قُلْت: وَهَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلِكِ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ مِنْ بَحْثِ الْقَضَاءِ (عَلَى الْأَصَحِّ) كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، لَكِنْ تَعَقَّبَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَرَجَّحُوا تَخْيِيرَهُ كَمَنْ سُبِقَ بِرَكْعَةٍ مِنْ الْجُمُعَةِ فَقَامَ يَقْضِيهَا يُخَيَّرُ
(وَ) أَدْنَى (الْجَهْرِ إسْمَاعُ غَيْرِهِ وَ) أَدْنَى
ــ
[رد المحتار]
فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ) قَالَ فِيهَا لِأَنَّ الْجَهْرَ مُخْتَصٌّ، إمَّا بِالْجَمَاعَةِ حَتْمًا أَوْ بِالْوَقْتِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا (قَوْلُهُ لَكِنْ تَعَقَّبَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ) قَالَ فِي الْخَزَائِنِ: هَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَلَمْ يُوَافِقْ عَلَيْهِ، بَلْ تَعَقَّبَهُ فِي الْغَايَةِ وَنَظَرَ فِيهِ فِي الْفَتْحِ، وَبَحَثَ فِيهِ فِي النِّهَايَةِ، وَحَرَّرَ خُسْرو أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ رِوَايَةً وَلَا دِرَايَةً. وَقَدْ اخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْقَضَاءَ كَالْأَدَاءِ. قَالَ قَاضِي خَانْ: هُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْكَافِي وَالنَّهْرِ: هُوَ الْأَصَحُّ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: إنَّهُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ وَذَكَرَ وَجْهَهُ. اهـ. وَأُجِيبَ عَنْ اسْتِدْلَالِ الْهِدَايَةِ بِمَنْعِ الْحَصْرِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلْجَهْرِ الْمُخَيَّرِ سَبَبٌ آخَرُ وَهُوَ مُوَافَقَةُ الْأَدَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَنْ سُبِقَ بِرَكْعَةٍ مِنْ الْجُمُعَةِ إلَخْ) أَيْ أَنَّهُ إذَا قَامَ لِيَقْضِيَهَا لَا يَلْزَمُهُ الْمُخَافَتَةُ، بَلْ لَهُ أَنْ يَجْهَرَ فِيهَا لِيُوَافِقَ الْقَضَاءُ الْأَدَاءَ مَعَ أَنَّهُ قَضَاهَا فِي وَقْتِ الْمُخَافَتَةِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْجَهْرَ لَمْ يَخْتَصَّ سَبَبُهُ بِالْجَمَاعَةِ أَوْ بِالْوَقْتِ، بَلْ لَهُ سَبَبٌ آخَرُ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ لِمَا رَجَّحَهُ الْجَمَاعَةُ؛ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ وَجْهُ اقْتِصَارِهِ عَلَى الْجُمُعَةِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ لَوْ سُبِقَ بِرَكْعَةٍ مِنْ الْعِشَاءِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ الْجَهْرِ فِي الْقَضَاءِ فِي وَقْتِ الْمُخَافَتَةِ لَا مُطْلَقًا فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ وَأَدْنَى الْجَهْرِ إسْمَاعُ غَيْرِهِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ وُجُودِ الْقِرَاءَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
فَشَرَطَ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالْفَضْلِيُّ لِوُجُودِهَا خُرُوجَ صَوْتٍ يَصِلُ إلَى أُذُنِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَشَرَطَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ وَأَحْمَدُ خُرُوجَ الصَّوْتِ مِنْ الْفَمِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى أُذُنِهِ، لَكِنْ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مَسْمُوعًا فِي الْجُمْلَةِ، حَتَّى لَوْ أَدْنَى أَحَدٌ صِمَاخَهُ إلَى فِيهِ يَسْمَعُ.
وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْكَرْخِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ السَّمَاعَ، وَاكْتَفَيَا بِتَصْحِيحِ الْحُرُوفِ. وَاخْتَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ وَالْحَلْوَانِيُّ قَوْلَ الْهِنْدُوَانِيُّ، وَكَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. وَنَقَلَ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ مَا لَمْ تَسْمَعْ أُذُنَاهُ وَمَنْ بِقُرْبِهِ، وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ عَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ لِأَنَّ مَا كَانَ مَسْمُوعًا لَهُ يَكُونُ مَسْمُوعًا لِمَنْ فِي قُرْبِهِ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ. ثُمَّ إنَّهُ اخْتَارَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ قَوْلَ الْهِنْدُوَانِيُّ وَبِشْرٍ مُتَّحِدَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ سَمَاعُهُ بَعْدَ وُجُودِ الصَّوْتِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْحِلْيَةِ أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، بَلْ الْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ. وَأَيَّدَ الْعَلَّامَةُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ فِي فَتَاوَاهُ كَلَامَ الْفَتْحِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، فَارْجِعْ إلَيْهِ. وَذَكَرَ أَنَّ كُلًّا مِنْ قَوْلَيْ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالْكَرْخِيِّ مُصَحَّحَانِ، وَأَنَّ مَا قَالَهُ الْهِنْدُوَانِيُّ أَصَحُّ وَأَرْجَحُ لِاعْتِمَادِ أَكْثَرِ عُلَمَائِنَا عَلَيْهِ.
وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا فِي تَعْرِيفِ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ، وَمِثْلُهُ فِي سَهْوِ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْهِنْدُوَانِيُّ لِأَنَّ أَدْنَى الْحَدِّ الَّذِي تُوجَدُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ عِنْدَهُ خُرُوجُ صَوْتٍ يَصِلُ إلَى أُذُنِهِ أَيْ وَلَوْ حُكْمًا. كَمَا لَوْ كَانَ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ صَمَمٍ أَوْ جَلَبَةِ أَصْوَاتٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ أَدْنَى الْمُخَافَتَةِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ وَمَنْ بِقُرْبِهِ تَصْرِيحٌ بِاللَّازِمِ عَادَةً كَمَا مَرَّ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ أَوْ مَنْ بِقُرْبِهِ بِأَوْ، وَهُوَ أَوْضَحُ، وَيُبْتَنَى عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَدْنَى الْجَهْرِ إسْمَاعُ غَيْرِهِ: أَيْ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ بِقُرْبِهِ بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إنَّ الْإِمَامَ إذَا قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ بِحَيْثُ سَمِعَ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ لَا يَكُونُ جَهْرًا، وَالْجَهْرُ أَنْ يَسْمَعَ الْكُلُّ اهـ أَيْ كُلُّ الصَّفِّ الْأَوَّلِ لَا كُلُّ الْمُصَلِّينَ: بِدَلِيلِ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمَسْعُودِيَّةِ إنَّ جَهْرَ الْإِمَامِ إسْمَاعُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ. اهـ.
وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِي كَلَامِ الْخُلَاصَةِ، وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي كَلَامَ الْهِنْدُوَانِيُّ، بَلْ هُوَ مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ فِي الْمِعْرَاجِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute