ضَعَّفَهُ فِي الْبَحْرِ (وَهِيَ آيَةٌ) وَاحِدَةٌ (مِنْ الْقُرْآنِ) كُلِّهِ (أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّوَرِ) فَمَا فِي النَّمْلِ بَعْضُ آيَةٍ إجْمَاعًا (وَلَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَلَا مِنْ كُلِّ سُورَةٍ) فِي الْأَصَحِّ، فَتَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ (وَلَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهَا) احْتِيَاطًا (وَلَمْ يَكْفُرْ جَاحِدُهَا لِشُبْهَةِ) اخْتِلَافِ مَالِكٍ (فِيهَا، وَ) كَمَا سَمَّى.
(قَرَأَ الْمُصَلِّي لَوْ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا الْفَاتِحَةَ.
ــ
[رد المحتار]
أَكْثَرَ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ، فَإِذَا كَانَتْ مِنْهَا تَجِبُ مِثْلُهَا لَكِنْ لَمْ يُسَلَّمْ كَوْنُهُ قَوْلَ الْأَكْثَرِ (قَوْلُهُ ضَعَّفَهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ إنَّ هَذَا كُلَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى مِنْ أَنَّهَا سُنَّةٌ لَا وَاجِبٌ فَلَا يَجِبُ بِتَرْكِهَا شَيْءٌ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ إلَّا أَنَّ الْمُتُونَ عَلَى الْأَوَّلِ. اهـ. أَقُولُ: أَيْ إنَّ الْأَوَّلَ مُرَجَّحٌ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ، وَالثَّانِي مِنْ حَيْثُ الدِّرَايَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَهِيَ آيَةٌ) أَيْ خِلَافًا لِقَوْلِ مَالِكٍ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا إنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ أَصْلًا. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَوَاشِي الْكَشَّافِ وَالتَّلْوِيحِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ أَيْ بَلْ هُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ) وَذُكِرَتْ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ لِلتَّبَرُّكِ (قَوْلُهُ فَمَا فِي النَّمْلِ بَعْضُ آيَةٍ) وَأَوَّلُهَا {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} [النمل: ٣٠] وَآخِرُهَا {وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: ٣١] وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ ط (قَوْلُهُ وَلَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: فِيهِ رَدٌّ لِقَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ بِوُجُوبِهَا، وَجَعَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ رِوَايَةَ الثَّانِي عَنْ الْإِمَامِ، وَبِهِ أَخَذَ وَهُوَ أَحْوَطُ. اهـ. وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَلَا مِنْ كُلِّ سُورَةٍ) أَيْ خِلَافًا لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّهَا آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ مَا عَدَا بَرَاءَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَلَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ عَقِبَهُ لِيَكُونَ إشَارَةً إلَى قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ الْمُتَقَدِّمِ لَا إلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، إذْ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ بِذِكْرِ التَّصْحِيحِ لِلْإِشَارَةِ إلَى مَذْهَبِ الْغَيْرِ بَلْ إلَى الْمَرْجُوعِ فِي الْمَذْهَبِ، وَلَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنْ مَشَايِخِنَا الْقَوْلَ بِأَنَّهَا آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ، وَإِنَّمَا عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ إلَى الشَّافِعِيِّ فَقَطْ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ فَتَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ) أَيْ وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، وَهَذَا لَوْ عَلَى قَصْدِ التِّلَاوَةِ (قَوْلُهُ احْتِيَاطًا) عِلَّةً لِلْمَسْأَلَتَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ لِتَوَاتُرِهَا فِي مَحَلِّهَا، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ مَالِكٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ حُرْمَتَهَا عَلَى الْجُنُبِ نَظَرًا إلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ، وَعَدَمُ جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ نَظَرًا إلَى شُبْهَةِ الْخِلَافِ لِأَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ فَلَا يَسْقُطُ بِمَا فِيهِ شُبْهَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَكْفُرْ جَاحِدُهَا إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قِيلَ مِنْ الْإِشْكَالِ فِي التَّسْمِيَةِ إنَّهَا إنْ كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً لَزِمَ تَكْفِيرُ مُنْكِرِهَا وَإِلَّا فَلَيْسَتْ قُرْآنًا. وَالْجَوَابُ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ أَنَّ الْقَطْعِيَّ إنَّمَا يَكْفُرُ مُنْكِرُهُ إذَا لَمْ تَثْبُتْ فِيهِ شُبْهَةٌ قَوِيَّةٌ كَإِنْكَارِ رُكْنٍ، وَهُنَا قَدْ وُجِدَتْ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ أَنْكَرَهَا كَمَالِكٍ ادَّعَى عَدَمَ تَوَاتُرِ كَوْنِهَا قُرْآنًا فِي الْأَوَائِلِ وَأَنَّ كِتَابَتَهَا فِيهَا لِشُهْرَةِ اسْتِنَانِ الِافْتِتَاحِ بِهَا فِي الشَّرْعِ. وَالْمُثْبِتُ يَقُولُ: إجْمَاعُهُمْ عَلَى كِتَابَتِهَا مَعَ أَمْرِهِمْ بِتَجْرِيدِ الْمَصَاحِفِ يُوجِبُ كَوْنَهَا قُرْآنًا، وَالِاسْتِنَانُ لَا يُسَوِّغُ الْإِجْمَاعَ لِتَحَقُّقِهِ فِي الِاسْتِعَاذَةِ. وَالْحَقُّ أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ لِتَوَاتُرِهَا فِي الْمُصْحَفِ، وَهُوَ دَلِيلُ كَوْنِهَا قُرْآنًا، وَلَا نُسَلِّمُ تَوَقُّفَ ثُبُوتِ الْقُرْآنِيَّةِ عَلَى تَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ بِكَوْنِهَا قُرْآنًا، بَلْ الشَّرْطُ فِيمَا هُوَ قُرْآنٌ تَوَاتُرُهَا فِي مَحَلِّهِ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ كَوْنُهُ فِي مَحَلِّهِ مِنْ الْقُرْآنِ اهـ وَقَوْلُهُ وَلَا نُسَلِّمُ إلَخْ رَدٌّ لِمَا تَضَمَّنَهُ كَلَامُ الْمُنْكِرِ مِنْ أَنَّ تَوَاتُرَهَا فِي مَحَلِّهَا لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهَا قُرْآنًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ بِقُرْآنِيَّتِهَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَوَاتُرَهَا فِي مَحَلِّهَا أَثْبَتَ أَصْلَ قُرْآنِيَّتِهَا، وَأَمَّا كَوْنُهَا قُرْآنًا مُتَوَاتِرًا فَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ بِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَكْفُرْ مُنْكِرُهَا، بِخِلَافِ غَيْرِهَا لِتَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ بِقُرْآنِيَّتِهِ. وَوَقَعَ فِي الْبَحْرِ هُنَا اضْطِرَابٌ وَخَلَلٌ بَيَّنْته فِيمَا عَلَّقْته عَلَيْهِ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يُبْقِيَ الْمَتْنَ عَلَى حَالِهِ وَيُسْقِطَ قَوْلَهُ اخْتِلَافُ مَالِكٍ لِيَكُونَ جَوَابًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute