إطَالَةُ رُكُوعٍ أَوْ قِرَاءَةٍ لِإِدْرَاكِ الْجَائِي: أَيْ إنْ عَرَفَهُ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَلَوْ أَرَادَ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يُكْرَهْ اتِّفَاقًا لَكِنَّهُ نَادِرٌ وَتُسَمَّى مَسْأَلَةَ الرِّيَاءِ، فَيَنْبَغِي التَّحَرُّزُ عَنْهَا. (وَ) اعْلَمْ أَنَّهُ مِمَّا يُبْتَنَى عَلَى لُزُومِ الْمُتَابَعَةِ فِي الْأَرْكَانِ أَنَّهُ (لَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ) مِنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ (قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمَأْمُومُ التَّسْبِيحَاتِ) الثَّلَاثَ
ــ
[رد المحتار]
وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ، وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَصِيرُ مُشْرِكًا فَأَفْتَى بِإِبَاحَةِ دَمِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الشِّرْكَ فِي الْعَمَلِ لِأَنَّ أَوَّلَ الرُّكُوعِ كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى وَآخِرَهُ لِلْجَائِي وَلَا يَكْفُرُ لِأَنَّهُ مَا أَرَادَ التَّذَلُّلَ وَالْعِبَادَةَ لَهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ إطَالَةُ رُكُوعٍ أَوْ قِرَاءَةٍ) وَكَذَا الْقُعُودُ الْأَخِيرُ قَبْلَ السَّلَامِ. وَذُكِرَ فِي السِّرَاجِ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُصَلِّي، فَلَوْ انْتَظَرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَفِي أَذَانِ الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ انْتَظَرَ الْإِقَامَةَ لِيُدْرِكَ النَّاسُ الْجَمَاعَةَ يَجُوزُ لِوَاحِدٍ بَعْدَ الِاجْتِمَاعِ لَا إذَا كَانَ دَاعِرًا شِرِّيرًا اهـ (قَوْلُهُ أَيْ إنْ عَرَفَهُ) عَزَاهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ إلَى أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَيْ لِأَنَّ انْتِظَارَهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ لِلتَّوَدُّدِ إلَيْهِ لَا لِلتَّقَرُّبِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْخَيْرِ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الطَّاعَةِ، لَكِنْ يُطَوِّلُ مِقْدَارَ مَا لَا يُثْقِلُ عَلَى الْقَوْمِ، بِأَنْ يَزِيدَ تَسْبِيحَةً أَوْ تَسْبِيحَتَيْنِ عَلَى الْمُعْتَادِ، وَلَفْظَةُ لَا بَأْسَ تُقَيِّدُ فِي الْغَالِبِ أَنَّ تَرْكَهُ أَفْضَلُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ الْعِبَادَةَ لِأَمْرٍ فِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ إخْلَاصِهَا لِلَّهِ تَعَالَى لَا شَكَّ أَنَّ تَرْكَهُ أَفْضَلُ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» وَلِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ إعَانَةً عَلَى إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ فَفِيهِ إعَانَةٌ عَلَى التَّكَاسُلِ وَتَرْكِ الْمُبَادَرَةِ وَالتَّهَيُّؤِ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ حُضُورِ وَقْتِهَا فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَرَادَ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَالَجَ قَلْبُهُ شَيْءٌ سِوَى التَّقَرُّبِ حَتَّى وَلَا الْإِعَانَةِ عَلَى إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ هُوَ الْأَفْضَلُ، لَكِنَّهُ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالتَّقَرُّبِ الْإِعَانَةُ عَلَى إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إعَانَةِ عِبَادِ اللَّهِ عَلَى طَاعَتِهِ فَيَكُونُ الْأَفْضَلُ تَرْكَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الشُّبْهَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا شَرْحُ الْمُنْيَةِ مُلَخَّصًا.
أَقُولُ: قَصْدُ الْإِعَانَةِ عَلَى إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ مَطْلُوبٌ، فَقَدْ شُرِعَتْ إطَالَةُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فِي الْفَجْرِ اتِّفَاقًا وَكَذَا فِي غَيْرِهِ عَلَى الْخِلَافِ إعَانَةً لِلنَّاسِ عَلَى إدْرَاكِهَا لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ كَمَا فَهِمَ الصَّحَابَةُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَفِي الْمُنْيَةِ: وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعَجِّلَهُمْ عَنْ إكْمَالِ السُّنَّةِ. وَنُقِلَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقَ وَإِبْرَاهِيمَ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُسَبِّحَ خَمْسَ تَسْبِيحَاتٍ لِيُدْرِكَ مَنْ خَلْفَهُ الثَّلَاثَ. اهـ. فَعَلَى هَذَا إذَا قَصَدَ إعَانَةَ الْجَائِي فَهُوَ أَفْضَلُ بَعْدَ أَنْ لَا يَخْطِرَ بِبَالِهِ التَّوَدُّدَ إلَيْهِ وَلَا الْحَيَاءَ مِنْهُ وَنَحْوَهُ، وَلِهَذَا نَقَلَ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ أَنَّهُ مَأْجُورٌ، - {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢]- وَفِي أَذَانِ التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ: وَفِي الْمُنْتَقَى أَنَّ تَأْخِيرَ الْمُؤَذِّنِ وَتَطْوِيلَ الْقِرَاءَةِ لِإِدْرَاكِ بَعْضِ النَّاسِ حَرَامٌ، هَذَا إذَا مَالَ لِأَهْلِ الدُّنْيَا تَطْوِيلًا وَتَأْخِيرًا يَشُقُّ عَلَى النَّاسِ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّأْخِيرَ الْقَلِيلَ لِإِعَانَةِ أَهْلِ الْخَيْرِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ. اهـ. قَالَ ط: وَيَظْهَرُ أَنَّ مِنْ التَّقَرُّبِ إطَالَةَ الْإِمَامِ الرُّكُوعَ لِإِدْرَاكِ مُكَبِّرٍ لَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ يَظُنُّ أَنَّهُ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، كَمَا يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْعَوَامّ فَيُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ بِنَاءً عَلَى ظَنِّهِ وَلَا يَتَمَكَّنُ الْإِمَامُ مِنْ أَمْرِهِ بِالْإِعَادَةِ أَوْ الْإِتْمَامِ (قَوْلُهُ وَاعْلَمْ إلَخْ) قَدَّمْنَا فِي بَحْثِ الْوَاجِبَاتِ الْكَلَامُ عَلَى الْمُتَابَعَةِ بِمَا لَا مَزِيدُ عَلَيْهِ، وَحَقَّقْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْمُتَابَعَةَ بِمَعْنَى عَدَمِ التَّأْخِيرِ وَاجِبَةٌ فِي الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ وَسُنَّةٌ فِي السُّنَنِ، فَالتَّقْيِيدُ بِالْأَرْكَانِ هُنَا فِيهِ نَظَرٌ، عَلَى أَنَّ الرَّفْعَ مِنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُتَابَعَةَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا حَتَّى يَكُونَ كَلَامُهُ مَبْنِيًّا عَلَيْهَا، بَلْ كَانَ يَنْبَغِي بِنَاءُ قَوْلِهِ وَجَبَ مُتَابَعَتُهُ عَلَى قَوْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute