للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ أَحَدُ مَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى - {وَالطُّورِ} [الطور: ١] {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور: ٢] {فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} [الطور: ٣]- وَصَحَّحَ النَّيْسَابُورِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُمَا يَكْتُبَانِ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَنِينَهُ. قُلْت: وَفِي تَفْسِيرِ الدِّمْيَاطِيِّ يَكْتُبُ الْمُبَاحَ كَاتِبُ السَّيِّئَاتِ وَيُمْحَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَفِي تَفْسِيرِ الْكَازَرُونِيِّ الْمَعْرُوفِ بِالْأَخَوَيْنِ: الْأَصَحُّ أَنَّ الْكَافِرَ أَيْضًا تُكْتَبُ أَعْمَالُهُ إلَّا أَنَّ كَاتِبَ الْيَمِينِ كَالشَّاهِدِ عَلَى كَاتِبِ الْيَسَارِ. وَفِي الْبُرْهَانِ أَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ غَيْرُ مَلَائِكَةِ النَّهَارِ، وَأَنَّ إبْلِيسَ مَعَ ابْنِ آدَمَ بِالنَّهَارِ وَوَلَدَهُ بِاللَّيْلِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا قَدْ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ قَرِينَهُ مِنْ الْجِنِّ وَقَرِينَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَإِيَّايَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ» رُوِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا (وَيَزِيدُ) الْمُؤْتَمُّ (السَّلَامَ عَلَى إمَامِهِ فِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى إنْ كَانَ) الْإِمَامُ (فِيهَا وَإِلَّا فَفِي الثَّانِيَةِ، وَنَوَاهُ فِيهِمَا لَوْ مُحَاذِيًا وَيَنْوِي الْمُنْفَرِدُ الْحَفَظَةَ فَقَطْ) .

لَمْ يَقُلْ الْكَتَبَةُ لِيَعُمَّ الْمُمَيِّزَ، إذْ لَا كَتَبَةَ مَعَهُ؛

ــ

[رد المحتار]

مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى أَوْ مَنْ أَطْلَعَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. مُلَخَّصًا، وَتَمَامُهُ فِي ح (قَوْلُهُ وَهُوَ أَحَدُ مَا قِيلَ إلَخْ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ تُكْتَبُ فِي رَقٍّ فَقَطْ كَمَا أَفَادَهُ ح، فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَ النَّيْسَابُورِيُّ) نَقْلَهُ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَغَيْرِهِمْ. وَذَكَرَ قَبْلَهُ عَنْ الِاخْتِيَارِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَوَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْمَلَائِكَةُ لَا تَكْتُبُ إلَّا مَا فِيهِ أَجْرٌ أَوْ وِزْرٌ (قَوْلُهُ حَتَّى أَنِينَهُ) هُوَ الصَّوْتُ الصَّادِرُ عَنْ طَبِيعَةِ الشَّخْصِ فِي مَرَضِهِ لِعُسْرِهِ أَوْ لِضَجِرِهِ أَوْ لِتَأَسُّفِهِ عَلَى مَا فَرَّطَ فِي جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَشَارَ بِهَذِهِ الْغَايَةِ إلَى أَنَّهُمَا يَكْتُبَانِ جَمِيعَ الضَّرُورِيَّاتِ أَيْضًا كَالتَّنَفُّسِ وَحَرَكَةِ النَّبْضِ وَسَائِرِ الْعُرُوقِ وَالْأَعْضَاءِ، أَفَادَهُ ح عَنْ اللَّقَانِيِّ (قَوْلُهُ يَكْتُبُ الْمُبَاحَ كَاتِبُ السَّيِّئَاتِ) تَفْسِيرٌ لِمَا أُجْمِلَ فِي الْعِبَارَةِ السَّابِقَةِ حَيْثُ نَسَبَ فِيهَا كِتَابَةَ كُلِّ شَيْءٍ إلَيْهِمَا، فَأَشَارَ هُنَا إلَى تَفْصِيلِهِ وَبَيَانِهِ لِأَنَّ الْمَكْتُوبَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مَا فِيهِ أَجْرٌ، وَمَا فِيهِ وِزْرٌ، وَمَا لَا وَلَا فَمَا فِيهِ أَجْرٌ لِكَاتِبِ الْحَسَنَاتِ، وَالْبَاقِي لِكَاتِبِ السَّيِّئَاتِ (قَوْلُهُ وَيُمْحَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وَقِيلَ فِي آخِرِ النَّهَارِ، وَقِيلَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْكَلْبِيِّ وَذُكِرَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الِاخْتِيَارِ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى الْأَوَّلِ.

وَعَنْ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ فَلِذَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ الْأَصَحُّ أَنَّ الْكَافِرَ أَيْضًا تُكْتَبُ أَعْمَالُهُ إلَخْ) أَيْ السَّيِّئَةُ، إذْ لَا حَسَنَةَ لَهُ، وَهُوَ مُكَلَّفٌ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ وَالْعُقُوبَاتِ اتِّفَاقًا، وَبِالْعِبَادَاتِ أَدَاءً وَاعْتِقَادًا، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَنَا، فَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ الْأَمْرَيْنِ، وَتَمَامُهُ فِي ح. وَنُقِلَ عَنْ اللَّقَانِيِّ أَنَّ أَعْمَالَ الْكَافِرِ الَّتِي يَظُنُّ هُوَ أَنَّهَا حَسَنَةٌ لَا تُكْتَبُ لَهُ إلَّا إذَا أَسْلَمَ فَيُكْتَبُ لَهُ ثَوَابُهُ مِنْ الْكُفْرِ انْتَهَى. وَفِي حِفْظِي أَنَّ مَذْهَبَنَا خِلَافُهُ فَلْيُرَاجَعْ. مَطْلَبٌ هَلْ يُفَارِقُهُ الْمَلَكَانِ (قَوْلُهُ وَفِي الْبُرْهَانِ إلَخْ) لِحَدِيثِ " يَتَعَاقَبُونَ " الْمُتَقَدِّمِ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ الْحَفَظَةُ الَّذِينَ هُمْ الْمُعَقِّبَاتُ لَا الْحَفَظَةُ الَّذِينَ هُمْ الْكَتَبَةُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ ح (قَوْلُهُ وَأَنَّ إبْلِيسَ مَعَ ابْنِ آدَمَ بِالنَّهَارِ) أَيْ مَعَ جَمِيعِهِمْ إلَّا مَنْ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَأَقْدَرَهُ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا أَقْدَرَ مَلَكَ الْمَوْتِ عَلَى نَظِيرِ ذَلِكَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ الْقَرِينِ الْآتِي لِأَنَّهُ لَا يُفَارِقُ الْآدَمِيَّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ رُوِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ) بِمَعْنَى آمَنَ الْقَرِينُ فَصَارَ لَا يَأْمُرُ إلَّا بِخَيْرٍ كَالْقَرِينِ الْمَلَكِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ وَضَمُّهَا) فَيَكُونُ فِعْلًا مُضَارِعًا مُفِيدًا لِلسَّلَامَةِ مِنْ الْقَرِينِ الْكَافِرِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِمْرَارِ التَّجَدُّدِيِّ ح. وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَرَجَّحَهَا. وَفِي رِوَايَةٍ " فَاسْتَسْلَمَ " كَمَا فِي الشِّفَاءِ (قَوْلُهُ وَيَزِيدُ الْمُؤْتَمُّ إلَخْ) أَيْ يَزِيدُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ نِيَّةِ الْقَوْمِ وَالْحَفَظَةِ نِيَّةَ إمَامِهِ.

(قَوْلُهُ إنْ كَانَ الْإِمَامُ فِيهَا) أَيْ فِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى: أَيْ فِي جِهَتِهَا (قَوْلُهُ وَإِلَّا) صَادَقَ بِالْمُحَاذَاةِ وَلَيْسَتْ مُرَادَةً لِذِكْرِهَا بَعْدُ ح (قَوْلُهُ إذْ لَا كَتَبَةَ مَعَهُ) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَفَظَةِ حَفَظَةُ ذَاتِهِ مِنْ الْأَسْوَاءِ لَا حَفَظَةُ الْأَعْمَالِ، وَهُمَا قَوْلَانِ كَمَا مَرَّ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ حَسَنَاتِ الصَّبِيِّ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ ثَوَابُ التَّعْلِيمِ، وَلِذَا ذَكَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>