للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلِذَا اسْتَثْنَى فِي النَّهْرِ مِنْ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ مَا فِي تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ وَضَمِنَ صَلَاةً عَلَيْهِ لِئَلَّا يَتَسَلْسَلَ، بَلْ خَصَّهُ فِي دُرَرِ الْبِحَارِ بِغَيْرِ الذَّاكِرِ لِحَدِيثِ «مَنْ ذُكِرْت عِنْدَهُ فَلْيَحْفَظْ»

وَإِزْعَاجُ الْأَعْضَاءِ بِرَفْعِ الصَّوْتِ جَهْلٌ وَإِنَّمَا هِيَ دُعَاءٌ لَهُ، وَالدُّعَاءُ يَكُونُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ.

كَذَا اعْتَمَدَهُ الْبَاجِيَّ فِي كَنْزِ الْعُفَاةِ، وَحَرَّرَ أَنَّهَا قَدْ تُرَدُّ كَكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ مَعَ أَنَّهَا

ــ

[رد المحتار]

فِي الشِّرْعَةِ فَقَالَ: وَلَا يَذْكُرُهُ عِنْدَ الْعُطَاسِ، وَلَا عِنْدَ ذَبْحِ الذَّبِيحَةِ، وَلَا عِنْدَ التَّعَجُّبِ (قَوْلُهُ فَلِذَا اسْتَثْنَى فِي النَّهْرِ إلَخْ) أَقُولُ: يُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا لَوْ ذَكَرَهُ أَوْ سَمِعَهُ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ وَقْتَ الْخُطْبَةِ لِوُجُوبِ الْإِنْصَاتِ وَالِاسْتِمَاعِ فِيهِمَا. وَفِي كَرَاهِيَةِ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَلَوْ سَمِعَ اسْمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقْرَأُ لَا يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَسَنٌ، كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ، وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَمَرَّ عَلَى اسْمِ نَبِيٍّ فَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى تَأْلِيفِهِ وَنَظْمِهِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِنْ فَرَغَ فَفَعَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ. اهـ. (قَوْلُهُ مَا فِي تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ) أَيْ فِي غَيْرِ النَّوَافِلِ فَإِنَّهُ وَإِنْ ذُكِرَ فِيهِ اسْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالصَّلَاةُ فِيهِ تُكْرَهُ تَحْرِيمًا فَضْلًا عَنْ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَتَسَلْسَلَ) عِلَّةً لِلثَّانِي: أَيْ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ لَا تَخْلُو مِنْ ذِكْرِهِ، فَلَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِهَا اسْتَدْعَتْ صَلَاةً أُخْرَى وَهَلُمَّ جَرَّا وَفِيهِ حَرَجٌ: أَمَّا عِلَّةُ الْأَوَّلِ فَهِيَ مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ وَلِهَذَا اسْتَثْنَى: أَيْ وَلِكَرَاهَتِهَا فِي تَشَهُّدٍ غَيْرِ أَخِيرٍ اسْتَثْنَى إلَخْ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ وَضِمْنِ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى تَشَهُّدٍ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ عِلَّتِهِ بِدَلِيلِ الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهَا لِلثَّانِي فَقَطْ، وَإِلَّا لَقَالَ وَلِئَلَّا يَتَسَلْسَلَ بِالْعَطْفِ عَلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى، وَبِدَلِيلِ أَنَّ الْعِلَّةَ الْأُولَى لَا تَصْلُحُ لِلْحُكْمِ الثَّانِي (قَوْلُهُ بَلْ خَصَّهُ فِي دُرَرِ الْبِحَارِ إلَخْ) أَيْ خُصَّ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ بِالْوُجُوبِ بِمَا عَدَا الذَّاكِرَ، دَفْعًا لِمَا أَوْرَدَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الطَّحَاوِيِّ مِنْ اسْتِلْزَامِ التَّسَلْسُلِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ لَا تَخْلُو عَنْ ذِكْرِهِ.

وَحَاصِلُ الْجَوَابِ تَخْصِيصُ الْوُجُوبِ عَلَى السَّامِعِ فَقَطْ لِأَنَّ أَحَادِيثَ الْوَعِيدِ الْمَارَّةِ تُفِيدُ ذَلِكَ، فَإِنَّ لَفْظَ «الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْت عِنْدَهُ» لَا يَشْمَلُ الذَّاكِرَ لِأَنَّ مَنْ الْمَوْصُولَةَ بِمَعْنَى الشَّخْصِ الَّذِي وَقَعَ الذِّكْرُ فِي حَضْرَتِهِ فَيَسْتَدْعِي أَنْ يَكُونَ الذَّاكِرُ غَيْرَهُ، وَإِلَّا لَقِيلَ مَنْ ذَكَرَنِي. وَأَجَابَ ح بِأَنَّ الذَّاكِرَ دَاخِلٌ بِدَلَالَةِ الْمُسَاوَاةِ، وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعْظِيمُهُ وَالذَّاكِرُ لَهُ لَا يَذْكُرُهُ إلَّا فِي مَقَامِ التَّعْظِيمِ، فَلَا تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ، بَلْ تَلْزَمُ السَّامِعَ لِئَلَّا يُخِلَّ بِالتَّعْظِيمِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تَأَمَّلْ، لَكِنَّ هَذَا يَشْمَلُ الذَّاكِرَ ابْتِدَاءً أَوْ فِي ضِمْنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهِ صَرَّحَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ، فَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ مُخَالِفٌ لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ أَوَّلًا مِنْ الْوُجُوبِ عَلَى الذَّاكِرِ وَالسَّامِعِ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ السَّاعَاتِيِّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مَجْمَعِهِ، وَلِمَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ مَلَكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ عَلَى زَادِ الْفَقِيرِ مِنْ تَخْصِيصِهِ الْوُجُوبَ عَلَى الذَّاكِرِ بِالذَّاكِرِ ابْتِدَاءً لَا فِي ضِمْنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا أَقْرَبُ، وَلَا حَاجَةَ فِي دَفْعِ التَّسَلْسُلِ إلَى تَعْمِيمِ الذَّاكِرِ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَكْرَارِ الْوُجُوبِ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ، وَقَدَّمْنَا تَرْجِيحَ التَّدَاخُلِ وَالِاكْتِفَاءِ بِمَرَّةٍ، وَعَلَيْهِ فَإِيرَادُ التَّسَلْسُلِ مِنْ أَصْلِهِ مَدْفُوعٌ

(قَوْلُهُ وَإِزْعَاجُ الْأَعْضَاءِ) قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: رَفْعُ الصَّوْتِ عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَالْوَعْظِ مَكْرُوهٌ، وَمَا يَفْعَلُهُ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الْوَجْدَ وَالْمَحَبَّةَ لَا أَصْلَ لَهُ، وَيُمْنَعُ الصُّوفِيَّةُ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ وَتَخْرِيقِ الثِّيَابِ، كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَحَرِّرْ أَنَّهَا قَدْ تُرَدُّ) أَيْ لَا تُقْبَلُ.

وَالْقَبُولُ تَرَتُّبُ الْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ مِنْ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ كَتَرْتِيبِ الثَّوَابِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الطَّاعَةِ شُرُوطَهَا وَأَرْكَانَهَا الْقَبُولُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، قَالَ لِأَنَّ الْقَبُولَ لَهُ شَرْطٌ صَعْبٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: ٢٧] أَيْ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى صِدْقِ الْعَزِيمَةِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَتَفَضَّلُ الْمَوْلَى تَعَالَى بِالثَّوَابِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ بِمَحْضِ فَضْلِهِ لَا بِإِيجَابٍ عَلَيْهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ وَاَللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ، نَعَمْ حَيْثُ وَعَدَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالثَّوَابِ عَلَى الطَّاعَةِ وَنَحْوِ الْأَلَمِ حَتَّى الشَّوْكَةَ يُشَاكُهَا بِمَحْضِ فَضْلِهِ تَعَالَى لَا بُدَّ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>