كَفِعْلِهِ الْمُنَافِي لَهَا بَعْدَ تَمَامِهَا وَإِنْ كُرِهَ تَحْرِيمًا: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ اتِّفَاقًا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَعَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ:
وَبَقِيَ مِنْ الْفُرُوضِ تَمْيِيزُ الْمَفْرُوضِ، وَتَرْتِيبُ الْقِيَامِ عَلَى الرُّكُوعِ،
ــ
[رد المحتار]
عَمْدًا، أَوْ يَتَكَلَّمُ، أَوْ يَذْهَبُ، أَوْ يُسَلِّمُ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَمِنْهُ مَا لَوْ حَاذَتْهُ امْرَأَةٌ لِأَنَّ الْمُحَاذَاةَ مُفَاعَلَةٌ فَكَانَ الْفِعْلُ مَوْجُودًا مِنْ الرَّجُلِ بِصُنْعِهِ كَوُجُودِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلرَّجُلِ فِيهِ اخْتِيَارٌ، وَتَمَامُهُ فِي النِّهَايَةِ، وَاحْتُرِزَ بِصُنْعِهِ عَمَّا لَوْ كَانَ سَمَاوِيًّا كَأَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ (قَوْلُهُ كَفِعْلِهِ الْمُنَافِي لَهَا) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْبَاءِ بَدَلَ الْكَافِ لِيَكُونَ تَفْسِيرًا نَقُولُهُ بِصُنْعِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ الْخُرُوجَ بِلَفْظِ السَّلَامِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْكَمَالِ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ، وَبِقَوْلِهِ كَفِعْلِهِ إلَخْ مَا عَدَاهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَإِنْ كُرِهَ تَحْرِيمًا فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ إلَّا فِيمَا عَدَا السَّلَامَ فَافْهَمْ؛ وَاحْتُرِزَ بِالْمُنَافِي عَنْ نَحْوِ قِرَاءَةٍ وَتَسْبِيحٍ (قَوْلُهُ بَعْدَ تَمَامِهَا) أَيْ بَعْدَ قُعُودِهِ الْأَخِيرِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، وَقُيِّدَ بِهِ لِأَنَّ إتْيَانَهُ بِالْمُنَافِي قَبْلَهُ يُبْطِلُهَا اتِّفَاقًا ح (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ فَرْضًا غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَنْ الْإِمَامِ، وَإِنَّمَا اسْتَنْبَطَهُ الْبَرْدَعِيُّ عَنْ الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ الْآتِيَةِ قُبَيْلَ بَابِ مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ لَمَّا قَالَ فِيهَا بِالْبُطْلَانِ مَعَ أَنَّ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ تَمَّتْ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْخُرُوجُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ فَرْضٌ، وَصَاحِبَاهُ لَمَّا قَالَا فِيهَا بِالصِّحَّةِ كَانَ الْخُرُوجُ بِالصُّنْعِ لَيْسَ فَرْضًا عِنْدَهُمَا. وَرَدَّهُ الْكَرْخِيُّ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ، وَأَنْ هَذَا الِاسْتِنْبَاطَ غَلَطٌ مِنْ الْبَرْدَعِيِّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا كَمَا زَعَمَهُ لَاخْتَصَّ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ وَهُوَ السَّلَامُ؛ وَإِنَّمَا حَكَمَ الْإِمَامُ بِالْبُطْلَانِ فِي الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ لِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْعَوَارِضَ فِيهَا مُغَيِّرَةٌ لِلْفَرْضِ، فَاسْتَوَى فِي حُدُوثِهَا أَوَّلُ الصَّلَاةِ وَآخِرُهَا، فَإِنَّ رُؤْيَةَ الْمُتَيَمِّمِ بَعْدَ الْقَعْدَةِ الْمَاءَ مُغَيِّرَةٌ لِلْفَرْضِ لِأَنَّهُ كَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمَ فَتَغَيَّرَ فَرْضُهُ إلَى الْوُضُوءِ وَكَذَا بَقِيَّةُ الْمَسَائِلِ، بِخِلَافِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ قَاطِعٌ لَا مُغَيِّرٌ، وَالْحَدَثُ الْعَمْدُ وَالْقَهْقَهَةُ وَنَحْوُهُمَا مُبْطِلَةٌ لَا مُغَيِّرَةٌ، وَتَمَامُهُ فِي ح. هَذَا، وَقَدْ انْتَصَرَ الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ لِلْبَرْدَعِيِّ فِي رِسَالَةِ الْمَسَائِلِ الْبَهِيَّةِ الزَّكِيَّةِ عَلَى الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ بِأَنَّهُ قَدْ مَشَى عَلَى افْتِرَاضِ الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَأَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ وَالْإِمَامُ النَّسَفِيُّ فِي الْوَافِي وَالْكَافِي وَالْكَنْزِ وَشُرُوحِهِ وَإِمَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ الْمُقَابِلُ لِقَوْلِ الْبَرْدَعِيِّ.
وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا فِيمَا إذَا سَبَقَهُ حَدَثٌ بَعْدَ قُعُودِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ إذَا لَمْ يَتَوَضَّأْ وَيَبْنِ وَيَخْرُجْ بِصُنْعِهِ، بَطَلَتْ عَلَى تَخْرِيجِ الْبَرْدَعِيِّ، وَصَحَّتْ عَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ ط
(قَوْلُهُ تَمْيِيزُ الْمَفْرُوضِ) فَسَّرَهُ ط بِأَنْ يُمَيِّزَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ عَنْ الْأُولَى بِأَنْ يَرْفَعَ وَلَوْ قَلِيلًا، أَوْ يَكُونَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ قَوْلَانِ مُصَحِّحَانِ. وَنَقَلَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَصِحِّيَّةَ الثَّانِي، وَفَسَّرَهُ ح بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّمْيِيزِ تَمْيِيزُ مَا فُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ عَمَّا لَمْ يُفْرَضْ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَرْضِيَّةَ الْخَمْسِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا لَا يُجْزِيهِ؛ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الْبَعْضَ فَرْضٌ وَالْبَعْضُ سُنَّةٌ وَنَوَى الْفَرْضَ فِي الْكُلِّ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَنَوَى صَلَاةَ الْإِمَامِ عِنْدَ اقْتِدَائِهِ فِي الْفَرْضِ جَازَ؛ وَلَوْ عَلِمَ الْفَرْضَ دُونَ مَا فِيهِ مِنْ فَرَائِضَ وَسُنَنٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ أَيْضًا كَذَا فِي الْبَحْرِ؛ فَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمَفْرُوضَ مِنْ أَجْزَاءِ كُلِّ صَلَاةٍ أَيْ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِيهَا فَرْضٌ وَأَنَّ التَّسْبِيحَ سُنَّةٌ وَهَكَذَا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ مَا فِي مَتْنِ نُورِ الْإِيضَاحِ وَإِنْ كَانَ فِي شَرْحِهِ فَسَّرَهُ بِمَا يَرْفَعُ الْإِيهَامَ.
أَقُولُ: كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ عَدَمُ ذِكْرِهِ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَ فِي الْخَزَائِنِ لِأَنَّهُ عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ يَكُونُ بِمَعْنَى افْتِرَاضِ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا لَا تَتَحَقَّقُ بِدُونِ رَفْعٍ، وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُ السُّجُودِ. وَعَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي يَرْجِعُ إلَى اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ فِي النِّيَّةِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي بَحْثِ النِّيَّةِ (قَوْلُهُ وَتَرْتِيبُ الْقِيَامِ عَلَى الرُّكُوعِ إلَخْ) أَيْ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ رَكَعَ ثُمَّ قَامَ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ الرُّكُوعُ، فَإِنْ رَكَعَ ثَانِيًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ التَّرْتِيبِ الْمَفْرُوضِ وَلَزِمَهُ سُجُودُ السَّهْوِ لِتَقْدِيمِهِ الرُّكُوعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute