وَفِي الْمُحِيطِ سُنَّةٌ (وَيَقْرَأُ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ) وُجُوبًا كَمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ، لَكِنَّ كَلَامَ غَيْرِهِ يُفِيدُ نَدْبَهُ وَجَزَمَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْجَدُّ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ وَنَحْوِهِ فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ (وَيَقْصِدُ بِأَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ) مَعَانِيَهَا مُرَادَةً لَهُ عَلَى وَجْهٍ (الْإِنْشَاءَ) كَأَنَّهُ يُحَيِّي اللَّهَ تَعَالَى وَيُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّهِ وَعَلَى نَفْسِهِ وَأَوْلِيَائِهِ (لَا الْإِخْبَارَ) عَنْ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّ ضَمِيرَ عَلَيْنَا لِلْحَاضِرِينَ لَا حِكَايَةَ سَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى. وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ فِيهِ إنِّي رَسُولُ اللَّهِ (وَلَا يَزِيدُ) فِي الْفَرْضِ (عَلَى التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى) إجْمَاعًا (فَإِنْ زَادَ عَامِدًا كُرِهَ) فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ (أَوْ سَاهِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ إذَا قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ) فَقَطْ
ــ
[رد المحتار]
فَهُوَ مَا سَمِعْته. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ سُنَّةٌ) يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّهَا غَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ ط (قَوْلُهُ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ ثُمَّ وَقَعَ لِبَعْضِ الشَّارِحِينَ أَنَّهُ قَالَ: وَالْأَخْذُ بِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْلَى فَيُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ، لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا التَّشَهُّدَ وَاجِبًا وَعَيَّنُوهُ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَكَانَ وَاجِبًا، وَلِهَذَا قَالَ فِي السِّرَاجِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّشَهُّدِ حَرْفًا أَوْ يَبْتَدِئَ بِحَرْفٍ قَبْلَ حَرْفٍ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَلَوْ نَقَصَ مِنْ تَشَهُّدِهِ أَوْ زَادَ فِيهِ كَانَ مَكْرُوهًا لِأَنَّ أَذْكَارَ الصَّلَاةِ مَحْصُورَةٌ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا. اهـ. وَالْكَرَاهَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلتَّحْرِيمِ (قَوْلُهُ وَجَزَمَ إلَخْ) وَكَذَا جَزَمَ بِهِ فِي النَّهْرِ وَالْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِي الْبَحْرِ، حَيْثُ قَالَ: أَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ التَّشَهُّدُ وَاجِبٌ: أَيْ التَّشَهُّدُ الْمَرْوِيُّ عَلَى الِاخْتِلَافِ لَا وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ. وَقَوَاعِدُنَا تَقْتَضِيهِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي النَّهْرِ قَرِيبًا مِمَّا قُلْته. وَعَلَيْهِ فَالْكَرَاهَةُ السَّابِقَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ. اهـ.
أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْحِلْيَةِ حَيْثُ ذَكَرَ أَلْفَاظَ التَّشَهُّدِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ التَّشَهُّدَ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَكَذَا لِمَا وَرَدَ مِنْ نَظَائِرِهَا، سُمِّيَ بِهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ
إلَخْ (قَوْلُهُ لَا الْإِخْبَارَ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ لَا يَقْصِدُ الْإِخْبَارَ، وَالْحِكَايَةَ عَمَّا وَقَعَ فِي الْمِعْرَاجِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -. وَتَمَامُ بَيَانِ الْقِصَّةِ مَعَ شَرْحِ أَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ فِي الْإِمْدَادِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ لِلْحَاضِرِينَ) أَيْ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمَلَائِكَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ. وَاسْتَحْسَنَهُ السُّرُوجِيُّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لَا حِكَايَةَ سَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى) الصَّوَابُ: لَا حِكَايَةَ سَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ط (قَوْلُهُ يَقُولُ فِيهِ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ) نَقَلَ ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ. وَرَدَّهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِهِ بِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لِذَلِكَ، بَلْ أَلْفَاظُ التَّشَهُّدِ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَعَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ". اهـ. ط عَنْ الزَّرْقَانِيِّ.
قَالَ فِي التُّحْفَةِ: نَعَمْ إنْ أَرَادَ تَشَهُّدَ الْأَذَانِ صَحَّ " لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَّنَ مَرَّةً فِي سَفَرٍ فَقَالَ ذَلِكَ ". اهـ. قُلْت: وَكَذَلِكَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ " خِفْت أَزْوَادَ الْقَوْمِ " الْحَدِيثَ وَفِيهِ " فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ» وَهَذَا كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ، قَالَهُ لَمَّا ظَهَرَتْ الْمُعْجِزَةُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ الْبَرَكَةِ فِي الزَّادِ (قَوْلُهُ وَلَا يَزِيدُ فِي الْفَرْضِ) أَيْ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ كَالْوِتْرِ وَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ وَإِنْ نَظَرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِيهَا وَلِيَنْظُرَ حُكْمَ الْمَنْذُورِ وَقَضَاءِ النَّفْلِ الَّذِي أَفْسَدَهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا فِي حُكْمِ النَّفْلِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِيهِمَا عَارِضٌ ط (قَوْلُهُ إجْمَاعًا) وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ فِيهَا لِلْجُمْهُورِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «ثُمَّ إنْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ نَهَضَ حِينَ فَرَغَ مِنْ تَشَهُّدِهِ» قَالَ الطَّحَاوِيُّ: مَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ بَحْرٌ، وَعَلَيْهِ فَمُرَادُ الشَّارِحِ أَنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ فَقَطْ) وَقِيلَ لَا يَجِبُ مَا لَمْ يَقُلْ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ، وَقِيلَ مَا لَمْ يُؤَخِّرْ مِقْدَارَ أَدَاءِ رُكْنٍ، وَقِيلَ يَجِبُ وَلَوْ زَادَ حَرْفًا وَاحِدًا وَرَدَ الْكُلُّ فِي الْبَحْرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute