للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَيْفَ لَا وَقَدْ بَيَّضْتُهُ وَفِي قَلْبِي مِنْ نَارِ الْبِعَادِ، عَنْ الْبِلَادِ وَالْأَوْلَادِ، وَالْإِخْوَانِ وَالْأَحْفَادِ مَا يُفَتِّتُ الْأَكْبَادَ. فَرَحِمَ اللَّهُ التَّفْتَازَانِيُّ حَيْثُ اعْتَذَرَ وَأَجَادَ، حَيْثُ قَالَ نَظْمًا:

يَوْمًا بِحُزْوَى وَيَوْمًا بِالْعَقِيقِ ... وَبِالْعَذِيبِ يَوْمًا وَيَوْمًا بِالْخُلَيْصَاءِ

لَكِنْ لِلَّهِ الْحَمْدُ أَوَّلًا وَآخِرًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا

ــ

[رد المحتار]

السِّيَاقُ أَيْ فَسُدَّ الْخَلَلَ وَلَا تُعَيِّرْ بِهِ وَلَا تَفْضَحْ فَإِنَّ كُلَّ بَنِي آدَمَ مَا عَدَا مَنْ عُصِمَ مِنْهُمْ فِيهِ عَيْبٌ وَاَلَّذِي تَنَزَّهَ عَنْ الْعُيُوبِ بِتَمَامِهَا هُوَ الْحَقُّ جَلَّا وَعَلَا ط وَالشَّطْرُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ مِنْ بَحْرِ الرَّجَزِ وَالشَّطْرُ الثَّانِي مِنْ بَحْرِ الرَّمَلِ وَلَوْ قَالَ إنْ تَجِدْ بِدُونِ وَاوٍ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ صَارَ الْأَوَّلُ مِنْ بَحْرِ الثَّانِي أَوْ قَالَ فَجَلَّ بِالْفَاءِ صَارَ الثَّانِي مِنْ بَحْرِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: كَيْفَ لَا) مَنْفِيُّ لَا مَحْذُوفٌ أَيْ كَيْفَ لَا يُوجَدُ مِنِّي سَهْوٌ وَالْحَالُ كَذَا فَهُوَ اعْتِذَارٌ آخَرُ عَنْ وُجُودِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بَيَّضْتُهُ) أَيْ نَقَلْتُهُ مِنْ الْمُسَوَّدَةِ إلَى الْمُبَيَّضَةِ وَالْمُسَوَّدَةُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُؤَلِّفِينَ الْأَوْرَاقُ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا إنْشَاءُ التَّأْلِيفِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ سَوَادِهَا بِكَثْرَةِ الْمَحْوِ وَالْإِثْبَاتِ، وَالْمُبَيَّضَةُ الَّتِي نَقَلَ إلَيْهَا الْمُؤَلِّفُ مَا أَنْشَأَهُ وَأَثْبَتَهُ فِي الْمُسَوَّدَةِ (قَوْلُهُ: مِنْ نَارِ الْبِعَادِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ مَصْدَرُ بَاعَدَ، وَمِنْ بَيَانٌ لِمَا فِي قَوْلِهِ مَا يُفَتِّتُ أَوْ تَعْلِيلِيَّةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} [نوح: ٢٥] وَقَدْ شَبَّهَ مَا بِقَلْبِهِ مِنْ مَشَقَّةِ الْبِعَادِ وَأَلَمِ الْفِرَاقِ بِالنَّارِ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ أَصْلِيَّةٌ وَالْقَرِينَةُ إضَافَةُ النَّارِ إلَى الْبِعَادِ أَوْ شَبَّهَ الْبِعَادَ بِحَطَبٍ لَهُ نَارٌ اسْتِعَارَةٌ مَكِنِيَّةٌ وَإِثْبَاتُ النَّارِ لَهُ تَخْيِيلٌ أَوْ أَضَافَ الْمُشَبَّهَ بِهِ إلَى الْمُشَبَّهِ أَيْ مِنْ بِعَادٍ كَالنَّارِ، مِثْلُ لُجَيْنِ الْمَاءِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَحْفَادِ) الْبَنَاتُ أَوْ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ أَوْ الْأَصْهَارُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: مَا يُفَتِّتُ الْأَكْبَادَ) أَيْ يُقَطِّعُهَا وَيَشُقُّهَا وَالْأَكْبَادُ جَمْعُ كَبْدٍ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَكَكَتِفٍ وَقَدْ يُذَكَّرُ قَامُوسٌ وَالْمُرَادُ كَبِدٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ كَبِدُهُ لِأَنَّ مَا فِي قَلْبِهِ لَا يُفَتِّتُ كَبِدَ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا جَمَعَ لِلسَّجْعَةِ أَوْ عَلَى مَعْنَى أَنَّ فِي قَلْبِي مِنْ جِنْسِ مَا يُفَتِّتُ الْأَكْبَادَ أَوْ أَنَّ فِي قَلْبِي مَا لَوْ كَانَ لِي أَكْبَادٌ مُتَعَدِّدَةٌ لَفَتَّتَهَا أَوْ أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ مِمَّا فِي قَلْبِي يَسْتَقِلُّ بِتَفْتِيتِ الْكَبِدِ فَصَارَتْ كَأَنَّهَا أَكْبَادٌ مُتَعَدِّدَةٌ (قَوْلُهُ: فَرَحِمَ اللَّهُ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ حَيْثُ ذَاقَ أَلَمَ الْفِرَاقِ وَكَابَدَ مَا يُكَابِدُهُ الْمُشْتَاقُ مِنْ تَشْتِيتِ الْبَالِ وَتَوَاتُرِ الْبَلْبَالِ عَلِمَ أَنَّ اعْتِذَارَ هَذَا الْإِمَامِ الَّذِي سَبَقَهُ بِنَحْوِ هَذَا الْكَلَامِ اعْتِذَارٌ مَقْبُولٌ لَا مَحَالَةَ فَتَحَرَّكَتْ نَفْسُهُ إلَى الدُّعَاءِ لَهُ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

