للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاعْتَبَرَ الْحَلَبِيُّ فُحْشَ الطُّولِ لَا عَدَدَ الْآيَاتِ، وَاسْتَثْنَى فِي الْبَحْرِ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَاسْتَظْهَرَ فِي النَّفْلِ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا (وَإِنْ بِأَقَلَّ لَا) يُكْرَهُ، «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

ــ

[رد المحتار]

وَالْحَاصِلُ أَنَّ سُنِّيَّةَ إطَالَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ وَكَرَاهِيَةَ الْعَكْسِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ عَدَدُ الْآيَاتِ إنْ تَقَارَبَتْ الْآيَاتُ طُولًا وَقِصَرًا فَإِنْ تَفَاوَتَتْ تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ الْكَلِمَاتُ، فَإِذَا قَرَأَ فِي الْأُولَى مِنْ الْفَجْرِ عِشْرِينَ آيَةً طَوِيلَةً وَفِي الثَّانِيَةِ مِنْهَا عِشْرِينَ أَيَّةً قَصِيرَةً تَبْلُغُ كَلِمَاتُهَا قَدْرَ نِصْفِ كَلِمَاتِ الْأُولَى فَقَدْ حَصَّلَ السُّنَّةَ، وَلَوْ عَكَسَ يُكْرَهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْحُرُوفَ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مُقَابَلَةُ كُلِّ كَلِمَةٍ بِمِثْلِهَا فِي عَدَدِ الْحُرُوفِ، فَالْمُعْتَبَرُ عَدَدُ الْحُرُوفِ لَا الْكَلِمَاتُ فَلَوْ اقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى الْحُرُوفِ أَوْ عَطَفَهَا عَلَى الْكَلِمَاتِ كَمَا فَعَلَ فِي الْكَافِي لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَاعْتَبَرَ الْحَلَبِيُّ فُحْشَ الطُّولِ إلَخْ) كَمَا لَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَى وَالْعَصْرِ وَفِي الثَّانِيَةِ الْهُمَزَةَ فَرَمَزَ فِي الْقُنْيَةِ أَوَّلًا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ثُمَّ رَمَزَ ثَانِيًا أَنَّهُ يُكْرَهُ وَقَالَ لِأَنَّ الْأُولَى ثَلَاثُ آيَاتٍ وَالثَّانِيَةَ تِسْعٌ، وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ الْكَثِيرَةُ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَرَأَ فِي الْأُولَى مِنْ الْجُمُعَةِ بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: ١] وَفِي الثَّانِيَةِ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: ١] » فَزَادَ عَلَى الْأُولَى بِسَبْعٍ لَكِنْ السَّبْعُ فِي السُّوَرِ الطِّوَالِ يَسِيرٌ دُونَ الْقِصَارِ لِأَنَّ السِّتَّ هُنَا ضِعْفُ الْأَصْلِ وَالسَّبْعُ ثَمَّةَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِهِ اهـ أَيْ أَنَّ السِّتَّ الزَّائِدَةَ فِي الْهُمَزَةِ ضِعْفُ سُورَةِ الْعَصْرِ بِخِلَافِ السَّبْعِ الزَّائِدَةِ فِي الْغَاشِيَةِ فَإِنَّهَا أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ سُورَةِ الْأَعْلَى فَكَانَتْ يَسِيرَةً. قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْقُنْيَةِ أَنَّ ثَلَاثَ آيَاتٍ إنَّمَا تُكْرَهُ فِي السُّوَرِ الْقِصَارِ لِظُهُورِ الطُّولِ فِيهَا بِذَلِكَ ظُهُورًا بَيِّنًا وَهُوَ حَسَنٌ إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ أَنَّهُ مَتَى كَانَتْ الزِّيَادَةُ بِمَا دُونَ النِّصْفِ لَا تُكْرَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ الزِّيَادَةَ إذَا كَانَتْ ظَاهِرَةً ظُهُورًا تَامًّا تُكْرَهُ وَإِلَّا فَلَا لِلُزُومِ الْحَرَجِ فِي التَّحَرُّزِ عَنْ الْخَفِيَّةِ وَلِوُرُودِ مِثْلِ هَذَا فِي الْحَدِيثِ. وَلَا تَغْفُلْ عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْآيَاتِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ تَقَارُبِهَا، وَأَمَّا عِنْدَ تَفَاوُتِهَا فَالْمُعْتَبَرُ التَّقْدِيرُ بِالْكَلِمَاتِ أَوْ الْحُرُوفِ عَمَّا إلَّا فَأَلَمْ نَشْرَحْ ثَمَانِي آيَاتٍ - و - لَمْ يَكُنْ - ثَمَانِي آيَاتٍ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ الْأُولَى فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا قُلْنَا مِنْ ظُهُورِ الزِّيَادَةِ وَالطُّولِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَيْثُ الْآيُ لَكِنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْكَلِمُ وَالْحُرُوفُ وَقِسْ عَلَى هَذَا اهـ كَلَامُ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْحَلَبِيِّ.

وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِهِ وَكَلَامِ الْقُنْيَةِ أَنَّ إطْلَاقَ كَرَاهَةِ إطَالَةِ الثَّانِيَةِ بِثَلَاثِ آيَاتٍ مُقَيَّدٌ بِالسُّوَرِ الْقَصِيرَةِ الْمُتَقَارِبَةِ الْآيَاتِ لِظُهُورِ الْإِطَالَةِ حِينَئِذٍ فِيهَا أَمَّا السُّوَرُ الطَّوِيلَةُ أَوْ الْقَصِيرَةُ الْمُتَفَاوِتَةُ فَلَا يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ فِيهِمَا بَلْ يُعْتَبَرُ ظُهُورُ الْإِطَالَةِ مِنْ حَيْثُ الْكَلِمَاتُ وَإِنْ اتَّحَدَتْ آيَاتُ السُّورَتَيْنِ عَدَدًا هَذَا مَا فَهِمْته، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى فِي الْبَحْرِ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ) أَيْ كَقِرَاءَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى بِالْأَعْلَى وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْغَاشِيَةِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَعَ أَنَّ الْأُولَى تِسْعَ عَشْرَةَ آيَةً وَالثَّانِيَةَ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ. وَعَلَى مَا مَرَّ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ طَوِيلَتَانِ، وَلَا تَفَاوُتَ ظَاهِرٌ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْكَلِمَاتُ وَالْحُرُوفُ، بَلْ هُمَا مُتَقَارِبَتَانِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ أَوَّلًا بِقَرِينَةِ مَا قَبْلَهُ، وَلِأَنَّ عِبَارَةَ الْبَحْرِ هَكَذَا: وَقَيَّدَ بِالْفَرْضِ لِأَنَّهُ يُسَوَّى فِي السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ رَكَعَاتُهَا فِي الْقِرَاءَةِ إلَّا فِيمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ أَوْ الْأَثَرُ، كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي. وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِكَرَاهَةِ تَطْوِيلِ رَكْعَةٍ مِنْ التَّطَوُّعِ وَنَقْصِ أُخْرَى، وَأَطْلَقَ فِي جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ عَدَمَ كَرَاهَةِ إطَالَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ لِأَنَّ أَمْرَهَا سَهْلٌ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْيُسْرِ.

وَمَشَى عَلَيْهِ فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى فَكَانَ الظَّاهِرُ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ اهـ. فَقَوْلُ الْبَحْرِ: وَأَطْلَقَ فِي جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ إلَخْ وَاسْتِظْهَارٌ لَهُ قَرِينَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ خِلَافَ مَا فِي الْمُنْيَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ نَعَمْ كَلَامُهُ فِي إطَالَةِ الْأَوْلَى عَلَى الثَّانِيَةِ دُونَ الْعَكْسِ، فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ ذِكْرُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَتُطَالُ أَوْلَى الْفَجْرِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْأَصَحُّ كَرَاهَةُ إطَالَةِ الثَّانِيَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>