وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ شُذُوذٌ لَكِنَّهُ تَأَيَّدَ بِكَلَامِ كِبَارِ الصَّحَابَةِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْهُورِ كَمَا بَسَطَهُ السَّيِّدُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحَجْبِ فَقَالَ (وَلَا يُحْرَمُ سِتَّةٌ) مِنْ الْوَرَثَةِ (بِحَالٍ) أَلْبَتَّةَ (الْأَبُ وَالْأُمُّ وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ)
ــ
[رد المحتار]
أَوْ وَلَاءُ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبَ أَوْ دَبَّرَ مَنْ أَعْتَقْنَ، أَوْ وَلَاءُ مَا كَاتَبْنَ أَوْ وَلَاءُ مَا كَاتَبَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ دَبَّرَ مَنْ كَاتَبْنَ أَوْ وَلَاءُ مَا دَبَّرْنَهُ، أَوْ وَلَاءُ مَا دَبَّرَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ دَبَّرْنَهُ فَكَلِمَةُ مَا الْمَذْكُورَةُ وَالْمُقَدَّرَةُ عِبَارَةٌ عَنْ مَرْقُوقٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِعْتَاقُ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ مَا يُتَمَلَّكُ مِمَّا لَا عَقْلَ لَهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المعارج: ٣٠] وَكَلِمَةُ مَنْ عِبَارَةٌ عَمَّنْ صَارَ حُرًّا مَالِكًا فَاسْتَحَقَّ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْعُقَلَاءِ فَعَبَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَا وَعَنْ الثَّانِي بِمَنْ وَإِنْ كَانَا حُرَّيْنِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُتَصَرَّفٌ فِيهِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَالثَّانِي مُتَصَرِّفٌ كَسَائِرِ الْمُلَّاكِ.
وَقَوْلُهُ: أَوْ جَرَّ عَطْفٌ عَلَى الْمُسْتَثْنَى الْمَحْذُوفِ، وَهُوَ وَلَاءُ وَوَلَاءُ الْمَذْكُورُ مَفْعُولُهُ وَمُعْتَقُهُنَّ فَاعِلُهُ وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ وَالْمَصْدَرِ الْمُنْسَبِكِ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى} [يونس: ٣٧] أَيْ مُفْتَرًى أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ مَوْصُوفٍ حُذِفَ، وَأُقِيمَتْ صِفَتُهُ مَقَامَهُ وَوُضِعَ الْمُظْهَرُ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ، وَالتَّقْدِيرُ لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا كَذَا وَإِلَّا أَنْ جَرَّ أَيْ مَجْرُورَ مُعْتَقِهِنَّ، أَوْ الْوَلَاءَ جَرَّهُ مُعْتَقُهُنَّ، وَثَمَّ أَوْجُهٌ أُخَرُ لَا تَظْهَرُ وَصُورَةُ وَلَاءِ مُدَبَّرِهِنَّ: أَنَّ امْرَأَةً دَبَّرَتْ عَبْدًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ، وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ بِلِحَاقِهَا وَبِحُرِّيَّةِ عَبْدِهَا الْمُدَبَّرِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَرَجَعَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ مَاتَ الْمُدَبَّرُ وَلَمْ يُخَلِّفْ عَصَبَةً نَسَبِيَّةً، فَهَذِهِ الْمَرْأَةُ عَصَبَتُهُ وَحُكْمُ مُدَبَّرِ هَذَا الْمُدَبَّرِ كَذَلِكَ.
فَإِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِحُرِّيَّةِ مُدَبَّرِهَا بِسَبَبِ لِحَاقِهَا فَاشْتَرَى عَبْدًا وَدَبَّرَهُ، ثُمَّ مَاتَ وَرَجَعَتْ الْمَرْأَةُ تَائِبَةً إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ إمَّا قَبْلَ مَوْتِ مُدَبَّرِهَا أَوْ بَعْدَهُ، ثُمَّ مَاتَ الْمُدَبَّرُ الثَّانِي وَلَمْ يُخَلِّفْ عَصَبَةً نَسَبِيَّةً فَوَلَاؤُهُ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ وَقَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ فِي تَصْوِيرِهِ وَجْهًا آخَرَ. وَصُورَةُ جَرِّهِ مُعْتَقُهُنَّ الْوَلَاءَ أَنَّ عَبْدَ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَ بِإِذْنِهَا جَارِيَةً قَدْ أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَهُوَ حُرٌّ تَبَعًا لِأُمِّهِ وَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى أُمِّهِ، فَإِذَا أَعْتَقَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا جَرَّ ذَلِكَ الْعَبْدُ بِإِعْتَاقِهَا إيَّاهُ وَلَاءَ وَلَدِهِ إلَى مَوْلَاتِهِ، حَتَّى إذَا مَاتَ الْمُعْتَقُ ثُمَّ مَاتَ وَلَدُهُ وَخَلَّفَ مُعْتِقَةَ أَبِيهِ فَوَلَاؤُهُ لَهَا وَصُورَةُ جَرٍّ مُعْتَقِ مُعْتَقِهِنَّ الْوَلَاءَ أَنَّ امْرَأَةً أَعْتَقَتْ عَبْدًا، فَاشْتَرَى الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ عَبْدًا وَزَوَّجَهُ بِمُعْتَقَةِ غَيْرِهِ فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَهُوَ حُرٌّ، وَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى أُمِّهِ فَإِذَا أَعْتَقَ ذَلِكَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ عَبْدَهُ جَرَّ بِإِعْتَاقِهِ وَلَاءَ وَلَدِ مُعْتَقِهِ إلَى نَفْسِهِ ثُمَّ إلَى مَوْلَاتِهِ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرُوهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ وَشُرُوطُ الْجَرِّ يُطْلَبُ مِنْ كِتَابِ الْوَلَاءِ فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ شُذُوذٌ إلَخْ) الشَّاذُّ هُوَ أَنْ يَرْوِيَ الثِّقَةُ حَدِيثًا يُخَالِفُ مَا رَوَى النَّاسُ، فَإِذَا انْفَرَدَ الرَّاوِي بِشَيْءٍ نُظِرَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا رَوَاهُ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِالْحِفْظِ لِذَلِكَ وَأَضْبَطُ كَانَ مَا انْفَرَدَ بِهِ شَاذًّا مَرْدُودًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُخَالِفٌ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُوثَقُ بِحِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ فَمَقْبُولٌ لَا يَقْدَحُ فِيهِ انْفِرَادُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُوثَقُ بِحِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ لِذَلِكَ الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَبْعُدْ مِنْ دَرَجَةِ الْحَافِظِ الضَّابِطِ الْمَقْبُولِ تَفَرُّدُهُ، فَحَدِيثٌ حَسَنٌ وَإِلَّا فَشَاذٌّ مَرْدُودٌ هَذَا مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي تَعْرِيفِهِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ تَأَيَّدَ إلَخْ) فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ، أَوْ كَاتَبْنَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَذَكَرَهُ رَزِينُ بْنُ الْعَبْدِيِّ فِي مُسْنَدِهِ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مِيرَاثُ الْوَلَاءِ لِلْأَكْبَرِ مِنْ الذُّكُورِ وَلَا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا وَلَاءَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ» اهـ قَاسِمٌ (قَوْلُهُ: فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْهُورِ) الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي الْقَرْنِ الْأَوَّلِ آحَادًا، ثُمَّ انْتَشَرَ فَصَارَ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي وَمَنْ بَعْدَهُمْ مُتَوَاتِرًا وَلَمَّا كَانَ الْقَرْنُ الْأَوَّلُ وَهُمْ الصَّحَابَةُ ثِقَاتٍ لَا يُتَّهَمُونَ صَارَتْ شَهَادَتُهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَوَاتِرِ حُجَّةً، حَتَّى قَالَ الْجَصَّاصُ إنَّهُ أَحَدُ قِسْمَيْ الْمُتَوَاتِرِ يَعْقُوبُ
(قَوْلُهُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحَجْبِ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ بَيَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute