للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَعَمْرِي لَقَدْ صَارَ هَذَا كَالشَّرِيعَةِ الْمَنْسُوخَةِ لَا يَكَادُ يَنْوِي أَحَدٌ شَيْئًا إلَّا الْفُقَهَاءُ، وَفِيهِمْ نَظَرٌ.

وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ السُّنَّةِ إلَّا بِقَدْرِ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ إلَخْ. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: لَا بَأْسَ بِالْفَصْلِ بِالْأَوْرَادِ وَاخْتَارَهُ الْكَمَالُ. قَالَ الْحَلَبِيُّ: إنْ أُرِيدَ بِالْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةُ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ قُلْت: وَفِي حِفْظِي حَمَلَهُ عَلَى الْقَلِيلَةِ؛ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَغْفِرَ ثَلَاثًا وَيَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَالْمُعَوِّذَاتِ وَيُسَبِّحُ وَيَحْمَدُ وَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ؛ وَيُهَلِّلُ تَمَامَ الْمِائَةِ وَيَدْعُو وَيَخْتِمُ بِسُبْحَانَ رَبِّك.

ــ

[رد المحتار]

اللَّقَانِيُّ أَنَّهُ تُكْتَبُ حَسَنَاتُهُ، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ لَهُ كَاتِبَ حَسَنَاتٍ (قَوْلُهُ وَلَعَمْرِي) قَسَمٌ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ النِّيَّةِ. وَفِي الْحِلْيَةِ عَنْ صَدْرِ الْإِسْلَامِ: هَذَا شَيْءٌ تَرَكَهُ جَمِيعُ النَّاسِ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَنْوِي أَحَدٌ شَيْئًا. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَهَذَا حَقٌّ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِي الْإِسْلَامِ صَارَتْ كَالشَّرِيعَةِ الْمَنْسُوخَةِ، وَلِهَذَا لَوْ سَأَلْت أُلُوفَ أُلُوفٍ مِنْ النَّاسِ: أَيُّ شَيْءٍ نَوَيْت بِسَلَامِك لَا يَكَادُ يُجِيبُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِمَا فِيهِ طَائِلٌ إلَّا الْفُقَهَاءُ؛ وَفِيهِمْ نَظَرٌ. اهـ.

(قَوْلُهُ إلَّا بِقَدْرِ اللَّهُمَّ إلَخْ) لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقْعُدُ إلَّا بِمِقْدَارِ مَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ تَبَارَكْت يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي الْأَذْكَارِ عَقِيبَ الصَّلَاةِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا قَبْلَ السُّنَّةِ، بَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ مِنْ لَوَاحِقِ الْفَرِيضَةِ وَتَوَابِعِهَا وَمُكَمِّلَاتِهَا فَلَمْ تَكُنْ أَجْنَبِيَّةً عَنْهَا، فَمَا يُفْعَلُ بَعْدَهَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَقِيبَ الْفَرِيضَةِ.

وَقَوْلُ عَائِشَةَ بِمِقْدَارٍ لَا يُفِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ، بَلْ كَانَ يَقْعُدُ بِقَدْرِ مَا يَسَعُهُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْقَوْلِ تَقْرِيبًا، فَلَا يُنَافِي مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ» وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَكَذَا فِي الْفَتْحِ مِنْ بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ (قَوْلُهُ وَاخْتَارَهُ الْكَمَالُ) فِيهِ أَنَّ الَّذِي اخْتَارَهُ الْكَمَالُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ قَوْلُ الْبَقَّالِيُّ. وَرُدَّ مَا فِي شَرْحِ الشَّهِيدِ مِنْ أَنَّ الْقِيَامَ إلَى السُّنَّةِ مُتَّصِلًا بِالْفَرْضِ مَسْنُونٌ، ثُمَّ قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ قَوْلَ الْحَلْوَانِيِّ لَا بَأْسَ لَا يُعَارِضُ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ كَوْنُ خِلَافِهِ أَوْلَى، فَكَانَ مَعْنَاهَا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَقْرَأَ قَبْلَ السُّنَّةِ، وَلَوْ فَعَلَ لَا بَأْسَ، فَأَفَادَ عَدَمَ سُقُوطِ السُّنَّةِ بِذَلِكَ، حَتَّى إذَا صَلَّى بَعْد الْأَوْرَادِ تَقَعُ سُنَّةً لَا عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ، وَلِذَا قَالُوا: لَوْ تَكَلَّمَ بَعْدَ الْفَرْضِ لَا تَسْقُطُ لَكِنَّ ثَوَابَهَا أَقَلُّ، فَلَا أَقَلَّ مِنْ كَوْنِ قِرَاءَةِ الْأَوْرَادِ لَا تُسْقِطُهَا اهـ.

وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ تِلْمِيذُهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَقَالَ: فَتُحْمَلُ الْكَرَاهَةُ فِي قَوْلِ الْبَقَّالِيِّ عَلَى التَّنْزِيهِيَّةِ لِعَدَمِ دَلِيلِ التَّحْرِيمِيَّةِ، حَتَّى لَوْ صَلَّاهَا بَعْدَ الْأَوْرَادِ تَقَعُ سُنَّةً مُؤَدَّاةً، لَكِنْ لَا فِي وَقْتِهَا الْمَسْنُونِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَفَادَ شَيْخُنَا أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا صَلَّى السُّنَّةَ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ لِاتِّفَاقِ كَلِمَةِ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي السُّنَنِ حَتَّى سُنَّةَ الْمَغْرِبِ الْمُنَزَّلُ أَيْ فَلَا يُكْرَهُ الْفَصْلُ بِمَسَافَةِ الطَّرِيقِ (قَوْلُهُ قَالَ الْحَلَبِيُّ إلَخْ) هُوَ عَيْنُ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ فِي كَلَامِ الْحَلْوَانِيِّ مِنْ عَدَمِ الْمُعَارَضَةِ ط (قَوْلُهُ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَكْرُوهَةً تَنْزِيهًا كَانَتْ خِلَافَ الْأَوْلَى الَّذِي هُوَ مَعْنَى لَا بَأْسَ (قَوْلُهُ وَفِي حِفْظِي إلَخْ) تَوْفِيقٌ آخَرُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، الْمَذْكُورَيْنِ، وَذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ فِي قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ لَا بَأْسَ بِالْفَصْلِ بِالْأَوْرَادِ: أَيْ الْقَلِيلَةِ الَّتِي بِمِقْدَارِ " اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ إلَخْ " لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ ذَلِكَ، بَلْ هُوَ أَوْ مَا قَارَبَهُ فِي الْمِقْدَارِ بِلَا زِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ فَتَأَمَّلْ. وَعَلَيْهِ فَالْكَرَاهَةُ عَلَى الزِّيَادَةِ تَنْزِيهِيَّةٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ عَدَمِ دَلِيلِ التَّحْرِيمِيَّةِ فَافْهَمْ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ مَا لَوْ تَكَلَّمَ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْفَرْضِ أَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ، وَأَنَّهُ لَا يُسَنُّ عِنْدَنَا الْفَصْلُ بَيْنَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَفَرْضِهِ بِالضَّجْعَةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا الشَّافِعِيَّةُ (قَوْلُهُ وَالْمُعَوِّذَاتِ) فِيهِ تَغْلِيبٌ، فَإِنَّ الْمُرَادَ الْإِخْلَاصُ وَالْمُعَوِّذَتَانِ ط (قَوْلُهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) تَنَازَعَ فِيهِ كُلٌّ مِنْ الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ قَبْلُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>