الْأَذْكَارِ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُشِيرُ بَاسِطًا أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُشِيرُ بِمُسَبِّحَتِهِ وَحْدَهَا، يَرْفَعُهَا عِنْدَ النَّفْيِ وَيَضَعُهَا عِنْدَ الْإِثْبَاتِ. وَاحْتُرِزَ بِالصَّحِيحِ عَمَّا قِيلَ لَا يُشِيرُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الدِّرَايَةِ وَالرِّوَايَةِ وَبِقَوْلِنَا بِالْمُسَبِّحَةِ عَمَّا قِيلَ يَعْقِدُ عِنْدَ الْإِشَارَةِ. اهـ. وَفِي الْعَيْنِيِّ عَنْ التُّحْفَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ.
ــ
[رد المحتار]
وَصِفَتُهَا: أَنْ يُحَلِّقَ مِنْ يَدِهِ الْيُمْنَى عِنْدَ الشَّهَادَةِ الْإِبْهَامَ وَالْوُسْطَى، وَيَقْبِضُ الْبِنْصِرَ وَالْخِنْصَرَ، وَيُشِيرُ بِالْمُسَبِّحَةِ، أَوْ يَعْقِدُ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ بِأَنْ يَقْبِضَ الْوُسْطَى وَالْبِنْصِرَ وَالْخِنْصَرَ، وَيَضَعُ رَأْسَ إبْهَامِهِ عَلَى حَرْفِ مَفْصِلِ الْوُسْطَى الْأَوْسَطِ. وَيَرْفَعُ الْأُصْبُعَ عِنْدَ النَّفْيِ وَيَضَعُهَا عِنْدَ الْإِثْبَاتِ اهـ. وَقَالَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: قَبْضُ الْأَصَابِعِ عِنْدَ الْإِشَارَةِ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِشَارَةِ وَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِيِّ وَهَذَا فَرْعُ تَصْحِيحِ الْإِشَارَةِ. وَعَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ لَا يُشِيرُ أَصْلًا، وَهُوَ خِلَافُ الدِّرَايَةِ وَالرِّوَايَةِ، فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِشَارَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَعَنْ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا أَنَّهُ سُنَّةٌ، فَيُحَلِّقُ إبْهَامَ الْيُمْنَى وَوُسْطَاهَا مُلْصِقًا رَأْسَهَا بِرَأْسِهَا، وَيُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ. اهـ. فَهَذِهِ النُّقُولُ كُلُّهَا صَرِيحَةٌ بِأَنَّ الْإِشَارَةَ الْمَسْنُونَةَ إنَّمَا هِيَ عَلَى كَيْفِيَّةٍ خَاصَّةٍ وَهِيَ الْعَقْدُ أَوْ التَّحْلِيقُ، وَأَمَّا رِوَايَةُ بَسْطِ الْأَصَابِعِ فَلَيْسَ فِيهَا إشَارَةٌ أَصْلًا، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَهَذَا أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَيْفِيَّةِ فَرْعُ تَصْحِيحِ الْإِشَارَةِ: أَيْ مُفَرَّعٌ عَلَى تَصْحِيحِ رِوَايَةِ الْإِشَارَةِ، فَلَيْسَ لَنَا قَوْلٌ بِالْإِشَارَةِ بِدُونِ تَحْلِيقٍ، وَلِهَذَا فُسِّرَتْ الْإِشَارَةُ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ كَالْبَدَائِعِ وَالنِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَالذَّخِيرَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَشَرْحَيْ الْمُنْيَةِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَالْحِلْيَةِ وَالنَّهْرِ وَشَرْحِ الْمُلْتَقَى لِلْبَهْنَسِيِّ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ النُّقَايَةِ وَشَرْحَيْ دُرَرِ الْبِحَارِ وَغَيْرِهَا كَمَا ذَكَرْت عِبَارَاتِهِمْ فِي رِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا [رَفْعُ التَّرَدُّدِ فِي عَقْدِ الْأَصَابِعِ عِنْدَ التَّشَهُّدِ] وَحُرِّرَتْ فِيهَا أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا سِوَى قَوْلَيْنِ: الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ بَسْطُ الْأَصَابِعِ بِدُونِ إشَارَةٍ.
الثَّانِي بَسْطُ الْأَصَابِعِ إلَى حِينِ الشَّهَادَةِ، فَيَعْقِدُ عِنْدَهَا وَيَرْفَعُ السَّبَّابَةَ عِنْدَ النَّفْيِ وَيَضَعُهَا عِنْدَ الْإِثْبَاتِ، وَهَذَا مَا اعْتَمَدَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ لِثُبُوتِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلِصِحَّةِ نَقْلِهِ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ، فَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ الْأَوَّلَ خِلَافُ الدِّرَايَةِ وَالرِّوَايَةِ. وَأَمَّا مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ النَّاسِ فِي زَمَانِنَا مِنْ الْإِشَارَةِ مَعَ الْبَسْطِ بِدُونِ عَقْدٍ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا قَالَ بِهِ سِوَى الشَّارِحِ تَبَعًا لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ عَنْ الْبُرْهَانِ لِلْعَلَّامَةِ إبْرَاهِيمَ الطَّرَابُلُسِيِّ صَاحِبِ الْإِسْعَافِ مِنْ أَهْلِ الْقَرْنِ الْعَاشِرِ.
وَإِذَا عَارَضَ كَلَامُهُ كَلَامَ جُمْهُورِ الشَّارِحِينَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ ذِكْرِ الْقَوْلَيْنِ فَقَطْ فَالْعَمَلُ عَلَى مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَا جُمْهُورُ الْعَوَامّ، فَأَخْرِجْ نَفْسَك مِنْ ظُلْمَةِ التَّقْلِيدِ وَحِيرَةِ الْأَوْهَامِ، وَاسْتَضِئْ بِمِصْبَاحِ التَّحْقِيقِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَإِنَّهُ مِنْ مِنَحِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ (قَوْلُهُ بِمُسَبِّحَتِهِ وَحْدَهَا) فَيُكْرَهُ أَنْ يُشِيرَ بِالْمُسْبَحَتَيْنِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي عَقْدِ الْأَصَابِعِ عِنْدَ التَّشَهُّدِ
(قَوْلُهُ وَبِقَوْلِنَا إلَخْ) هَذَا الِاحْتِرَازُ إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ كَانَ الْقَائِلُ بِالْعَقْدِ قَائِلًا بِأَنَّهُ لَا يُشِيرُ بِمُسَبِّحَتِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ قَوْلِهِ يَعْقِدُ عِنْدَ الْإِشَارَةِ. وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ الْبُرْهَانِ قَوْلٌ مُلَفَّقٌ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ الْإِشَارَةُ مَعَ بَسْطِ الْأَصَابِعِ بِدُونِ عَقْدٍ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَأَنَّ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ دُرَرِ الْبِحَارِ وَشَرْحِهِ خِلَافُ الْوَاقِعِ وَلَعَلَّهُ قَوْلٌ غَرِيبٌ لَمْ نَرَ مَنْ قَالَهُ، فَتَبِعَهُ فِي الْبُرْهَانِ وَمَشَى عَلَيْهِ النَّاسُ فِي عَامَّةِ الْبُلْدَانِ.
وَأَمَّا الْمَشْهُورُ الْمَنْقُولُ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute