للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(مَعَ الْفَاتِحَةِ جَهْرًا فِي الْأُخْرَيَيْنِ) لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ جَهْرٍ وَمُخَافَتَةٍ فِي رَكْعَةٍ شَنِيعٌ، وَلَوْ تَذَكَّرَهَا فِي رُكُوعِهِ قَرَأَهَا وَأَعَادَ الرُّكُوعَ (وَلَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ) فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ (لَا) يَقْضِيهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِلُزُومِ تَكْرَارِهَا،

ــ

[رد المحتار]

لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الِاسْتِحْبَابَ وَتَكُونَ الْقَرِينَةُ عَلَيْهِ مَا فِي الْأَصْلِ كَمَا أُرِيدَ بِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ افْتَرَشَ رَجُلَهُ الْيُسْرَى وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ اخْتِيَارَ صَاحِبِ الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ النَّدْبَ لِأَنَّهُ صَرِيحُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ مَعَ الْفَاتِحَةِ) أَشَارَ بِهِ إلَى شَيْئَيْنِ:

الْأَوَّلُ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْفَاتِحَةَ لِأَنَّ مَعَ تَدْخُلُ عَلَى الْمَتْبُوعِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ: وَالثَّانِي أَنَّ الْفَاتِحَةَ وَاجِبَةٌ أَيْضًا، وَفِيهِ قَوْلَانِ أَيْضًا، وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ عَدَمِ الْوُجُوبِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهَا، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْجَمْعَ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ جَهْرًا رَاجِعٌ إلَى الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ مَعًا، وَجَعَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَصَحَّحَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالسُّورَةِ فَقَطْ، وَجَعَلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَ مِنْ الْجَوَابِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ الصَّوَابَ، وَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ الشَّنِيعُ لِأَنَّ السُّورَةَ تَلْتَحِقُ بِمَوْضِعِهَا تَقْدِيرًا بَحْرٌ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فِي رَكْعَةٍ مَكْرُوهٌ اتِّفَاقًا إذَا كَانَتْ الْقِرَاءَةُ فِي مَحَلِّهَا غَيْرَ مُلْتَحِقَةٍ بِمَا قَبْلَهَا. وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْفُرُوعِ أَوَّلَ الْفَصْلِ فَتَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ تَحْقِيقٌ مُهِمٌّ فِيمَا لَوْ تَذَكَّرَ فِي رُكُوعِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ فَعَادَ تَقَعُ الْقِرَاءَةُ فَرْضًا وَفِي مَعْنَى كَوْنِ الْقِرَاءَةِ فَرْضًا وَوَاجِبًا وَسَنَةً

(قَوْلُهُ وَلَوْ تَذَكَّرَهَا) أَيْ السُّورَةَ (قَوْلُهُ قَرَأَهَا) أَيْ بَعْدَ عَوْدِهِ إلَى الْقِيَامِ (قَوْلُهُ وَأَعَادَ الرُّكُوعَ) لِأَنَّ مَا يَقَعُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ يَكُونُ فَرْضًا فَيُرْتَفَضُ الرُّكُوعُ وَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ فَرْضٌ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْوَاجِبَاتِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يُعِدْهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، بَلْ لَوْ قَامَ لِأَجْلِ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَسَجَدَ وَلَمْ يَقْرَأْ وَلَمْ يُعِدْ الرُّكُوعَ، قِيلَ تَفْسُدُ، وَقِيلَ لَا.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَبَيْنَ الْقُنُوتِ حَيْثُ لَا يَعُودُ لِأَجْلِهِ لَوْ تَذَكَّرَهُ فِي رُكُوعِهِ، وَلَوْ عَادَ لَا يُرْتَفَضُ هُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ تَقَعُ فَرْضًا، أَمَّا الْقُنُوتُ إذَا أُعِيدَ يَقَعُ وَاجِبًا.

وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ وَإِنْ انْقَسَمَتْ إلَى فَرْضٍ وَوَاجِبٍ وَسُنَّةٍ إلَّا أَنَّهُ مَهْمَا أَطَالَ يَقَعُ فَرْضًا، وَكَذَا إذَا أَطَالَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ عَلَى مَا هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَالْأَصَحُّ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل: ٢٠] لِوُجُوبِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْآيَةَ، فَمَا فَوْقَهَا مُطْلَقًا، لِصِدْقِ مَا تَيَسَّرَ عَلَى كُلِّ فَرْضٍ، فَمَهْمَا قَرَأَ يَكُونُ الْفَرْضُ، وَمَعْنَى الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ جَعْلَ الْفَرْضِ مِقْدَارَ كَذَا وَاجِبٌ، وَجَعْلَهُ دُونَ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَجَعْلَهُ فَوْقَ ذَلِكَ إلَى حَدِّ كَذَا سُنَّةٌ، لَا أَنَّهُ يَقَعُ أَوَّلَ آيَةٍ يَقْرَؤُهَا فَرْضًا وَمَا بَعْدَهَا إلَى حَدِّ كَذَا وَاجِبًا وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى حَدِّ كَذَا سُنَّةٌ. لِأَنَّا إنْ اعْتَبَرْنَا الْوَاجِبَ مَا بَعْدَ الْآيَةِ الْأَوْلَى مُنْضَمًّا إلَيْهَا انْقَلَبَ الْفَرْضُ وَاجِبًا، وَإِنْ اعْتَبَرْنَاهُ مُنْفَرِدًا كَانَ الْوَاجِبُ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ. وَقَالُوا: الْفَاتِحَةُ وَاجِبٌ، وَكَذَا الْكَلَامُ فِيمَا بَعْدَ الْوَاجِبِ إلَى حَدِّ السُّنَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ، وَنَحْوُهُ فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ تَحْقِيقٌ دَقِيقٌ فَاغْتَنِمْهُ (قَوْلُهُ لِلُزُومِ تَكْرَارِهَا) أَيْ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَهَذَا لَوْ قَرَأَهَا مَرَّتَيْنِ، فَلَوْ مَرَّةً لَا تَكُونُ قَضَاءً كَمَا فِي النِّهَايَةِ لِأَنَّهَا فِي مَحَلِّهَا، لَكِنْ كَتَبَ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمُفْتِي أَبُو السُّعُودِ.

قُلْت: لَا يَخْفَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، بَلْ ذَاكَ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، فَعَلَى هَذَا إذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ مَرَّةً لَمْ يَتَعَيَّنْ انْصِرَافُهَا إلَى تِلْكَ الرَّكْعَةِ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>