(وَهِيَ فَرْضٌ) عَمَلًا بِالْأَمْرِ فِي شَعْبَانَ ثَانِي الْهِجْرَةِ (مَرَّةً وَاحِدَةً) اتِّفَاقًا (فِي الْعُمْرِ) فَلَوْ بَلَغَ فِي صَلَاتِهِ نَابَتْ عَنْ الْفَرْضِ نَهْرٌ بَحْثًا.
وَفِي الْمُجْتَبَى: لَا يَجِبُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى نَفْسِهِ
ــ
[رد المحتار]
قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} [النساء: ١٦٣] وَ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: ١٨٣] {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: ٧٧] وَفَائِدَةُ التَّشْبِيهِ تَأْكِيدُ الطَّلَبِ: أَيْ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَقِيلَ الْكَافُ لِلتَّعْلِيلِ
(قَوْلُهُ عَمَلًا) مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ لَا تَمْيِيزٌ: أَيْ قُلْنَا بِفَرْضِيَّتِهَا لِأَجْلِ الْعَمَلِ بِالْأَمْرِ الْقَطْعِيِّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ، فَهِيَ فَرْضٌ عِلْمًا وَعَمَلًا لَا عَمَلًا فَقَطْ كَالْوِتْرِ. وَأَمَّا مَا قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ لِلِاسْتِحْبَابِ، وَادَّعَى الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ فَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ كَمَا ذَكَرَهُ الْفَاسِيُّ فِي شَرْحِ دَلَائِلِ الْخَيْرَاتِ (قَوْلُهُ ثَانِي الْهِجْرَةِ) وَقِيلَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ ط (قَوْلُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً اتِّفَاقًا) وَالْخِلَافُ فِيمَا زَادَ إنَّمَا هُوَ فِي الْوُجُوبِ كَمَا يَأْتِي أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ فَلَوْ بَلَغَ فِي صَلَاتِهِ إلَخْ) أَيْ بَلَغَ بِالسِّنِّ وَإِلَّا بَطَلَتْ، عَلَى أَنَّ عِبَارَةَ النَّهْرِ هَكَذَا: لَوْ صَلَّى فِي أَوَّلِ بُلُوغِهِ صَلَاةً أَجْزَأَتْهُ الصَّلَاةُ فِي تَشَهُّدِهِ عَنْ الْفَرْضِ وَوَقَعَتْ فَرْضًا، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الِابْتِدَاءِ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ. اهـ. أَيْ حَيْثُ يَنُوبُ الْغُسْلُ الْمَسْنُونُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ أَوْ الْوُضُوءِ.
أَقُولُ: وَرَأَيْت التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي الْمَنْبَعِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ، حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ أَصْحَابُنَا: هِيَ فَرْضُ الْعُمْرِ إمَّا فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي خَارِجِهَا. . اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَالذَّخِيرَةِ.
قَالَ ح: بَقِيَ مَا إذَا صَلَّى فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى أَوْ فِي أَثْنَاءِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُصَلِّ فِي الْقَعْدَةِ، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَكُونُ مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ وَإِنْ أَثِمَ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ. اهـ. لَكِنْ ذَكَرَ الرَّحْمَتِيُّ عَنْ الْعَلَّامَةِ النِّحْرِيرِيِّ أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْفَرْضِ إلَّا بِنِيَّتِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُصَلَّى بِنِيَّةِ أَدَائِهَا عَنْهُ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ، كَمَا قَالُوا مِنْ شُرُوطِ النِّيَّةِ فِي الْفَرْضِ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لَهُ، حَتَّى لَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ لَا يَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ مَا لَمْ يَنْوِهِ. اهـ.
أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا عَلِمْت أَنَّهَا فَرْضُ الْعُمْرِ: أَيْ يُفْتَرَضُ فِعْلُهَا فِي الْعُمْرِ مَرَّةً كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَالشَّرْطُ الْقَصْدُ إلَى فِعْلِهِ، فَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْفَرْضِيَّةَ لِتَعَيُّنِهِ بِنَفْسِهِ كَالْحَجِّ الْفَرْضِ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْفَرْضِيَّةَ، وَقَدْ صَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَصِحُّ بِلَا نِيَّةٍ: أَيْ لِأَنَّهُ فَرِيضَةُ الْعُمْرِ فَالْقِيَاسُ عَلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ، فَتَدَبَّرْ. مَطْلَبٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى نَفْسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِخِطَابِ صَلُّوا. وَلَا دَاخِلٌ تَحْتَ ضَمِيرِهِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ تَرْكِيبِ {صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٥٦] وَقَالَ فِي النَّهْرِ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: ١٠٤]- لَا يَتَنَاوَلُ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ - {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} [البقرة: ٢١] {يَا عِبَادِيَ} [العنكبوت: ٥٦] كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ اهـ. وَالْحِكْمَةُ فِيهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّهَا دُعَاءٌ، وَكُلُّ شَخْصٍ مَجْبُولٌ عَلَى الدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ وَطَلَبِ الْخَيْرِ لَهَا، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ كُلْفَةٌ، وَالْإِيجَابُ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ لَا يَكُونُ إلَّا فِيمَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ عَلَى النَّفْسِ وَمُنَافَرَةٌ لِطَبْعِهَا لِيَتَحَقَّقَ الِابْتِلَاءُ كَمَا قُرِّرَ فِي الْأُصُولِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى - {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: ٦٠]- وَنَحْوُهُ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِيجَابَ وَلِذَلِكَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْته فَوْقَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ» ح مُلَخَّصًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute