(وَمِنْهَا الْقُعُودُ الْأَخِيرُ) وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ شَرْطٌ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْخُرُوجِ كَالتَّحْرِيمَةِ لِلشُّرُوعِ وَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ رُكْنٌ زَائِدٌ لِحِنْثِ مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي بِالرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ لَا يَكْفُرُ مُنْكَرُهُ (قَدْرَ) أَدْنَى قِرَاءَةِ (التَّشَهُّدِ) إلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ بِلَا شَرْطِ مُوَالَاةٍ وَعَدَمِ فَاصِلٍ؛ لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: صَلَّى أَرْبَعًا وَجَلَسَ لَحْظَةً فَظَنَّهَا ثَلَاثًا فَقَامَ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَجَلَسَ ثُمَّ تَكَلَّمَ، فَإِنَّ كِلَا الْجِلْسَتَيْنِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ صَحَّتْ وَإِلَّا لَا
(وَمِنْهَا الْخُرُوجُ بِصُنْعِهِ)
ــ
[رد المحتار]
(قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْقُعُودُ الْأَخِيرُ) عَبَّرَ بِالْأَخِيرِ دُونَ الثَّانِيَ لِيَشْمَلَ قَعْدَةَ الْفَجْرِ وَقَعْدَةَ الْمُسَافِرِ لِأَنَّهَا أَخِيرَةٌ وَلَيْسَتْ ثَانِيَةً كَذَا فِي الدِّرَايَةِ، وَالْمُرَادُ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ وَاقِعٌ آخِرَ الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَالْأَخِيرُ يَقْتَضِي سَبْقَ غَيْرِهِ. وَعَلَيْهِ لَوْ قَالَ آخِرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَ عَبْدًا لَمْ يَعْتِقْ فَلْيُتَأَمَّلْ إمْدَادٌ. بَحْثُ الْقُعُودِ الْأَخِيرِ
(قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ إلَخْ) اخْتَلَفَ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ رُكْنٌ أَصْلِيٌّ. وَفِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لَا فَرْضٌ، لَكِنَّ الْوَاجِبَ هُنَا فِي قُوَّةِ الْفَرْضِ فِي الْعَمَلِ كَالْوِتْرِ. وَفِي الْخِزَانَةِ أَنَّهَا فَرْضٌ وَلَيْسَتْ بِرُكْنٍ أَصْلِيٍّ بَلْ هِيَ شَرْطٌ لِلتَّحْلِيلِ وَجَزَمَ بِأَنَّهَا فَرْضٌ فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ. وَفِي الْيَنَابِيعِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ، وَأَشَارَ إلَى الْفَرْضِيَّةِ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ فِي مَنَاسِكِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلِذَلِكَ مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي يَحْنَثُ بِالرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَعْدَةِ، فَهِيَ فَرْضٌ لَا رُكْنٌ، إذْ الرُّكْنُ هُوَ الدَّاخِلُ فِي الْمَاهِيَّةِ. وَمَاهِيَّةُ الصَّلَاةِ تَتِمُّ بِدُونِ الْقَعْدَةِ، ثُمَّ قَالَ: فَعُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَتْ لِأَجْلِ الِاسْتِرَاحَةِ وَالْفَرْضُ أَدْنَى حَالًا مِنْ الرُّكْنِ لِأَنَّ الرُّكْنَ يَتَكَرَّرُ، فَعَدَمُ التَّكْرَارِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الرُّكْنِيَّةِ، وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْعَالٌ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّعْظِيمِ، وَأَصْلُ التَّعْظِيمِ بِالْقِيَامِ، وَيُزَادُ بِالرُّكُوعِ وَيَتَنَاهَى بِالسُّجُودِ، فَكَانَتْ الْقَعْدَةُ مُرَادَةً لِلْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ، فَكَانَتْ لِغَيْرِهَا لَا لِعَيْنِهَا فَلَمْ تَكُنْ مِنْ الرُّكْنِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِثَمَرَةِ الْخِلَافِ: أَيْ فِي أَنَّهَا رُكْنٌ أَوْ لَا، وَبَيَّنَ فِي الْإِمْدَادِ الثَّمَرَةَ بِأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالْقَعْدَةِ نَائِمًا تُعْتَبَرُ عَلَى الْقَوْلِ بِشَرْطِيَّتِهَا لَا رُكْنِيَّتِهَا. وَعَزَاهُ إلَى التَّحْقِيقِ. وَالْأَصَحُّ عَدَمُ اعْتِبَارِهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ.
قُلْت: وَهَذَا يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا رُكْنٌ زَائِدٌ لَا شَرْطٌ. خِلَافًا لِمَا مَشْي عَلَيْهِ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلنَّهْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْخُرُوجِ) فِيهِ أَنَّ مَا شُرِعَ لِغَيْرِهِ قَدْ يَكُونُ رُكْنًا كَالْقِيَامِ فَإِنَّهُ شُرِعَ وَسِيلَةً لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، حَتَّى لَوْ عَجَزَ عَنْهُمَا يُومِئُ قَاعِدًا وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ (قَوْلُهُ لَحَنِثَ مَنْ حَلَفَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ زَائِدٌ مَعَ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي وَصَلَّى رَكْعَةً بِلَا قِرَاءَةٍ لَا يَحْنَثُ. فَلَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقَعْدَةَ رُكْنٌ زَائِدٌ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا شَرْطٌ، فَالْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَعْكِسَ بِأَنْ يَذْكُرَ هَذَا دَلِيلًا لِلشَّرْطِيَّةِ، وَيَذْكُرَ مَا قَبْلَهُ هُنَا دَلِيلًا لِلرُّكْنِيَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا يَكْفُرُ مُنْكَرُهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مُنْكَرُ فَرْضِيَّتِهِ. لِأَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَأَمَّا مُنْكِرُ أَصْلِ مَشْرُوعِيَّتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْفُرَ لِثُبُوتِهِ بِالْإِجْمَاعِ، بَلْ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَفَادَهُ ح وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالُوا فِي السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ مَنْ لَمْ يَرَهَا حَقًّا كَفَرَ (قَوْلُهُ قَدْرَ أَدْنَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ) أَيْ أَدْنَى زَمَنٍ يَقْرَأُ فِيهِ، بِأَنْ يَكُونَ قَدْرَ أَسْرَعَ مَا يَكُونُ مِنْ التَّلَفُّظِ بِهِ مَعَ تَصْحِيحِ الْأَلْفَاظِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَهُ فِي نَفْسِهِ أَدْنَى وَأَعْلَى ط (قَوْلُهُ إلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّشَهُّدُ الْوَاجِبُ بِتَمَامِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْمُرَادُ مِنْ التَّشَهُّدِ التَّحِيَّاتُ إلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ هُوَ الصَّحِيحُ، لَا مَا زَعَمَ الْبَعْضُ أَنَّهُ لَفْظُ الشَّهَادَتَيْنِ فَقَطْ اهـ (قَوْلُهُ وَعَدَمُ فَاصِلٍ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ.
بَحْثُ الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ
(قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْخُرُوجُ بِصُنْعِهِ إلَخْ) أَيْ بِصُنْعِ الْمُصَلِّي أَيْ فِعْلِهِ الِاخْتِيَارَ، بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يُنَافِي الصَّلَاةَ بَعْدَ تَمَامِهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ؛ وَذَلِكَ بِأَنْ يَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ صَلَاةً مَا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، أَوْ يَضْحَكُ قَهْقَهَةً، أَوْ يُحْدِثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute