للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْعِبَادَةَ ذَاتَ الْأَفْعَالِ تَنْسَحِبُ نِيَّتُهَا عَلَى كُلِّهَا.

افْتَتَحَ خَالِصًا ثُمَّ خَالَطَهُ الرِّيَاءُ اُعْتُبِرَ السَّابِقُ، وَالرِّيَاءُ أَنَّهُ لَوْ خَلَا عَنْ النَّاسِ لَا يُصَلِّي فَلَوْ مَعَهُمْ يُحْسِنُهَا وَوَحْدَهُ لَا فَلَهُ ثَوَابُ أَصْلِ الصَّلَاةِ، وَلَا يَتْرُكُ لِخَوْفِ دُخُولِ الرِّيَاءِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَوْهُومٌ، لَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْوَاجِبِ.

قِيلَ لِشَخْصٍ صَلِّ الظُّهْرَ وَلَك دِينَارٌ فَصَلَّى بِهَذِهِ النِّيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ تُجْزِئَهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الدِّينَارَ.

الصَّلَاةُ لِإِرْضَاءِ الْخُصُومِ لَا تُفِيدُ، بَلْ يُصَلِّي لِلَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْفُ خَصْمُهُ أُخِذَ مِنْ حَسَنَاتِهِ جَاءَ «أَنَّهُ يُؤْخَذُ لِدَانَقٍ ثَوَابُ سَبْعِمِائَةِ صَلَاةٍ بِالْجَمَاعَةِ»

ــ

[رد المحتار]

فَإِنَّهَا مُخَالَفَةٌ لِلظُّهْرِ ذَاتًا وَصِفَةً فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْعِبَادَةَ إلَخْ) مُقَابِلُهُ مَا فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْمُجْتَبَى، مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْعِبَادَةِ فِي كُلِّ رُكْنٍ فَافْهَمْ. وَاحْتُرِزَ بِذَاتِ الْأَفْعَالِ عَمَّا هِيَ فِعْلٌ وَاحِدٌ كَالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ فِي أَوَّلِهِ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَإِنَّهُ ذُو أَفْعَالٍ مِنْهَا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَصْلِ نِيَّةِ الطَّوَافِ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ عَنْ الْفَرْضِ، حَتَّى لَوْ طَافَ نَفْلًا فِي أَيَّامِهِ وَقَعَ عَنْهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الطَّوَافَ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فِي ذَاتِهِ كَمَا هُوَ رُكْنٌ لِلْحَجِّ، فَبِاعْتِبَارِ رُكْنِيَّتِهِ يَنْدَرِجُ فِي نِيَّةِ الْحَجِّ فَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ، وَبِاعْتِبَارِ اسْتِقْلَالِهِ اُشْتُرِطَ فِيهِ أَصْلُ نِيَّةِ الطَّوَافِ، حَتَّى لَوْ طَافَ هَارِبًا أَوْ طَالِبًا لِغَرِيمٍ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ إلَّا فِي ضِمْنِ الْحَجِّ فَيَدْخُلُ فِي نِيَّتِهِ، وَعَلَى هَذَا الرَّمْيُ وَالْحَلْقُ وَالسَّعْيُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ يَقَعُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ بِالْحَلْقِ حَتَّى إنَّهُ يَحِلُّ لَهُ سِوَى النِّسَاءِ، وَبِذَلِكَ يَخْرُجُ مِنْ الْحَجِّ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَاعْتُبِرَ فِيهِ الشَّبَهَانِ

(قَوْلُهُ اُعْتُبِرَ السَّابِقُ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الصَّلَاةَ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ فَالنَّظَرُ فِيهَا إلَى ابْتِدَائِهَا فَإِذَا شَرَعَ فِيهَا خَالِصًا ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهِ الرِّيَاءُ فَهِيَ بَاقِيَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا لَهُ وَبَعْضُهَا لِغَيْرِهِ مَعَ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ، نَعَمْ لَوْ حَسُنَ بَعْضُهَا رِيَاءً فَالتَّحْسِينُ وَصْفٌ زَائِدٌ لَا يُثَابُ بِهِ وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَوْ افْتَتَحَهَا مُرَائِيًا ثُمَّ أَخْلَصَ اُعْتُبِرَ السَّابِقُ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ عِبَادَةً يُمْكِنُ تَجْزِئَتُهَا كَقِرَاءَةٍ وَاعْتِكَافٍ، فَإِنَّ الْجُزْءَ الَّذِي دَخَلَهُ الرِّيَاءُ لَهُ حُكْمُهُ وَالْخَالِصُ لَهُ حُكْمُهُ (قَوْلُهُ وَالرِّيَاءُ أَنَّهُ إلَخْ) أَيْ الرِّيَاءُ الْكَامِلُ الْمُحْبِطُ لِلثَّوَابِ عَنْ أَصْلِ الْعِبَادَةِ أَوْ لِتَضْعِيفِهِ وَإِلَّا فَالتَّحْسِينُ لِأَجْلِ النَّاسِ رِيَاءٌ أَيْضًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُثَابُ عَلَى أَصْلِ الْعِبَادَةِ وَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ إذَا أَرَادَ الشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَوْ أَطَالَ الرُّكُوعَ لِإِدْرَاكِ الْجَائِي، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَخَاف عَلَيْهِ أَمْرًا عَظِيمًا يَعْنِي الشِّرْكَ الْخَفِيَّ وَهُوَ الرِّيَاءُ كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ، وَقَوْلُهُ وَلَا يَتْرُكُ إلَخْ: أَيْ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ يَقْرَأَ فَخَافَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ الرِّيَاءُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَوْهُومٌ أَشْبَاهٌ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ. وَقَدْ سُئِلَ الْعَارِفُ الْمُحَقِّقُ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ السُّهْرَوَرْدِيِّ عَمَّا نَصُّهُ: يَا سَيِّدِي إنْ تَرَكْت الْعَمَلَ أَخْلَدْت إلَى الْبَطَالَةِ وَإِنْ عَمِلْت دَاخَلَنِي الْعَجَبُ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى؟ فَكَتَبَ جَوَابُهُ: اعْمَلْ وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ مِنْ الْعُجْبِ اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْوَاجِبِ) أَيْ أَنَّ الرِّيَاءَ لَا يُبْطِلُ الْفَرْضَ وَإِنْ كَانَ الْإِخْلَاصُ مِنْ جُمْلَةِ الْفَرَائِضِ. قَالَ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ: وَإِذَا صَلَّى رِيَاءً وَسُمْعَةً تَجُوزُ صَلَاتُهُ فِي الْحُكْمِ لِوُجُودِ شَرَائِطِهِ وَأَرْكَانِهِ وَلَكِنْ لَا يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ وَاَلَّذِي فِي الذَّخِيرَةِ خِلَافُهُ، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الرِّيَاءُ لَا يَدْخُلُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْفَرَائِضِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُسْتَقِيمُ أَنَّ الرِّيَاءَ لَا يُفَوِّتُ أَصْلَ الثَّوَابِ، وَإِنَّمَا يُفَوِّتُ تَضَاعُفَ الثَّوَابِ. اهـ. بِيرِيّ عَلَى الْأَشْبَاهِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ

(قَوْلُهُ قِيلَ لِشَخْصٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مَنْصُوصَةً فِي مَذْهَبِنَا، وَصَرَّحَ بِهَا النَّوَوِيُّ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهَا، أَمَّا الْإِجْزَاءُ فَلِأَنَّهُ لَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْوَاجِبِ، وَأَمَّا عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الدِّينَارِ فَلِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى وَاجِبٍ، وَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْأُجْرَةَ كَالْأَبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>