لَا يَعْرِفُ الْوَجْدَ إلَّا مَنْ يُكَابِدُهُ ... وَلَا الصَّبَابَةَ إلَّا مَنْ يُعَانِيهَا

(قَوْلُهُ: التَّفْتَازَانِيُّ) اسْمُهُ مَسْعُودٌ وَلَقَبُهُ سَعْدُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ نِسْبَةٌ إلَى تَفْتَازَانَ بِالْفَتْحِ بَلَدٌ بِخُرَاسَانَ وُلِدَ بِهَا سَنَةَ ٧٢٢ وَتُوُفِّيَ بِسَمَرْقَنْدَ سَنَةَ ٧٩٢ وَنُقِلَ إلَى سَرْخَسَ فَدُفِنَ بِهَا (قَوْلُهُ: حَيْثُ اعْتَذَرَ) أَيْ فِي خُطْبَةِ الْمُخْتَصَرِ شَرْحِ تَلْخِيصِ الْمَعَانِي وَقَالَ قَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ أَيْضًا مَعَ جُمُودِ الْقَرِيحَةِ بِصَرِّ الْبَلِيَّاتِ، وَخُمُودِ الْفَطِنَةِ بِصَرْصَرِ النَّكَبَاتِ، وَتَرَامِي الْبُلْدَانِ بِي وَالْأَقْطَارِ، وَنُبُوِّ الْأَوْطَانِ عَنِّي وَالْأَوْطَارِ، حَتَّى طَفِقْتُ أَجُوبُ كُلَّ أَغْبَرَ قَاتِمِ الْأَرْجَاءِ، وَأُحَرِّرُ كُلَّ سَطْرٍ مِنْهُ فِي شَطْرٍ مِنْ الْبَيْدَاءِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ قَالَ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ حَيْثُ اعْتَذَرَ.

(قَوْلُهُ: يَوْمًا بِحُزْوَى إلَخْ) أَسْمَاءُ مَوَاضِعَ وَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ وَمُتَعَلَّقُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَكُونُ (قَوْلُهُ: لَكِنْ لِلَّهِ الْحَمْدُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ أَيْ إنَّهُ وَإِنْ حَصَلَ لِي مَا حَصَلَ مِنْ الْبِعَادِ عَنْ الْبِلَادِ فَقَدْ أَثْمَرَ لِي ثَمَرَةً عَظِيمَةَ الْمُفَادِ الَّتِي هِيَ عَلَامَةُ الْقَبُولِ وَدَلِيلُ الْوُصُولِ إلَى الْمَأْمُولِ (قَوْلُهُ: أَوَّلًا وَآخِرًا) أَيْ أَوَّلَ كُلِّ أَمْرٍ وَآخِرَهُ (قَوْلُهُ: ظَاهِرًا وَبَاطِنًا) أَيْ حَمْدًا فِي الظَّاهِرِ بِالثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْبَاطِنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>