وَمَرَّ فِي الْحَظْرِ.
(إيمَاءُ الْأَخْرَسِ وَكِتَابَتُهُ كَالْبَيَانِ) بِاللِّسَانِ (بِخِلَافِ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُمَا سَوَاءٌ فِي وَصِيَّةٍ
ــ
[رد المحتار]
قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْغَنَمِ وَالثِّيَابِ، فَإِنَّ الْمُسَافِرَ لَوْ مَعَهُ ثَوْبَانِ طَاهِرٌ وَنَجِسٌ لَا غَيْرُ وَلَا مُمَيَّزَ بَيْنَهُمَا يَتَحَرَّى وَيُصَلِّي، فَقَدْ جَوَّزَ التَّحَرِّيَ فِيمَا إذَا كَانَا نِصْفَيْنِ وَفِي الْمَسَالِيخِ لَمْ يَجُزْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ حُكْمَ الثِّيَابِ أَخَفُّ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا نَجِسَةً لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَعْضِهَا لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ، بِخِلَافِ الْغَنَمِ إلَخْ، وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَالْمِنَحِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: هَذَا عَجِيبٌ مِنْهُمْ، فَإِنَّ مَا ذَكَرُوا مِنْ مَسْأَلَةِ الثَّوْبَيْنِ حَالَةُ ضَرُورَةٍ، وَلَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الثِّيَابِ وَالْغَنَمِ كَمَا سَمِعْت التَّصْرِيحَ بِهِ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَفِي قَوْلِ الْهِدَايَةِ يَحِلُّ لَهُ التَّنَاوُلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَيْ فِيمَا إذَا كَانَتْ الذَّكِيَّةُ غَالِبَةً أَوْ مَغْلُوبَةً أَوْ مُسَاوِيَةً فَكَيْفَ يَطْلُبُ الْفَرْقَ فِيمَا لَا فَرْقَ فِيهِ، وَإِنْ أَرَادُوا الْفَرْقَ بَيْنَ الثِّيَابِ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ وَبَيْنَ الْغَنَمِ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ فَهُوَ سَاقِطٌ أَصْلًا إذْ لَا يُطْلَبُ الْفَرْقُ إلَّا عِنْدَ اتِّحَادِ الْحَالَتَيْنِ، ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ الطُّورِيَّ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ (قَوْلُهُ وَمَرَّ فِي الْحَظْرِ) أَيْ فِي أَوَّلِهِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَمَنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ، وَلَفْظُ الْحَظْرِ سَاقِطٌ مِنْ أَغْلَبِ النُّسَخِ
(قَوْلُهُ إيمَاءُ الْأَخْرَسِ) أَيْ إشَارَتُهُ بِحَاجِبٍ أَوْ يَدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إذَا عَرَفَ الْقَاضِي إشَارَتَهُ، وَإِلَّا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَخْبِرَ مِمَّنْ يَعْرِفُهَا مِنْ إخْوَانِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَجِيرَانِهِ حَتَّى يَقُولَ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي أَرَادَ بِهَذِهِ الْإِشَارَةِ كَذَا وَيُفَسِّرُ ذَلِكَ وَيُتَرْجِمُ حَتَّى يُحِيطَ عِلْمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَدْلًا مَقْبُولَ الْقَوْلِ، لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا قَوْلَ لَهُ بِيرِيّ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَإِطْلَاقُهُ يُفِيدُ اعْتِبَارَ الْإِيمَاءِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْكِتَابَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حُجَّةٌ ضَرُورَةً كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَكِتَابَتُهُ) اعْتَرَضَ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ الْأَخْرَسَ الْخَلْفِيَّ لَا يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَلَا يُمْكِنُ تَعْرِيفَهُ إيَّاهَا لِأَنَّهَا بِإِزَاءِ الْأَلْفَاظِ الْمُرَكَّبَةِ مِنْ الْحُرُوفِ وَهُوَ لَا يَنْطِقُ وَلَا يَسْمَعُ النُّطْقَ اهـ. أَقُولُ: يُمْكِنُ ذَلِكَ بِتَعْرِيفِهِ أَنَّ الْمَعْنَى الْفُلَانِيَّ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ الْمَنْقُوشَةِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ) بِفَتْحِ الْقَافِ، يُقَالُ: اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ بِضَمِّ التَّاءِ إذَا احْتَبَسَ عَنْ الْكَلَامِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ مُغْرِبٌ أَيْ فَلَا يُعْتَبَرُ إيمَاؤُهُ وَلَا كِتَابَتُهُ إلَّا إذَا امْتَدَّتْ عُقْلَتُهُ كَمَا يَأْتِي وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَارِضَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَلَا يُقَاسُ عَلَى الْخَرَسِ الْأَصْلِيِّ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا فِي كِتَابَةٍ غَيْرِ مَرْسُومَةٍ أَيْ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ، لِمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْكِتَابَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: مُسْتَبِينٍ مَرْسُومٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُعَنْوَنًا: أَيْ مُصَدَّرًا بِالْعِنْوَانِ، وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ فِي صَدْرِهِ مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فَهَذَا كَالنُّطْقِ فَلَزِمَ حُجَّةً. وَمُسْتَبِينٌ غَيْرُ مَرْسُومٍ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْجُدْرَانِ وَأَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ أَوْ عَلَى الْكَاغَدِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً إلَّا بِانْضِمَامِ شَيْءٍ آخَرَ إلَيْهِ كَالنِّيَّةِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ وَالْإِمْلَاءِ عَلَى الْغَيْرِ حَتَّى يَكْتُبَهُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَكُونُ لِلتَّجْرِبَةِ وَنَحْوِهَا، وَبِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَتَعَيَّنُ الْجِهَةُ وَقَبْلَ الْإِمْلَاءِ بِلَا إشْهَادٍ لَا يَكُونُ حُجَّةً وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَغَيْرُ مُسْتَبِينٍ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْهَوَاءِ أَوْ الْمَاءِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ كَلَامٍ غَيْرِ مَسْمُوعٍ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ وَإِنْ نَوَى اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَوَّلَ صَرِيحٌ وَالثَّانِي كِنَايَةٌ وَالثَّالِثُ لَغْوٌ. وَبَقِيَ صُورَةٌ رَابِعَةٌ عَقْلِيَّةٌ لَا وُجُودَ لَهَا وَهِيَ مَرْسُومٌ غَيْرُ مُسْتَبِينٍ وَهَذَا كُلُّهُ فِي النَّاطِقِ فَفِي غَيْرِهِ بِالْأَوْلَى، لَكِنْ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُعَنْوَنًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِغَائِبٍ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَعْنَوِيَّ مِنْ النَّاطِقِ الْحَاضِرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: رَجُلٌ كَتَبَ صَكَّ وَصِيَّةٍ وَأَشْهَدَ بِمَا فِيهِ وَلَمْ يَقْرَأْ وَصِيَّتَهُ عَلَيْهِمْ قَالُوا لَا يَجُوزُ لِلشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute