للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَاخْتَلَفَ) الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ (فِي وُجُوبِهَا) عَلَى السَّامِعِ وَالذَّاكِرِ (كُلَّمَا ذُكِرَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَالْمُخْتَارُ) عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ (تَكْرَارُهُ) أَيْ الْوُجُوبُ (كُلَّمَا ذُكِرَ) وَلَوْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ فِي الْأَصَحِّ

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبٌ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ كُلَّمَا ذُكِرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

(قَوْلُهُ فِي وُجُوبِهَا) أَيْ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَذْكُرْ السَّلَامَ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَسَلِّمُوا} [الأحزاب: ٥٦] أَيْ لِقَضَائِهِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: أَيْ فَالْمُرَادُ بِالسَّلَامِ الِانْقِيَادُ، وَعَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى الْأَكْثَرِينَ (قَوْلُهُ وَالذَّاكِرِ) أَيْ ذَاكِرِ اسْمِهِ الشَّرِيفِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْتِدَاءً لَا فِي ضِمْنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي (قَوْلُهُ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ) قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْمَذْهَبِ الِاسْتِحْبَابُ، وَتَبِعَ الطَّحَاوِيَّ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَلِيمِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَحَكَى عَنْ اللَّخْمِيِّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَابْنِ بَطَّةَ مِنْ الْحَنَابِلَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ: إنَّهُ الْأَحْوَطُ، كَذَا فِي شَرْحِ الْفَاسِيِّ عَلَى الدَّلَائِلِ، وَيَأْتِي أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ.

(قَوْلُهُ تَكْرَارُهُ أَيْ الْوُجُوبُ) قَيَّدَ الْقَرْمَانِيُّ فِي شَرْحِ مُقَدِّمَةِ أَبِي اللَّيْثِ وُجُوبَ التَّكْرَارِ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ بِكَوْنِهِ عَلَى سَبِيلِ الْكِفَايَةِ لَا الْعَيْنِ، وَقَالَ: فَإِذَا صَلَّى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ يَسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَعْظِيمُهُ وَإِظْهَارُ شَرَفِهِ عِنْدَ ذِكْرِ اسْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. وَتَمَامُهُ فِي ح (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) صَحَّحَهُ الزَّاهِدِيُّ فِي الْمُجْتَبَى، لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْكَافِي وُجُوبَ الصَّلَاةِ مَرَّةً فِي كُلِّ مَجْلِسٍ كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ حَيْثُ قَالَ فِي بَابِ التِّلَاوَةِ: وَهُوَ كَمَنْ سَمِعَ اسْمَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِرَارًا لَمْ تَلْزَمْهُ الصَّلَاةُ إلَّا مَرَّةً فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ تَكْرَارَ اسْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحِفْظِ سُنَّتِهِ الَّتِي بِهَا قِوَامُ الشَّرِيعَةِ، فَلَوْ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ بِكُلِّ مَرَّةٍ لَأَفْضَى إلَى الْحَرَجِ، غَيْرَ أَنَّهُ يُنْدَبُ تَكْرَارُ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ السُّجُودِ وَالتَّشْمِيتِ كَالصَّلَاةِ، وَقِيلَ يَجِبُ التَّشْمِيتُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إلَى الثَّلَاثِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوُجُوبَ يَتَدَاخَلُ فِي الْمَجْلِسِ فَيَكْتَفِي بِمَرَّةٍ لِلْحَرَجِ كَمَا فِي السُّجُودِ إلَّا أَنَّهُ يُنْدَبُ تَكْرَارُ الصَّلَاةِ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ، بِخِلَافِ السُّجُودِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي شَرْحِهِ عَنْ شَرْحِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْجَامِعِ الْكَبِيرِ جَازِمًا بِهِ، لَكِنْ بِدُونِ لَفْظِ التَّصْحِيحِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ تَصْحِيحَ الزَّاهِدِيِّ لَا يُعَارِضُ تَصْحِيحَ النَّسَفِيِّ صَاحِبِ الْكَافِي، عَلَى أَنَّ الزَّاهِدِيَّ خَالَفَ نَفْسَهُ حَيْثُ قَالَ فِي كَرَاهِيَةِ الْقُنْيَةِ: وَقِيلَ يَكْفِي فِي الْمَجْلِسِ مَرَّةً كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَبِهِ يُفْتَى. اهـ. وَأَوْرَدَ الشَّارِحُ فِي الْخَزَائِنِ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا فِي الْكَافِي مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ. اهـ. وَهَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْكَرْخِيُّ قَائِلًا بِوُجُوبِ التَّكْرَارِ كُلَّمَا ذُكِرَ إلَّا فِي الْمَجْلِسِ الْمُتَّحِدِ فَيَجِبُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَأَنَّهُ لَا يَبْقَى الْخِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّحَاوِيِّ إلَّا فِيمَا إذَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ، وَالْمَنْقُولُ خِلَافُهُ. وَأَوْرَدَ ابْنُ مَلَكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ أَنَّ التَّدَاخُلَ يُوجَدُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقُّهُ. اهـ. وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ الْوُجُوبَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَنْوِي امْتِثَالَ الْأَمْرِ. مَطْلَبٌ هَلْ نَفْعُ الصَّلَاةِ عَائِدٌ لِلْمُصَلِّي أَمْ لَهُ وَلِلْمُصَلِّي عَلَيْهِ

عَلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ نَفْعَ الصَّلَاةِ غَيْرُ عَائِدٍ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ لِلْمُصَلِّي فَقَطْ، وَكَذَا قَالَ السَّنُوسِيُّ فِي شَرْحِ وُسْطَاهُ: إنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا كَسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا نَفْعُ الْمَدْعُوِّ لَهُ. اهـ. وَذَهَبَ الْقُشَيْرِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ إلَى أَنَّ النَّفْعَ لَهُمَا، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَهِيَ عِبَادَةٌ يُتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالْعِبَادَةُ لَا تَكُونُ حَقَّ عَبْدٍ؛ وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّهَا حَقُّ عَبْدٍ فَيَسْقُطُ الْوُجُوبُ لِلْحَرَجِ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ الْحَرَجَ سَاقِطٌ بِالنَّصِّ، وَلَا حَرَجَ فِي إبْقَاءِ النَّدْبِ. وَقَدْ جَزَمَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>