للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ. وَهَلْ تَتَغَيَّرُ الْحَفَظَةُ؟ قَوْلَانِ، وَيُفَارِقُهُ كَاتِبُ السَّيِّئَاتِ عِنْدَ جِمَاعٍ وَخَلَاءٍ وَصَلَاةٍ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّ كَيْفِيَّةَ الْكِتَابَةِ وَالْمَكْتُوبِ فِيهِ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ، نَعَمْ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ تُكْتَبُ فِي رَقٍّ بِلَا حَرْفٍ كَثُبُوتِهَا فِي الْعَقْلِ؛

ــ

[رد المحتار]

الْبَشَرِ أَفْضَلَ مِنْ خَوَاصِّ الْمَلَكِ، وَأَوْسَاطَ الْبَشَرِ أَفْضَلَ مِنْ أَوْسَاطِ الْمَلَكِ، فَفِي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، وَسَكَتَ عَنْ عَوَامِّ الْبَشَرِ لِلْخِلَافِ السَّابِقِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ، نَعَمْ قَوْلُهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ دَعْوَى الِاتِّفَاقِ، وَمَا هُنَا أَوْلَى، إذْ الْمَسْأَلَةُ خِلَافِيَّةٌ، وَهِيَ ظَنِّيَّةٌ أَيْضًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ النَّسَفِيَّةِ، بَلْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَقَدْ رُوِيَ التَّوَقُّفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْ مَسْأَلَةِ تَفْضِيلِ الْبَشَرِ عَلَى الْمَلَكِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ لِعَدَمِ الْقَاطِعِ، وَتَفْوِيضِ عِلْمِ مَا لَمْ يَحْصُلْ لَنَا الْجَزْمُ بِعِلْمِهِ إلَى عَالِمِهِ أَسْلَمُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. مَطْلَبٌ هَلْ تَتَغَيَّرُ الْحَفَظَةُ

(قَوْلُهُ هَلْ تَتَغَيَّرُ الْحَفَظَةُ قَوْلَانِ) فَقِيلَ نَعَمْ. لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، فَيَصْعَدُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: أَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَتَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» فَنَقَلَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمْ الْحَفَظَةُ أَيْ الْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ. وَاسْتَظْهَرَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُمْ غَيْرُهُمْ، وَقِيلَ لَا يَتَغَيَّرَانِ مَا دَامَ حَيًّا، لِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَكَّلَ بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مَلَكَيْنِ يَكْتُبَانِ عَمَلَهُ. فَإِذَا مَاتَ قَالَا رَبَّنَا قَدْ مَاتَ فُلَانٌ فَتَأْذَنُ لَنَا فَنَصْعَدُ إلَى السَّمَاءِ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: سَمَائِي مَمْلُوءَةٌ مِنْ مَلَائِكَتِي يُسَبِّحُونِي؛ فَيَقُولَانِ: فَنُقِيمُ فِي الْأَرْضِ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى. أَرْضِي مَمْلُوءَةٌ مِنْ خَلْقِي يُسَبِّحُونِي، فَيَقُولَانِ: فَأَيْنَ نَكُونُ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: قُومَا عَلَى قَبْرِ عَبْدِي فَكَبِّرَانِي وَهَلِّلَانِي وَاذْكُرَانِي وَاكْتُبَا ذَلِكَ لِعَبْدِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ وَيُفَارِقُهُ كَاتِبُ السَّيِّئَاتِ عِنْدَ جِمَاعٍ وَخَلَاءٍ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ صَاحِبَ الْبَحْرِ. وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي شَرْحِ الْجَوْهَرَةِ الْكَبِيرِ لِلَّقَانِيِّ أَنَّ الْمُفَارِقَ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْمَلَكَانِ؛ وَزَادَ أَنَّهُمَا يَكْتُبَانِ مَا حَصَلَ مِنْهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ بِعَلَامَةٍ يَجْعَلُهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ فِي ذَلِكَ إلَى دَلِيلٍ. وَذُكِرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ الْجَزْمَ بِهِ يَحْتَاجُ إلَى ثُبُوتٍ سَمْعِيٍّ يُفِيدُهُ.

وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الْخَلَاءِ يَبْسُطُ رِدَاءَهُ وَيَقُولُ: أَيُّهَا الْمَلَكَانِ الْحَافِظَانِ عَلَيَّ اجْلِسَا هَاهُنَا فَإِنِّي عَاهَدْت اللَّهَ تَعَالَى أَنْ لَا أَتَكَلَّمَ فِي الْخَلَاءِ، فَذَكَرَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ. اهـ. ح مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَصَلَاةٍ) يَعْنِي أَنَّ كَاتِبَ السَّيِّئَاتِ يُفَارِقُ الْإِنْسَانَ فِي صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَا يَكْتُبُهُ، ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ. وَرَدَّهُ فِي الْحِلْيَةِ كَمَا نَقَلَهُ ح (قَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ إلَخْ) مُقَابِلُهُ مَا يَأْتِي عَنْ حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ وَكَذَا مَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ الْقَلَمَ اللِّسَانُ، وَالْمِدَادُ الرِّيقُ (قَوْلُهُ اسْتَأْثَرَ) أَيْ اخْتَصَّ (قَوْلُهُ نَعَمْ إلَخْ) لَا يَحْسُنُ الِاسْتِدْرَاكُ بِهِ بَعْدَ تَصْرِيحِهِ بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ تُكْتَبُ فِي رَقٍّ) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: ثُمَّ قِيلَ إنَّ الَّذِي يَكْتُبُ فِيهِ الْحَفَظَةُ دَوَاوِينُ مِنْ رَقٍّ، كَمَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْله تَعَالَى - {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور: ٢] {فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} [الطور: ٣]- فِي أَحَدِ الْأَقْوَالِ، لَكِنَّ الْمَأْثُورَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " إنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَنْزِلُونَ بِشَيْءٍ يَكْتُبُونَ فِيهِ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ " فَلَمْ يُعَيِّنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِلَا حَرْفٍ كَثُبُوتِهَا فِي الْعَقْلِ) يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الْغَزَّالُ فِي الْمَكْتُوبِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَيْضًا إنَّهُ لَيْسَ حُرُوفًا، وَإِنَّمَا هُوَ ثُبُوتُ الْمَعْلُومَاتِ فِيهِ كَثُبُوتِهَا فِي الْعَقْلِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: لَكِنَّ صَرْفَ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ يَحْتَاجُ إلَى وُجُودِ صَارِفٍ مَعَ كَثْرَةِ مَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِمَّا يُؤَيِّدُ الظَّاهِرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: ٢٩]- {وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف: ٨٠]-.

وَكَذَا مَا ثَبَتَ فِي الْإِسْرَاءِ مِنْ سَمَاعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَرِيفَ الْأَقْلَامِ: أَيْ تَصْوِيتَهَا فَيُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ، لَكِنْ كَيْفَ ذَلِكَ وَصُورَتُهُ وَجِنْسُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>