فَلَقَدْ مَنَّ بِابْتِدَاءِ تَبْيِيضِهِ تُجَاهَ وَجْهِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ وَالْقَدْرِ الْمُنِيفِ، وَبِخَتْمِهِ تُجَاهَ قَبْرِ صَاحِبِ هَذَا الْمَتْنِ الشَّرِيفِ، فَلَعَلَّهُ عَلَامَةُ الْقَبُولِ مِنْهُمْ وَالتَّشْرِيفِ قَالَ مُؤَلِّفُهُ:
فَيَا شَرَفِي إنْ كُنْتَ رَبِّي قَبِلْتَهُ ... وَإِنْ كَانَ كُلُّ النَّاسِ رَدُّوهُ عَنْ حَسَدْ
فَتَقْبَلُنِي مَعْ مَاتِنٍ وأَسَاتِذٍ ... وَتَحْشُرُنَا جَمْعًا مَعَ الْمُصْطَفَى أَحْمَدْ
وَإِخْوَانِنَا الْمُسْدِي لَنَا الْخَيْرَ دَائِمًا ... وَوَالِدِنَا دَاعٍ لَنَا طَالِبِ الرَّشَدْ
ــ
[رد المحتار]
بِالْجَنَانِ (قَوْلُهُ: فَلَقَدْ) الْفَاءُ لِلتَّعْلِيلِ وَاللَّامُ لِلْقَسَمِ فَهُوَ حَمْدٌ عَلَى نِعْمَةٍ مُعَيَّنَةٍ (قَوْلُهُ: مَنَّ) أَيْ أَنْعَمَ هُوَ أَيْ الْمَوْلَى تَعَالَى (قَوْلُهُ: بِابْتِدَاءِ تَبْيِيضِهِ) أَيْ الْمُؤَلَّفِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ مُؤَلِّفُهُ وَقَوْلُهُ قَدْ فَرَغْتُ مِنْ تَأْلِيفِهِ (قَوْلُهُ: تُجَاهَ) أَصْلُهُ وِجَاهَ أُبْدِلَتْ الْوَاوُ تَاءً مِنْ الْمُوَاجَهَةِ بِمَعْنَى الْمُقَابَلَةِ (قَوْلُهُ: صَاحِبِ الرِّسَالَةِ) أَلْ لِلْعَهْدِ أَيْ الرِّسَالَةِ الْعَامَّةِ الدَّائِمَةِ (قَوْلُهُ: وَالْقَدْرِ) أَيْ الرُّتْبَةِ الْعَلِيَّةِ (قَوْلُهُ: الْمُنِيفِ) أَيْ الزَّائِدِ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ الْعَالِي مِنْ قَوْلِهِمْ لِمَا زَادَ عَلَى الْعَقْدِ نَيِّفٌ وَنَافَ وَأَنَافَ عَلَى الشَّيْءِ أَشْرَفَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: تُجَاهَ قَبْرِ صَاحِبِ هَذَا الْمَتْنِ الشَّرِيفِ) وَذَلِكَ بِبَلَدِهِ وَهِيَ غَزَّةُ هَاشِمٌ (قَوْلُهُ: فَلَعَلَّهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَالْخَتْمِ (قَوْلُهُ: عَلَامَةُ الْقَبُولِ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ صَاحِبِ الْمَتْنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْقَبُولُ الرِّضَا بِالشَّيْءِ مَعَ تَرْكِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى فَاعِلِهِ وَقِيلَ الْإِثَابَةُ عَلَى الْعَمَلِ الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ: وَالتَّشْرِيفِ) يُقَالُ شَرُفَ كَكَرُمَ شَرَفًا عَلَا فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا وَشَرَّفَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ مِنْ الشَّرَفِ قَامُوسٌ.
(قَوْلُهُ: قَالَ مُؤَلِّفُهُ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ: فَيَا شَرَفِي) أَيْ اُحْضُرْ فَهَذَا وَقْتُك لِحُصُولِ مُقْتَضِيك وَالْأَبْيَاتُ مِنْ الطَّوِيلِ وَالضَّمِيرُ فِي قَبِلْتَهُ لِلتَّأْلِيفِ ط (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ كُلُّ النَّاسِ) أَيْ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ أَوْ مِنْهُمْ وَمِمَّنْ بَعْدَهُمْ (قَوْلُهُ: رَدُّوهُ عَنْ حَسَدْ) بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَعَنْ بِمَعْنَى اللَّامِ أَيْ لِأَجْلِ حَسَدِهِمْ لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} [هود: ٥٣] أَوْ بِمَعْنَى مِنْ أَيْ رَدًّا نَاشِئًا مِنْ حَسَدٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: ٢٥] (قَوْلُهُ: فَتَقْبَلُنِي) بِالتَّخْفِيفِ أَيْ تُثِيبُنِي وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ (قَوْلُهُ: وأَسَاتِذٍ) جَمْعُ أُسْتَاذٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَمَعْنَاهُ الْمَاهِرُ بِالشَّيْءِ وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا أَشْيَاخُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ لِمَا فِي الْقَامُوسِ لَا تَجْتَمِعُ السِّينُ وَالذَّالُ الْمُعْجَمَةُ فِي كَلِمَةٍ عَرَبِيَّةٍ (قَوْلُهُ: وَتَحْشُرُنَا جَمْعًا) أَيْ حَالَ كَوْنِنَا مُجْتَمِعِينَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْمَصْدَرُ حَالٌ وَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى السَّمَاعِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ جَمْعًا بِمَعْنَى جَمِيعًا تَأْكِيدٌ لِضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِأَنَّ الْحَشْرَ بِمَعْنَى الْجَمْعِ وَقَدْ وَرَدَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحْشَرُ وَأُمَّتَهُ فِي مَحْشَرٍ مُنْفَرِدٍ عَنْ مَحْشَرِ كُلِّ الْخَلَائِقِ، فَالْمَعِيَّةُ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ لَا أَنْ يُرَادَ بِهَا حَالَةٌ مَخْصُوصَةٌ كَالْقُرْبِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: مَعَ الْمُصْطَفَى أَحْمَدْ) قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَبْيَاتِ مِنْ بَحْرِ الطَّوِيلِ، وَالطَّوِيلُ لَهُ عَرُوضٌ وَاحِدَةٌ مَقْبُوضَةٌ وَزْنُهَا مَفَاعِلُنْ وَلِعَرُوضِهِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ وَزْنُهُ مَفَاعِيلُنْ الثَّانِي مَقْبُوضٌ مِثْلُهَا الثَّالِثُ مَحْذُوفٌ وَزْنُهُ فَعُولُنْ وَهَذَا الْبَيْتُ مِنْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ وَالْبَيْتُ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْبَيْتُ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ الضَّرْبِ الثَّانِي وَهَذَا مَعْدُودٌ مِنْ عُيُوبِ الْقَوَافِي وَيُسَمَّى التَّحْرِيدَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا فِي الْخَزْرَجِيَّةِ وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَبْيَاتٌ لِنَظْمِ شُرُوطِ الْوُضُوءِ وَقَعَ فِيهَا نَظِيرُ ذَلِكَ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ هُنَاكَ وَلَوْ قَالَ النَّاظِمُ مَعَ الْمُصْطَفَى السَّنَدْ؛ لَكَانَ أَسَدَّ.
(قَوْلُهُ: وَإِخْوَانِنَا) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَاتِنٍ أَوْ عَلَى قَوْلِهِ الْمُصْطَفَى أَوْ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى نَا فِي تَحْشُرُنَا وَالْأَوَّلُ أَوْلَى (قَوْلُهُ: الْمُسْدِي) مِنْ الْإِسْدَاءِ بِمَعْنَى الْإِعْطَاءِ أَوْ لَفْظُهُ مُفْرَدٌ مَعْطُوفٌ بِإِسْقَاطِ الْعَاطِفِ أَوْ جَمْعٌ نَعْتٌ لِإِخْوَانِنَا وَأَصْلُهُ الْمُسْدِينَ حُذِفَتْ نُونُهُ لِإِضَافَتِهِ إلَى الْخَبَرِ الْمَجْرُورِ بِهِ وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute