للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هِيَ صُغْرَى وَكُبْرَى؛ فَالْكُبْرَى اسْتِحْقَاقُ تَصَرُّفٍ عَامٍّ عَلَى الْأَنَامِ، وَتَحْقِيقُهُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ، وَنَصْبُهُ أَهَمُّ الْوَاجِبَاتِ، فَلِذَا قَدَّمُوهُ عَلَى دَفْنِ صَاحِبِ الْمُعْجِزَاتِ: وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا حُرًّا ذَكَرًا عَاقِلًا بَالِغًا قَادِرًا، قُرَشِيًّا لَا هَاشِمِيًّا عَلَوِيًّا، مَعْصُومًا. وَيُكْرَهُ تَقْلِيدُ الْفَاسِقِ

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبٌ شُرُوطُ الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى

(قَوْلُهُ فَالْكُبْرَى اسْتِحْقَاقُ تَصَرُّفٍ عَامٍّ عَلَى الْأَنَامِ) أَيْ عَلَى الْخَلْقِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِتَصَرُّفٍ لَا بِاسْتِحْقَاقٍ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ طَاعَةُ الْإِمَامِ لَا تَصَرُّفُهُ، وَلَا بِعَامٍّ إذْ الْمُتَعَارَفُ أَنْ يُقَالَ عَامٌّ بِكَذَا لَا عَلَيْهِ. وَعَرَّفَهَا فِي الْمَقَاصِدِ بِأَنَّهَا رِيَاسَةٌ عَامَّةٌ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا خِلَافَةً عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَخْرُجَ النُّبُوَّةُ، لَكِنَّ النُّبُوَّةَ فِي الْحَقِيقَةِ غَيْرُ دَاخِلَةٍ لِأَنَّهَا بَعْثَةٌ بِشَرْعٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ تَعْرِيفِ النَّبِيِّ، وَاسْتِحْقَاقُ النَّبِيِّ التَّصَرُّفَ الْعَامَّ إمَامَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى النُّبُوَّةِ، فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي التَّعْرِيفِ دُونَ مَا تَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ أَعْنِي النُّبُوَّةَ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْعُمُومِ مِثْلُ الْقَضَاءِ وَالْإِمَارَةِ.

وَلَمَّا كَانَتْ الرِّيَاسَةُ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَيْسَتْ إلَّا اسْتِحْقَاقَ التَّصَرُّفِ، إذْ مَعْنَى نَصْبِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ لِلْإِمَامِ لَيْسَ إلَّا إثْبَاتَ هَذَا الِاسْتِحْقَاقِ عَبَّرَ بِالِاسْتِحْقَاقِ، كَذَا أَفَادَهُ الْعَلَّامَةُ الْكَمَالُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى كِتَابِ الْمُسَايَرَةِ لِشَيْخِهِ الْمُحَقِّقِ الْكَمَالِ ابْنِ الْهُمَامِ (قَوْلُهُ وَنَصْبُهُ) أَيْ الْإِمَامِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْمَقَامِ (قَوْلُهُ أَهَمُّ الْوَاجِبَاتِ) أَيْ مِنْ أَهَمِّهَا لِتَوَقُّفِ كَثِيرٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَيْهِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْعَقَائِدِ النَّسَفِيَّةِ: وَالْمُسْلِمُونَ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ إمَامٍ، يَقُومُ بِتَنْفِيذِ أَحْكَامِهِمْ؛ وَإِقَامَةِ حُدُودِهِمْ، وَسَدِّ ثُغُورِهِمْ، وَتَجْهِيزِ جُيُوشِهِمْ؛ وَأَخْذِ صَدَقَاتِهِمْ، وَقَهْرِ الْمُتَغَلِّبَةِ وَالْمُتَلَصِّصَةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَإِقَامَةِ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ، وَقَبُولِ الشَّهَادَاتِ الْقَائِمَةِ عَلَى الْحُقُوقِ؛ وَتَزْوِيجِ الصِّغَارِ وَالصَّغَائِرِ الَّذِينَ لَا أَوْلِيَاءَ لَهُمْ، وَقِسْمَةِ الْغَنَائِمِ اهـ (قَوْلُهُ فَلِذَا قَدَّمُوهُ إلَخْ) فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ أَوْ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ أَوْ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ ح عَنْ الْمَوَاهِبِ، وَهَذِهِ السُّنَّةُ بَاقِيَةٌ إلَى الْآنَ لَمْ يُدْفَنْ خَلِيفَةٌ حَتَّى يُوَلَّى غَيْرُهُ ط (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَلِي عَلَى الْمُسْلِمِ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَكَيْفَ تَكُونُ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى غَيْرِهِ؟ وَالْوِلَايَةُ الْمُتَعَدِّيَةُ فَرْعٌ لِلْوِلَايَةِ الْقَائِمَةِ وَمِثْلُهُ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَلِأَنَّ النِّسَاءَ أُمِرْنَ بِالْقَرَارِ فِي الْبُيُوتِ فَكَانَ مَبْنَى حَالِهِنَّ عَلَى السِّتْرِ.

وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ قَالَ «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمْ امْرَأَةٌ» وَقَوْلُهُ قَادِرًا: أَيْ عَلَى تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ وَإِنْصَافِ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ، وَسَدِّ الثُّغُورِ؛ وَحِمَايَةِ الْبَيْضَةِ وَحِفْظِ حُدُودِ الْإِسْلَامِ؛ وَجَرِّ الْعَسَاكِرِ؛ وَقَوْلُهُ قُرَشِيًّا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» وَقَدْ سَلَّمَتْ الْأَنْصَارُ الْخِلَافَةَ لِقُرَيْشٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَبِهِ يَبْطُلُ قَوْلُ الضِّرَارِيَّةِ إنَّ الْإِمَامَةَ تَصْلُحُ فِي غَيْرِ قُرَيْشٍ وَالْكَعْبِيَّةِ إنَّ الْقُرَشِيَّ أَوْلَى بِهَا اهـ الْكُلُّ مِنْ ح عَنْ شَرْحِ عُمْدَةِ النَّسَفِيِّ (قَوْلُهُ لَا هَاشِمِيًّا إلَخْ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ هَاشِمِيًّا: أَيْ مِنْ أَوْلَادِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ كَمَا قَالَتْ الشِّيعَةُ نَفْيًا لِإِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -؛ وَلَا عَلَوِيًّا: أَيْ مِنْ أَوْلَادِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُ الشِّيعَةِ نَفْيًا لِخِلَافَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ؛ وَلَا مَعْصُومًا كَمَا قَالَتْ الْإِسْمَاعِيلِيَّة وَالِاثْنَا عَشَرِيَّةَ: أَيْ الْإِمَامِيَّةُ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُكَرِّرَ لَا لِيَظْهَرَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ قَوْلٌ عَلَى حِدَةٍ؛ فَإِنَّ عِبَارَتَهُ تُوهِمُ أَنَّهَا قَوْلٌ وَاحِدٌ ح (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ تَقْلِيدُ الْفَاسِقِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُ، وَعَدَّهَا فِي الْمُسَايَرَةِ مِنْ الشُّرُوطِ، وَعَبَّرَ عَنْهَا تَبَعًا لِلْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ بِالْوَرَعِ. وَزَادَ فِي الشُّرُوطِ الْعِلْمَ وَالْكِفَايَةَ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا أَيْ الْكَفَاءَةَ أَعَمُّ مِنْ الشُّجَاعَةِ تَنْتَظِمُ كَوْنَهُ ذَا رَأْيٍ وَشَجَاعَةٍ كَيْ لَا يَجْبُنَ عَنْ الِاقْتِصَاصِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْحُرُوبِ الْوَاجِبَةِ وَتَجْهِيزِ الْجُيُوشِ؛ وَهَذَا الشَّرْطُ يَعْنِي الشَّجَاعَةَ مِمَّا شَرَطَهُ الْجُمْهُورُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>