للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّكُوعُ) بِحَيْثُ لَوْ مَدّ يَدَيْهِ نَالَ رُكْبَتَيْهِ

(وَمِنْهَا السُّجُودُ) بِجَبْهَتِهِ وَقَدَمَيْهِ، وَوَضْعُ إصْبَعٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا شَرْطٌ، وَتَكْرَارُهُ تَعَبُّدٌ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ كَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ

ــ

[رد المحتار]

بَحْثُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ

(قَوْلُهُ بِحَيْثُ لَوْ مَدّ يَدَيْهِ إلَخْ) كَذَا فِي السِّرَاجِ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: هُوَ طَأْطَأَةُ الرَّأْسِ أَيْ خَفْضُهُ، لَكِنْ مَعَ انْحِنَاءِ الظَّهْرِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ مَوْضُوعِ اللُّغَةِ، فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى {ارْكَعُوا} [الحج: ٧٧] وَأَمَّا كَمَالُهُ فَبِانْحِنَاءِ الصُّلْبِ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرَّأْسُ بِالْعَجْزِ وَهُوَ حَدُّ الِاعْتِدَالِ فِيهِ اهـ لَكِنْ ضَعَّفَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ حَيْثُ قَالَ: الرُّكُوعُ يَتَحَقَّقُ بِمَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الِانْحِنَاءِ، وَقِيلَ إنْ كَانَ إلَى حَالِ الْقِيَامِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ إلَى حَالِ الرُّكُوعِ أَقْرَبَ جَازَ. اهـ. وَتَمَامُهُ فِي الْإِمْدَادِ وَمَا اخْتَارَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَرَّرَهُ عُلَمَاؤُنَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ. وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْمُحِيطِ وَإِنْ طَأْطَأَ رَأْسَهُ فِي الرُّكُوعِ قَلِيلًا وَلَمْ يَعْتَدِلْ فَظَاهِرُ الْجَوَابِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ. وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ إنْ كَانَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبَ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الْفَتَّالِ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ: وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي قَاعِدًا يَنْبَغِي أَنْ يُحَاذِيَ جَبْهَتَهُ قُدَّامَ رُكْبَتَيْهِ لِيَحْصُلَ الرُّكُوعُ. اهـ. قُلْت: وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى تَمَامِ الرُّكُوعِ، وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمْت حُصُولَهُ بِأَصْلِ طَأْطَأَةِ الرَّأْسِ أَيْ مَعَ انْحِنَاءِ الظَّهْرِ تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ وَمِنْهَا السُّجُودُ) هُوَ لُغَةً: الْخُضُوعُ قَامُوسٌ، وَفَسَّرَهُ فِي الْمُغْرِبِ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ فِي الْأَرْضِ. وَفِي الْبَحْرِ: حَقِيقَةُ السُّجُودِ وَضْعُ بَعْضِ الْوَجْهِ عَلَى الْأَرْضِ مِمَّا لَا سُخْرِيَةَ فِيهِ، فَدَخَلَ الْأَنْفُ وَخَرَجَ الْخَدُّ وَالذَّقَنُ، وَأَمَّا إذَا رَفَعَ قَدَمَيْهِ فِي السُّجُودِ فَإِنَّهُ مَعَ رَفْعِ الْقَدَمَيْنِ بِالتَّلَاعُبِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ اهـ وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ بِجَبْهَتِهِ) أَيْ حَيْثُ لَا عُذْرَ بِهَا. وَأَمَّا جَوَازُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَنْفِ فَشَرْطُهُ الْعُذْرُ عَلَى الرَّاجِحِ كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ ح: ثُمَّ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْجَبْهَةِ فَوَضَعَ جُزْءًا مِنْهَا وَإِنْ قَلَّ فَرْضٌ وَوَضَعَ أَكْثَرَهَا وَاجِبٌ (قَوْلُهُ وَقَدَمَيْهِ) يَجِبُ إسْقَاطُهُ لِأَنَّ وَضْعَ إصْبَعٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يَكْفِي كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ ح. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَضَعْ شَيْئًا مِنْ الْقَدَمَيْنِ لَمْ يَصِحَّ السُّجُودُ وَهُوَ مُقْتَضَى مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَحْرِ، وَفِيهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَتَكْرَارُهُ تَعَبُّدٌ) أَيْ تَكْرَارُ السُّجُودِ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ: أَيْ لَمْ يُعْقَلْ مَعْنَاهُ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ تَحْقِيقًا لِلِابْتِلَاءِ، وَقِيلَ ثَنَى تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ حَيْثُ لَمْ يَسْجُدْ مَرَّةً فَنَحْنُ نَسْجُدُ مَرَّتَيْنِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. مَطْلَبٌ هَلْ الْأَمْرُ التَّعَبُّدِيُّ أَفْضَلُ أَوْ الْمَعْقُولُ الْمَعْنَى؟ [فَائِدَةٌ]

سُئِلَ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ فَتَاوَاهُ التُّمُرْتَاشِيَّةِ: هَلْ التَّعَبُّدِيُّ أَفْضَلُ أَوْ مَعْقُولُ الْمَعْنَى؟ أَجَابَ لَمْ أَقِف عَلَيْهِ لِعُلَمَائِنَا سِوَى قَوْلِهِمْ فِي الْأُصُولِ: الْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ التَّعْلِيلُ، فَإِنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَفْضَلِيَّةِ الْمَعْقُولِ، وَوَقَفْت عَلَى ذَلِكَ فِي فَتَاوَى ابْنِ حَجَرٍ. قَالَ: قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ التَّعَبُّدِيَّ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ بِمَحْضِ الِانْقِيَادِ، بِخِلَافِ مَا ظَهَرَتْ عِلَّتُهُ فَإِنَّ مُلَابِسَهُ قَدْ يَفْعَلُهُ لِتَحْصِيلِ فَائِدَتِهِ، وَخَالَفَهُ الْبُلْقِينِيُّ فَقَالَ: لَا شَكَّ أَنَّ مَعْقُولَ الْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ أَفْضَلُ لِأَنَّ أَكْثَرَ الشَّرِيعَةِ كَذَلِكَ، وَبِالنَّظَرِ لِلْجُزْئِيَّاتِ قَدْ يَكُونُ التَّعَبُّدِيُّ أَفْضَلَ كَالْوُضُوءِ وَغُسْلِ الْجَنَابَةِ فَإِنَّ الْوُضُوءَ أَفْضَلُ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَعْقُولُ أَفْضَلَ كَالطَّوَافِ وَالرَّمْيِ فَإِنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ. اهـ. وَفِي الْحِلْيَةِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى فَرَائِضِ الْوُضُوءِ: وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الْأُمُورَ التَّعَبُّدِيَّةَ هَلْ شُرِعَتْ لِحِكْمَةٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَخَفَتْ عَلَيْنَا أَوْ لَا؟ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُتَّجَهُ لِدَلَالَةِ اسْتِقْرَاءِ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كَوْنِهِ سُبْحَانَهُ جَالِبًا لِلْمَصَالِحِ دَارِئًا لِلْمَفَاسِدِ، فَمَا شَرَعَهُ إنْ ظَهَرَتْ حِكْمَتُهُ لَنَا قُلْنَا إنَّهُ مَعْقُولٌ وَإِلَّا قُلْنَا إنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (قَوْلُهُ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ) أَيْ وَبِالْإِجْمَاعِ بَحْرٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالسُّجُودِ فِي الْآيَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَكْرَارِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>