالْهَدَايَا الْمَعْهُودَةِ، وَفِي الْأَعْيَادِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، وَفِي اتِّخَاذِ ضِيَافَةٍ لِخَتَنِهِ لِلْأَقَارِبِ وَالْجِيرَانِ مَا لَمْ يُسْرِفْ فِيهِ وَكَذَا لِمُؤَدِّبِهِ وَمَنْ عِنْدَهُ مِنْ الصِّبْيَانِ وَكَذَا الْعِيدَيْنِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَضْمَنُ فِي ضِيَافَةِ الْمُؤَدِّبِ وَالْعِيدَيْنِ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي الْمُغْرِبِ: وَعَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَدَبُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى كُلِّ رِيَاضَةٍ مَحْمُودَةٍ يَتَخَرَّجُ بِهَا الْإِنْسَانُ فِي فَضِيلَةٍ مِنْ الْفَضَائِلِ اهـ (قَوْلُهُ جَعَلَ لِلْوَصِيِّ مُشْرِفًا إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لِلْأَبِ إعَارَةُ طِفْلِهِ إلَخْ) فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِسْبِيجَابِيِّ: لِلْوَصِيِّ وَالْأَبِ إعَارَةُ مَالِ الْيَتِيمِ. قَالَ عِمَادُ الدِّينِ فِي فُصُولِهِ: وَهَذَا مِمَّا يُحْفَظُ جِدًّا. وَفِي التَّجْنِيسِ عَنْ النَّوَازِلِ: لَيْسَ لِلْأَبِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ فِي مَالِهِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: لَهُ إعَارَةُ طِفْلِهِ أَمَّا إعَارَةُ مَالِهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْبَعْضِ اسْتِحْسَانًا لَا عِنْدَ الْعَامَّةِ وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَفِي فَوَائِدِ صَاحِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute