. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[رد المحتار]
وُجُودِهِ لِوَعْدِهِ الصَّادِقِ. قَالَ تَعَالَى {أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ} [آل عمران: ١٩٥] وَعَلَى هَذَا فَعَدَمُ الْقَبُولِ لِبَعْضِ الْأَعْمَالِ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ اسْتِيفَاءِ شُرُوطِ الْقَبُولِ: كَعَدَمِ الْخُشُوعِ فِي نَحْوِ الصَّلَاةِ، أَوْ عَدَمِ حِفْظِ الْجَوَارِحِ فِي الصَّوْمِ، أَوْ عَدَمِ طِيبِ الْمَالِ فِي الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ، أَوْ عَدَمِ الْإِخْلَاصِ مُطْلَقًا، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْعَوَارِضِ. وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ تُرَدُّ عَدَمُ إثَابَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهَا لِعَارِضٍ كَاسْتِعْمَالِهَا عَلَى مُحَرَّمٍ كَمَا مَرَّ، أَوْ لِإِتْيَانِهِ بِهَا مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ أَوْ لِرِيَاءٍ وَسُمْعَةٍ؛ كَمَا أَنَّ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ مِنْهَا لَوْ أَتَى بِهَا نِفَاقًا أَوْ رِيَاءً لَا تُقْبَلُ: وَأَمَّا إذَا خَلَتْ مِنْ هَذِهِ الْعَوَارِضِ وَنَحْوِهَا فَالظَّاهِرُ الْقَبُولُ حَتْمًا إنْجَازًا لِلْوَعْدِ الصَّادِقِ كَغَيْرِهَا مِنْ الطَّاعَاتِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنْ وَقَعَ فِي كَلَامِ كَثِيرِينَ مَا يَقْتَضِي الْقَبُولَ مُطْلَقًا؛ فَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِمُصَنِّفِهِ أَنَّ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الدُّعَاءِ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ لِمَا بَعْدَهَا مِنْ الدُّعَاءِ فَإِنَّ الْكَرِيمَ لَا يَسْتَجِيبُ بَعْضَ الدُّعَاءِ وَيَرُدُّ بَعْضَهُ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِهِ لِابْنِ مَلَكٍ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْفَاسِيُّ فِي شَرْحِ الدَّلَائِلِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ فِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ: الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجَابَةٌ عَلَى الْقَطْعِ، فَإِذَا اقْتَرَنَ بِهَا السُّؤَالُ شُفِعَتْ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ فَقُبِلَ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَذْكُورٌ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ الصَّالِحِ.
وَاسْتَشْكَلَ كَلَامَهُ هَذَا الشَّيْخُ السَّنُوسِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَمْ يَجِدُوا لَهُ مُسْتَنِدًا، وَقَالُوا: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَطْعٌ فَلَا مِرْيَةَ فِي غَلَبَةِ الظَّنِّ وَقُوَّةِ الرَّجَاءِ. اهـ.
وَذُكِرَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ دَلَائِلِ الْخَيْرَاتِ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ حَاجَتَهُ فَلْيُكْثِرْ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ حَاجَتَهُ، وَلْيَخْتِمْ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ الصَّلَاتَيْنِ، وَهُوَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَدَعَ مَا بَيْنَهُمَا. اهـ. مَطْلَبٌ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ تُرَدُّ أَمْ لَا
قَالَ الْفَاسِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَمِنْ تَمَامِ كَلَامِ أَبِي سُلَيْمَانَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ: وَكُلُّ الْأَعْمَالِ فِيهَا الْمَقْبُولُ وَالْمَرْدُودُ إلَّا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهَا مَقْبُولَةٌ غَيْرُ مَرْدُودَةٍ: وَرَوَى الْبَاجِيَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: إذَا دَعَوْت اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَاجْعَلْ فِي دُعَائِك الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مَقْبُولَةٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَقْبَلَ بَعْضًا وَيَرُدَّ بَعْضًا، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي طَالِبٍ الْمَكِّيِّ وَحُجَّةِ الْإِسْلَامِ الْغَزَالِيِّ: وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ: لَمْ أَجِدْهُ مَرْفُوعًا، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ: وَمَنْ أَرَادَ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ إلَى شَرْحِ الدَّلَائِلِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَبُولِهَا قَطْعًا أَنَّهَا لَا تُرَدُّ أَصْلًا مَعَ أَنَّ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ قَدْ تُرَدُّ فَلِذَا اسْتَشْكَلَهُ السَّنُوسِيُّ وَغَيْرُهُ. وَاَلَّذِي يَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ السَّلَفِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ دُعَاءً وَالدُّعَاءُ مِنْهُ الْمَقْبُولُ وَمِنْهُ الْمَرْدُودُ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يُجِيبُ السَّائِلَ بِعَيْنِ مَا دَعَاهُ وَقَدْ يُجِيبُهُ بِغَيْرِهِ لِمُقْتَضَى حِكْمَتِهِ خَرَجَتْ الصَّلَاةُ مِنْ عُمُومِ الدُّعَاءِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: ٥٦] بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ الْمُفِيدِ لِلِاسْتِمْرَارِ التَّجَدُّدِيِّ مَعَ الِافْتِتَاحِ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الْمُفِيدَةِ لِلتَّوْكِيدِ وَابْتِدَائِهَا بِإِنَّ لِزِيَادَةِ التَّوْكِيدِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَزَالُ مُصَلِّيًا عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ امْتَنَّ سُبْحَانَهُ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ حَيْثُ أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ أَيْضًا لِيَحْصُلَ لَهُمْ بِذَلِكَ زِيَادَةُ فَضْلٍ وَشَرَفٍ وَإِلَّا فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَغْنٍ بِصَلَاةِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِ، فَيَكُونُ دُعَاءُ الْمُؤْمِنِ بِطَلَبِ الصَّلَاةِ مِنْ رَبِّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute